تقرير كامل عن فارس كندا المحافظ، “هاربر”، بعد إنسحابه نهائياً من الحياة السياسية

منذ أن خسر حزبه المحافظ الانتخابات التشريعية الخريف الماضي، قرر الانطواء والانسحاب من أمام وسائل الإعلام، في دلالات قوية على احترام خيارات الناخب الكندي. ملايين الكنديين يكنون له كل الاحترام والتقدير، ويعتبرونه أحد فرسان كندا، بعد أن أدار بسلام دفة البلاد لأكثر من 12 عاما رئيسا للوزراء. إنه السيد ستيفان هاربر، رئيس وزراء كندا السابق، وعضو البرلمان الكندي عن منطقة كالجاري في إقليم ألبرتا، الذي أعلن هذا الأسبوع انسحابه التام من الحياه السياسية والعامة، بانسحابه من مقعده البرلمان، لتجري عليه الانتخابات التكميلية.
هاربر المعروف بخبرته السياسية الكبيرة، واحترامه الواسع بين أوساط اليمين المحافظ ويمين الوسط، قرر اعتزال الحياة السياسية العامة. وهناك تقارير إعلامية اقتصادية تشير إلى أن شركات أمريكية متخصصة في مجال الاستثمار والتمويل تسعي للحصول علي خدماته في منصب مرموق، من بينها شركة KKR. بالإضافة إلى تقارير أخرى تشير إلى أن هناك مؤسسات ومراكز بحثيه دولية تريد الاستفادة من خبرته العريضة والكبيرة في مجال السياسة الخارجية والدولية.
هذا وأكدت كل من CBC و جريدة Globe and Mail أن هذه الاستقالة تأتي قبل انعقاد المؤتمر العام للحزب المحافظ الكندي لاختيار رئيس جديد للحزب بعد استقاله هاربر من رئاسته بعد خسارة الانتخابات التشريعية الأخيرة. وسيتم خلال هذا المؤتمر تكريم هاربر واعطائه الفرصة لإلقاء كلمة عامة، بمناسبة اعتزاله العمل العام والسياسي.
الخروج من حالة الصمت
وعلي الرغم من حالة الصمت المطلق التي تحلي بها هاربر من الخريف الماضي، إلا أن تأثير ستيفان هاربر علي السياسات الفيدرالية العامة الكندية كان عميقا وكبيرا. وأخيرا خرج هاربر عن صمته المطلق في المؤتمر العام للحزب المحافظ الكندي، الذي عقد في مايو الماضي في مدينة فانكوفر في إقليم بريتش كولومبيا.
وبدأ هاربر مسيرته السياسية نائبا في البرلمان الكندي عن منطقة غرب كالجاري في إقليم البرتا عان 1993، وكان في هذه الفترة عضوا بارزا في الحزب الإصلاحي، بقيادة بريستون ماننيج. إلا أن هاربر استقال في يناير 1997، لينضم إلى التحالف الوطني للمواطنين. وخلال تلك الفترة أصبح اسم الحزب الإصلاحي le Parti réformiste الاتحاد الكندي l’Alliance canadienne بقيادة ستوكوول داي. وبعدها أصبح رئيسا للحزب في ربيع 2002.
وهنا يشير راديو كندا الدولي Radio Canada إلى أن هاربر تقدم عن منطقة جنوب غرب كالجاري، في ذات العام، ليعاد انتخابه عن هذه الدائرة الإنتخابية، ويستمر نائبا عنها حتى اليوم. ونجح هاربر في لعب دور محوري للاندماج بين التحالف الكندي والحزب التقدمي المحافظ le Parti progressiste-conservateur، الذي شكل فيما بعد الحزب المحافظ le Parti conservateur. وينجح هاربر في رئاسة الحزب الوليد، وتشكيل المعارضة الرئيسية في البرلمان الكندي.
