قليني نجيب يكتب: شر العباد والم الفؤاد

من اجل استمرار الجنس البشري على وجه الأرض، ومن اجل الترابط بين الرجل والمرأة، وضع الله في الإنسان الغريزة الجنسية، وخصص لها غددا واعضاء تناسلية. وجعل الرغبة في اشباعها للجنسين. وهي ليست شرا في حد ذاتها لان الله لا يخلق الشر؛ ولكن الشر هو في مخالفة وصية الله التي اباحت العلاقة بين الزوجين فقط وحرمتها فيما عداها.
وحرمت شرائع العالم القديم الزنى، ولكنها عاملت الطرفين بمبدأ التمييز في العقوبة، كما يقول ول ديورانت في (قصة الحضارة): ” لم يكن القانون الأخلاقي واحدا في محاسبة الرجل والمرأة فزنى الرجل كان يعد من النزوات التي يمكن الصفح عنها أما زنى الزوجة فكان عقابه الاعدام “. وكان القانون الحثي -كما يذكر أ. جرني في (الحثيون) – يأمر بقتل المراة، أما الرجل فيخلى سبيله بعد ان ينال عقاباً بدنياً غير ذي بال. أما شريعة حمورابي فقد ساوت بين الطرفين وأمرت بطرحهما مكبلين في النهر(مادة128). وأقرت شريعة المصريين القدماء بجلد المرأة وجدع انف الرجل. ولذلك حث الحكيمُ المصريُ بْتَاح حُتِبْ الرجال على الحفاظ على رباط الزوجية المقدس محذرا من الخيانة بقوله: ” إذا اقترفت هذا الجرم خنت المروءة واغضبت الاله وجلبت على نفسك العار والضرر والاحتقار “. كما قال سليمان الحكيم عن نهاية الزاني ” ضربا وخزيا يجد وعاره لا يمحى “(ام6). واشار ابن سيراخ الى ان نهاية الزانية: ” سخط عظيم وفضيحتها لا تستر” (سير26). وانها ” تداس كالزبل في الطريق” (سير9).
وحث الحكيم كاجمني على غض الطرف وعدم النظر إلى زوجة الغير: ” لا تنظر إلى زوجة جارك إذا اردت ان تصون بيتك وتحتفظ بكيانه “. اي ما لا ترضاه على زوجتك لا تفعله بزوجة غيرك: جاراً كان او صديقا، غريبا كان او قريبا.
واعطت بعض الشرائع للرجل الحق في الاقتران بأكثر من امرأة؛ بينما حرمت على المرأة ان تجمع بين رجلين. اما في بعض القبائل التي تعيش في مجاهل القارات، فقد ابتدع الناس للزنى فنوناً، ففي قبيلة داماترا في جنوب افريقيا يقول سير فرانسيس جولتن F.Golton ان الزوجة تبدل زوجها مرة كل اسبوع تقريبا. ويشير ول ديورانت الى انتشار الشيوعية الجنسية في قبائل السويوت في سيبيريا وايجورت في الفلبين، والكفير والبوشمن في افريقيا، وغيرها. كما سرت في بعض المجتمعات القبلية عادة اعارة الزوجة كنوع من كرم الأخلاق؛ فقد روي عن احد المحاربين انه تنازل عن احدى زوجتيه لصاحبه؛ وقال له: ” ايهما تفضل فأنزل لك عنها “. ومن فنونه ايضاً، إكتفاء الطرفين بالتعهد شفويا على ممارسة الجنس لفترة محددة. وفي السنوات الاخيرة انتشرت ظاهرة تبادل الزوجات. ولست اعتقد ان ما كان يحدث في مدينتي سدوم وعمورة، وبسببه دمرتا، لا يختلف عما يحدث في ايامنا هذه.
وتعد خطيئة الزنى من الخطايا التي يكرهها الله حتى انه اهلك بسببها العالم بالطوفان واباد سدوم وعمورة بالبركان والنيران(تك18). وهلك ثلاثة وعشرون الفا من الفحش والبغيان(خر32)؛ وبسببها حرم الله بني اسرائيل من البقاء في الارض، وحكم عليهم بالشتات في البلدان، لانهم ” صاروا حصنا معلوفة سائبة صهلوا كل واحد على امراة صاحبه ” (ار5).” كل منكم نجس امراة صاحبه افترثون الارض” (حز33).
