ايفت صموئيل تكتب: و من اللطافة .. ما قتل !!

كثيرا ما نُردِّد ” لطيف ” في وصف أحد الأشخاص ، و لاشك أن اللطافة سمة من السِمات المؤهلّة لتفاعل إنساني ايجابي … أن تكون لطيفاً ، يعنى أنك إنسان دمِث الخُلُق ، حسّاس لمشاعر الآخرين و احتياجاتهم ، تُجيد التعبير و الاصغاء …. لكن هل للــ ” اللطافة ” تداعيات أو آثار جانبية ؟؟
أظنّ هذا . فقد يدفعنا حرصنا على لطافتنا للوقوع آسرى في أيدى الغير ، جلباً لرضائهم ، حِرصاً على استبقائهم في حياتنا .. و يُكلِّفنا هذا معاناة كبت التعبير الصريح عما يساورنا من قلق و غضب إزاء بعض مواقفهم و ردود أفعالهم .. نكتم غضبنا ، نقبل بالتزامات فوق طاقة احتمالنا ، نبذل جهدا فائضا لممارسة التعقُّل وقت الغضب و الانفعال .
اللطافة لا تتناقض مع الالتزام بالمصداقية .. و النزعة للـ ” كمال ” شئ و ” وهم إمكانية إدراكه ” ، شئ آخر … آخذين في الاعتبار ان سعينا للكمال يُعدّ شكلاً من أشكال الوفاء لمعايير وضعها الآخرون داخلنا من خلال عمليات التأثير فينا .. فما المرء مِنّا سوى مجموع ديناميكي مؤلّف من كل ” ما ” و ” من ” لامسَ حياته ، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، بالسلب أو بالايجاب . و قد يسيطر على وعينا أحياناً ، التصرُّف بطريقة تجعل الآخرين يُحبُّونا أكثر ، فلا يُفرِّطوا فينا .. و كأننا استبدلنا السعي لتقبُّل كل منا لـ ” ذاته ” ، بالسعي لتقبُّل الآخرون له .
وَهم امكانية ادراك الكمال ليس إلا محاولة عقيمة لبلوغ المستحيل ، يكلفنا كثير من الوقت و الجهد و المعاناة النفسية .. على الجانب الآخر ، يُقسّي قلوبنا في الحكم على الآخرين ، لأنهم لا ينتهجوا نفس النهج ، و لا يعاملوننا بالمثل .. نحاول السيطرة على مساراتهم ، بقدر لا يقل عن تحكمهم في مساراتنا عبر اعراف و معايير لم نتفق عليها و لا نُقِّر بالكثيرٍ منها ، للحد الذي قد يجعلنا فى لحظة ، لوامّيين لأنفسنا ، نشعر بالاستياء مما نفعل و من أولئك الذين من أجلهم نفعله .
في الطفولة ، طغت علينا سيكولوجية ” الاعتمادية ” الكاملة على الغير ، في المراهقة ، كان الغالب علينا سيكولوجية ” الاستقلالية ” شبه الكاملة عن الغير .. و ظنّي أن معيار نُضجنا لا يحدده عمر زمني ، بقدر ما يحدده اعتمادنا سيكولوجية ” الاعتماد المتبادل ” .. وقت أن ننجح في استخدام كل من الاعتمادية / الاستقلالية ، تقدير الذات و تقدير الآخر ، طبقا للمشهد و الموقف .. بما يؤدي لحالة من التوازن الانفعالي و السلام الداخلي .
لذا الدعوة قائمة لأن نُحرّر أنفسنا من الالتزام بما يتوقعه الآخرون منا متى اختلف عن توجهاتنا ، أن نقول ” لا ” عند الضرورة ، أن نخبر الآخرين بشعورنا تجاههم و مواقفهم ، أن نُعبِّر عن غضبنا بطريقة تداوينا منه و تضمن صون علاقاتنا و استمرارية حيويتها ، أن نخبر أصدقائنا بالحقيقة عندما يخذلوننا ، أن نهتم بالآخرين دون تحمُّل عبء محاولة ادراة حياتهم ، أن نُقدِّر لأنفسنا قيمتها و أهليتها لإدارة حياتنا بشكل مُستقِّل .
لن نكون كاملين ، و لن نسلم من أحجار الطريق ، لكن ، سنكون أكثر معرفة بأنفسنا ، أكثر احتراماً و تقديراً لها و صدقا معها ، أكثر فعالية في علاقاتنا ، أكثر احتراماً لكينونة الآخرين و مساحاتهم الشخصية .. و سنظل لُطفاء .