ويخسر الحزب الجديد، في يونيه عام 2004، الانتخابات التشريعية، أمام الحزب الليبرالي برئاسة بول مارتن، الذي ينجح في تشكيل حكومة أقلية، تسقط مع الوقت. وفي يناير عام 2006، يحقق ستيفان هاربر الحلم ويفوز بحزبه بالانتخابات التشريعية، ويقوم بتشكيل الحكومة، حكومة أقلية. وفي انتخابات 2008، تزيد عدد المقاعد التي يفوز بها الحزب المحافظ، لكن تبقي حكومة هاربر، حكومة أقلية. وفي عام 2011، ينجح فارس كندا المحترم في الفوز بالانتخابات وتشكيل حكومة أغلبية، تعد أحد أهم الحكومات في تاريخ كندا الحديث، علي مدار 4 سنوات.
وتعد من أهم انجازات حكومات هاربر، تحقيق درجة عالية من التوازن المالي للاقتصاد الكندي، واستقرار ونمو الطبقة الوسطي، التي تعد عماد استقرار المجتمع الكندي. ويضاف إلى هذا نجاح هاربر في الحفاظ علي توازن السلطات والحقوق بين مختلف الأقاليم الكندية، خاصة وأن بعضا منها يطالب بمزايا تصل لحد الاستقلال عن الاتحاد الفيدرالي الكندي، مثل الكيبيك، التي تري أن هناك اختلافات جوهرية مع بقية كندا، وأنها ليست ذات الدولة، علي مستوى السلوكيات والسياسات واللغة والثقافة الإقليمية.
لاعب شطرنج تخطيطي وصاحب كاريزما كبيرة
ويعتبر الكثير من المحللين السياسيين ورجال السياسة هنا في كندا استيفان هاربر، من لاعب الشطرنج، يتمتع بكاريزما كبيرة، وهو ما يجعله يتسم في حياته بدرجة عالية من التخطيط، لتنفيذ أهدافه، علي المدى القصير والمتوسط والبعيد، وهو ما منح الاقتصاد الكندي دفعات تنموية حقيقية، والمجتمع الكندي درجة عالية من الاستقلال، ومواجهة الجماعات الإرهابية بصورة حاسمة، نتيجة الخبرة والحنكة السياسية لهاربر، مقارنة بفقر الخبرة السياسية لليبراليين في مجال الأمن، فضلا عن ندرة الخبرة السياسية لرئيس الوزراء الليبرالي الشاب جوستان ترودو، حاليا.
رسائل مهمة للحياة في كندا والأمة الكيبيكية
وخلال المؤتمر العام للحزب المحافظ في مدينة فانكوفر، تحدث لأول مرة منذ 19 أكتوبر 2015، ستيفان هاربر ليطلق عدة رسائلة قوية وبناءة، من بينها أن خسارة الحزب المحافظ للانتخابات لم تكن متوقعة، وأن استعادة المحافظين لتشكيل الحكومة أمر ممكن، حال ترتيب الأوراق والتخطيط لكسب ثقة الناخب الكندي من جديد.
وشدد هاربر علي أهمية وحدة أعضاء الحزب المحافظ ومناصريه من ناحية، ووحدة الكنديين من ناحية ثانية، خاصة وأن نجاحات الحزب المحافظ علي مدار أكثر من 12 سنة تعطي الكنديين الثقة في أداء الحزب مقارنة بالحزب الليبرالي المشكل حاليا للحكومة.
وخص هاربر إقليم الكيبيك بكلمة مهمة، مشددا علي أهمية الوحدة الوطنية، واستمرار الكيبيك، جزءأ أصيلا من الأرض الكندية، ورفض أى دعاوي لانفصال الإقليم عن كندا. مؤكدا أهمية أن يحافظ الحزب علي أرضية صلبة داخل إقليم الكيبيك، ليكون دائما في قلب الأمة الكيبيكية. وفي النهاية قدم هاربر الشكر للجميع، مشددا علي أن الجميع يجب أن يعمل لتكون كندا أفضل مكان علي العالم للحياة فيه.
عبد المسيح يوسف – مونتريال