قليني نجيب يكتب: الجنرال يعقوب في ميزان التاريخ Reviewed by Momizat on . بعد هزيمة نقتنبو الثاني آخر الفراعنة على يد ارتحششتا الثالث ملك الفرس سنة 343 ق.م. خلى عرش مصر من الحكام الوطنيين لأكثر من الفي عام، حتى تولى الرئيس الراحل محمد بعد هزيمة نقتنبو الثاني آخر الفراعنة على يد ارتحششتا الثالث ملك الفرس سنة 343 ق.م. خلى عرش مصر من الحكام الوطنيين لأكثر من الفي عام، حتى تولى الرئيس الراحل محمد Rating:
انت هنا : الرئيسية » مقالات » قليني نجيب يكتب: الجنرال يعقوب في ميزان التاريخ

قليني نجيب يكتب: الجنرال يعقوب في ميزان التاريخ

قليني نجيب يكتب: الجنرال يعقوب في ميزان التاريخ

بعد هزيمة نقتنبو الثاني آخر الفراعنة على يد ارتحششتا الثالث ملك الفرس سنة 343 ق.م. خلى عرش مصر من الحكام الوطنيين لأكثر من الفي عام، حتى تولى الرئيس الراحل محمد نجيب رياسة الجمهورية. فبعد هزيمة نقتنبو احتل الفرس مصر للمرة الثانية، واستمروا بها حتى غزاها الاسكندر الذي استقبله المصريون كفاتح وليس كغاز لانه حررهم من الاستعمار الفارسي القاسي. ولم يكونوا خائنين عندما استقبلوه بالحفاوة، لانه اعانهم لا على اسقاط حكومة وطنية بل لطرد القوات الاخمينية؛ فكأنهم قد رحبوا بمستعمر وعدهم بحسن المعاملة للتخلص من مستعمر سقاهم المذلة. وحكم البطالمة مصر ثلاثة قرون. ثم اصبحت مصر ولاية رومانية(31 ق.م) الى ان غزاها العرب سنة 641م. ثم حكمها على التوالي الامويون(661م)،فالعباسيون(750م) الذين خرج عليهم الطولونيون والاخشيديون. ثم غزاها الفاطميون(969م)،ثم الايوبيون (1171م). ثم حكمها المماليك(1250م)، الى ان احتلها الاتراك (1517م).
وظلت مصر طوال هذه الفترة يحكمها الغرباء، حتى قامت الثورة المصرية وازاحت الاسرة الالبانية عن عرش البلاد، لتُطْبق على صدرها القوى النفعية وعلى رأسها جماعات الاسلام السياسي الجهادية والتكفيرية والُنص نُصيِّة. وكأن المصريين قد استعانوا بالرمضاء على النار.
ولم يكن انتقال السلطة يتم في سلام بل في حروب وكروب ومصائب وخطوب. كان يدفع ثمنها ويسدد فواتيرها المواطن المصري الذي كان يتعرض للنهب والقتل وهتك العرض الى جانب دفع الجزية واداء الخراج من قوت اهله وعياله بحجة حمايته والدفاع عنه، وهي واجهة براقة اخفت وراءها الهدف الرئيسي وهو الاحتلال الاستيطاني الاستنزافي. فلو كان الغزاة يبغون الحق والعدل لاعانوا الشعب على طرد المحتل القديم وانصرفوا الى حال سبيلهم مقابل الحصول على تكاليف الحرب اضعافا مضاعفة، كما حدث في حرب تحرير الكويت. ولو كانت نواياهم حسنة لساعدوا اهل مصر على تكوين جيش وطني من خير اجناد الارض، وهو ما حدث اخيرا منذ عهد سعيد باشا. ولكن ما ان يطرد المحتل الجديد زميله القديم من البلاد حتى يستعمل جبروته في استعباد اهلها، وسلب خيراتها، وعوث الفساد في ارضها كما اخبرنا التاريخ. وما يزال يخبرنا.
ولا ننكر ان من بين المستعمرين من تمصر، واخلص للبلاد، وراعى حق العباد اكثر من بعض المصريين الذين خانوا وطنهم وانكروا نعمه عليهم، ولم يستنكفوا ان يسبوه على الملأ بقولتهم الشهيرة ” طظ في مصر “. لان الوطن عندهم لا يزيد عن كونه امارة يحكمها من يحكمها من بنجلاديش او من باكستان، من الانس او من الجان. وقد خرج بعضهم خارج البلاد. ومن مواقعهم يسبون الجيش والرموز الوطنية بألفاظ خارجة ونابية.
ويذكر لنا التاريخ من الشخصيات النفعية – وهي كثيرة جداً – التي اعانت المحتلين عى غزو مصر، المدعو يعقوب ابن كِلِّس، الذي كان على اتصال بالاسرة العُبيدية في المغرب. وكان يُطلع المعز على عورات البلاد وشؤون العباد، ومهد له احتلالها وطرد العباسيين منها. وقد كان ابن كِلِّس يهوديا ثم اعتنق الاسلام على المذهب الشيعي، واصبح اول امام للجامع الازهر.