وللزنى وجهان: وجه ظاهر وهو اتيان الفعل بالاتصال الجسدي؛ ووجه باطن، وهو يقف عند حد الاشتهاء. وفي الشق الاول يمكن ضبط الفاعلين، اما في الشق الثاني فلا تملك اية سلطة ان تحاسب عليه سوى سلطة الضمير- ان وجد. وقد حرمت الشريعة الموسوية الامرين فنهت عن الزني الباطن بقولها ” لا تشته امرأة قريبك “(تث5). ونهت عن ذات الفعل بالنص الصريح ” لا تزن “(خر20). وفرقت بين العقوبات المفروضة على مرتكبي الزنى بإختلاف الاحوال والملابسات فامرت بقتل الزاني المحصن. واما اذا زنى اعزب بفتاة، فقد الزمته الشريعة على ان ” تكون هي له زوجة من اجل انه قد اذلها لا يقدر ان يطلقها كل ايامه “.
ونهى السيد المسيح عن تعدد الزوجات، داعيا الناس الى التعفف والقداسة. كما نهى عن الزنى بشقيه: الباطني والظاهري بقوله ” من نظر لامراة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه “(مت5). وهو ما يعني بالضرورة ان من نظرت الى رجل لتشتهيه فقد زنت به في قلبها. وبتحريره لباطن الانسان من اسباب الخطيئة، رسم السيد للمؤمنين به معالم طريق القداسة مما دفع بالكثيرين الى اثرة البتولية، وتحويل طاقتهم ومشاعرهم الى التفاني في محبة الذات الالهية. وتذخر ديارات الرهبان والراهبات بنماذج لقديسن وقديسات تسامت انفسهم عن شهوات العالم وتفانت في محبة اله السموات. وكان من بينهم من آثر الشهادة على كسر العذرية. مثل القديسة (فيرونيا) التي ذكر خبرها المقريزي في خططه(2/493)، قال بأن مروان بن محمد اخر خلفاء بني امية لما اراد مراودتها عن نفسها، فانها أوهمته ان لديها دهن اذا ادهن به الانسان لا يعمل فيه السلاح، وأبدت رغبتها في ان يختبر ذلك بنفسه عليها، فدهنت نفسها ” ثم مدت عنقها فضربها بسيفه أطار رأسها، فعلم أنها اختارت الموت على الزنا “.
وكما تذخر الديارات بالقديسين، تمتلئ المجتمعات بالساقطين، فتعج ساحات المحاكم وقنوات المديات وصفحات الروايات واعمدة الصحف والمجلات بنماذج لساقطين وساقطات في بئر الخيانة، وقد انفضح امرهم وانكشف سرهم وباتوا علكة تحت ضروس الميديا، ونهشة بين انياب المجتمع.
ويبدأ مسلسل الخيانة بتعارف واعجاب الطرفين بعضهما ببعض. ولا يعجب رجل بإمرأة خائنة، ولا تعجب امرأة برجل خائن، الا لان الطيور على اشكالها تقع. بل ان الطيور لأطهر من دنس الخائنين والخائنات.
ويتعلل الخائنون بمبررات واهية، وبأسباب ماهية، تدفع بالزوج لان يلهث وراء امرأة من طينته ليقيم معها علاقة اثمة مثله في ذلك مثل ” الكلب العائد الى قيئه “. وتدفع بالزوجة الى التمرغ في وحل الرزيلة والسقوط في مستنقع الخيانة مع نطع من طينتها، مثلها مثل ” الخنزيرة المغتسلة الى مراغة الحمأة “. فلا تكاد تنطفي نار شهوتها الا استعرت؛ ولا تكاد تبرد حمية نزوتها الا اشتعلت؛ كما قال السيد للسامرية ” من يشرب من هذا الماء يعطش “. وان ادى بها الامر الى تسول الرجال والانفاق عليهم كما يقول الوحي: ” الزوجة الفاسقة تاخذ اجنبيين مكان زوجها. لكل الزواني يعطون هدية اما انت فقد اعطيت كل محبيك هداياك ورشيتهم لياتوك من كل جانب للزنا بك. وصار فيك عكس عادة النساء في زناك اذ لم يزن وراءك بل انت تعطين اجرة ولا اجرة تعطى لك “(حز16).
فهناك امرأة تكللها المشاعر الانسانية، وتزينها الرجاحة العقلية، وهناك امراة تملكها النزوات العالمية وتكتنفها الضحالة الفكرية. واذا ما تزوجت وصمت زوجها بوصمة العار. واذا ما انجبت جلبت على أولادها الذل والصغار. فالزوجة الفاضلة ” تاج لبعلها ” (ام12). اما الزانية فهي مثل السوس الذي ينخر في عظامه (ام12). وهي ” ذلة للقلب وتقطيب للوجه والم للفؤاد ” (سير25).
قليني نجيب – مونتريال