وعندما التقى المماليك بالاتراك في واقعة مرج دابق، انسحب قائد الميسرة المدعو خاير بك من صفوف الجيش ليخون مولاه قنصوة الغوري وينضم الى جيش العدو مما اتاح للاتراك ان يسحقوا جيش المماليك ويحتلوا الشام ويعيثوا فيه الفساد. كما حرض (خاين) بك العثمانيين على احتلال مصر فاحتلوها بعد واقعة الريدانية؛ وقتلوا اهلها ونهبوا بيوتها، واخذوا غلالها ليطعموا بها خيولهم. وجردوها من نفائسها، ومن مهرة حرفييها ليبعثوا بهم الى الاستانة. وكان طومان باي قد فر ليختبأ عند حسن بن مرعي احد شيوخ العربان، لكن هذا الشيخ تنكر لاحسانات سلطان مصر عليه، وسلمه للاتراك فصلبوه على باب زويله. ثم قاد الولاة والانكشارية الشعب المصري بالكرباج مثل دواب الحقل. وسلبوه حريته وكرامته، وعزلوه عن اسباب العلم والمعرفة، وحصروه في قفص الكتاتيب ليتقوت على حبوب ابجد هوس حطي كلمن. وظل الامر على هذه الحال حتى مجئ الحملة الفرنسية، وكان برفقتها ثمانون عالما، قاموا بدراسة كل جوانب المجتمع المصري. وهنا ظهرت شخصية المعلم يعقوب الذي وقف الى جوار الفرنسيين ضد الجنود المماليك؛ الذين كانوا يعملون تحت امرة الاستانه في نهب واذلال الشعب المصري.
ولم يكن الجنرال يعقوب هو وحده الذي انضم الى مستعمر مستنير ليعينه على الاطاحة بمستعمر غاشم ومستبد. فكان الوهابيون بالجزيرة العربية دائمي الثورة ضد الاتراك، حتى انهم لجأوا الى الانجليز الكفار لكي يعينوهم على محاربة السطان العثماني خليفة المسلمين. ومثلهم فعل الهاشميون فتحالف الشريف حسين بن علي مع السفير الانجليزي بالقاهرة السير هنري مكماهون للثورة ضدد الاتراك طمعاً في الاستقلال. ولا يصح ان نصفه بالخيانة لانه استعان بالانجليز لا لينقلب على حكومة وطنية بل ليتخلص من محتل مستبد. وكذلك الحال بالنسبة للجنرال يعقوب فانه تحالف مع الفرنسين ليس ضد الوطن بل ضد ذات المحتل الغاشم. وقد استفاد المصريون كثيراً – على الرغم من السلبيات – من الحملة الفرنسية التي مكثت بالبلاد ثلاث سنوات حيث احدثوا بها طفرة حضارية بمقياس ذلك العهد. ونقلوها من حالة الثبات والجهل والخمول التي عاشوها لثلاثة قرون في ظل الحكم التركي الظالم، ذاقوا خلاله من المحن صنوفا والوانا، وتجرعوا من الظلم كؤوساً جحافاً، كما يروي ابن اياس في تاريخه مفصلاً.
واذا افترضنا جدلا ان الجنرال يعقوب كان خائنا – وهو غير صحيح – فهذا لا يشين جموع الاقباط في شئ، كما ان خيانة المقدم فاروق الفقي للجيش المصري وتعاونه مع العدو، من اجل ولهِهِ بالجاسوسة هبة سليم، لا يشين الجيش المصري بجنوده وضباطه الوطنيين الشرفاء. كما ان خيانة الجاسوسة المصرية التي باعت وطنها للموساد، لا يشين نظيراتها من نساء مصر الشريفات.
ومن هذا المنطلق لا يصح المتجارة بقضية الجنرال يعقوب واستغلالها في الطعن في وطنية اقباط مصر، واغفال دور الكنيسة الوطني عبر العصور، والتعتيم على الرموز المصرية القبطية منذ القديم والى الان مرورا بابطالهم في نصر اكتوبر المجيد. لان مصر بالنسبة لنا ليست امارة، بل هي وطن يعيش فينا. يوجد من يحبها لانه يعيش بها معززا مكرما، ونحن نحبها على الرغم مما نعانيه من تمييز واضطهاد. وهذا لن يزعزع حبنا لها بل يزيده ضراوة.
لقد رحل من المستعمرين من رحل، وذاب منهم من ذاب في بوتقة المجتمع المصري، لكن سلسال الغدر لم ينقطع. فلا يزال من المصريين من يبح دم اخوانه في الوطن والانسانية، ومن يلعنهم من المنابر الدينية، ومن يحرض ضدهم ويفجر كنائسهم، ومن يحول دونهم والوظائف التي تعاني من فوبيا عقيدته الدينية؛ كما تحول دون اشتراك (خير اجناد الارض) في الفرق الرياضة…الخ. لقد تناسيتم ايها الظالمون انكم مصريون، وان اجدادكم قد عانوا الامرين حين اضطر اكثرهم الى التخلي عن دينه قسراً لكي يعفى من دفع الجزية، ولكي يفلت من شروط العهدة العمرية المذللة، او لكي يشغل وظيفة في دواوين حكومة ثيؤقراطية. فاقرأوا التاريخ او الفظوه، ودعونا نتعايش معاً تحت سماء وطن واحد، في ظل العدل والمساواة.

© 2013 Developed by URHosted

الصعود لأعلى