إنطلاق مهرجان التراث المصري وفعاليات أضخم تجمع مصري في كندا وشمال أمريكا Online Reviews: The Unseen Power Shaping the Fate of Businesses in the Virtual World حفل زفاف في أعماق البحار الأهرامات تحتضن زفافاً أسطورياً لملياردير هندي وعارضة أزياء شهيرة التفوق على إيطاليا بأطول رغيف خبز بلدة تدخل ”جينيس” بخياطة أكبر ”دشداشة” بالعالم أوتاوا تدعم تورنتو لمساعدتها على استضافة كاس العالم 2026 السماح للطلاب الأجانب بالعمل 24 ساعة في الأسبوع بحد أقصى مقاطعة بريتش كولومبيا تعيد تجريم تعاطي المخدرات في الأماكن العامة طرد رئيس حزب المحافظين الفيدرالي من مجلس العموم لنعته ترودو بــــ ”المجنون” كندا تقدم 65 مليون دولار إلى لبنان للمساعدات الإنسانية والتنمية الاقتصادية أونتاريو تشدد القواعد على استخدام المحمول وتحظر السجائر الإلكترونية والماريجوانا

دولا أندراوس تكتب: عن الأقباط و ترامب

في مرحلة ما بعد الحداثة وبعد تآكل نظام العمل بمفهومه القديم القائم على الصراع الطبقي بين الطبقة البرجوازية وطبقة البروليتاريا، بدأ اليسار يبتعد تدريجيا عن النظريات الماركسية بتفسيراتها الأصلية عن الصراع الاقتصادي الطبقي وأخذ منحى جديدا في الكفاح ضد المظالم الاجتماعية عن طريق دعم الأقليات والفئات المهمشة لتحسين مواقعهم في البنية الاجتماعية باعتبار ذلك هدفا أكثر مسايرة للواقعالاجتماعي.

قوي هذا المسار اليساري بشكل كبير مع تنامي العولمة التي لعبت دورا هاما في إعادة ترتيب الخارطة الحزبية وفي تغيير أنماط التصويت فنجحت أحزاب اليسار في البداية في اجتذاب الفئات المتضررة من العولمة الاقتصادية وهي الفئات الأقل مالا وتعليما وذلك بطرحها لبرامج تعد بحماية اقتصادية من سلبيات العولمة. ومع ازدياد التوسع في عمليات الهجرة من الدول الفقيرة في الجنوب والشرق إلى الدول الغنية في أوروبا وأمريكا تعززت هذه العولمة الاقتصادية بعولمة ثقافية اجتماعية خلقت واقعا ثقافيا واجتماعيا وديموغرافيا جديدا في دول المهجر. وظهرت شرائح مجتمعية جديدة لا تندرج ضمن الفئات التي تحظى باهتمام اليسار ولكنها في الوقت ذاته تريد حماية خصوصيتها الثقافية والدينية والهوياتية بمنأى عن أحزاب اليمين المتطرف التي كانت بدورها تخشى على هويتها القومية المحلية من التآكل والاندحار.

والحقيقة هي اننا بقليل من التحليل للمشهد السياسي العالمي يمكننا أن نرى كيف تحول اليسار عن مساره الداعم للطبقة الكادحة إلى أن أصبح تدريجيا نصيرا للعولمة ومدافعا شرسا عن المهاجرين، كما أنه نسف مفهوم المساواة واستبدله بمنظومة امتيازات وتفضيلات جاءت على حساب العدالة وتكافؤ الفرص وكذلك قام بإعلاء قيمة الصوابية السياسية على حساب قيمة الحريات الشخصية وحرية التعبير حتى أن توصيف اليمين بمفهومه القديم أصبح ينطبق بالأكثر على احزاب اليسار التي مازالت تتمسك بالتسمية برغم ابتعادها ابتعادا تاما عما يفترض أنها تمثله وخاصة من الزاوية القيمية. فالنظم التي تنعدم فيها الحرية المدنية والسياسية وتمنح فيها الامتيازات للقيادات والزعماء هي يمينية بحسب المفهوم الأصلي للمصطلح.

هكذا تلاقت توجهات اليسار مع الخطاب الدعائي للعولمة الذي يتمحور حول حقوق الأقليات ويتبنى شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان كغطاء وتوظيف سياسي للنشاط الاقتصادي المتوحش الذي تسيطر عليه الشركات متعددة الجنسيات والذي يهدف إلى تفتيت البنى القومية والوطنية للدول الغربية مستخدما آلية التقسيم الهوياتي كبديل عن علاقات المواطنة. جاء هذا المشروع على حساب فئات أخرى كثيرة من بينها الذكور والبيض والمسيحيين. ولعل هذا هو السبب الرئيس الذي جمع نسبة كبيرة جدا قد تصل إلى نصف عدد المنتخبين الأمريكيين حول ترامب ذلك لأن سياساته أولت اهتماما بالفئات التي همشها هذا الخطاب العولمي.. الفئات التي كانت تبحث عن مرفأ لتأكيد هويتها القومية وحماية خصوصيتها الثقافية من التفتت والتحلل في خضم الثقافة الكوكبية المهيمنة.

في هذا التحليل، لمن لا يعلم، الرد على الهجوم الذي شنه البعض على أقباط المهجر باعتبار أن تأييدهم لترامب هو دعم للعنصرية المتمثلة في شخصه وباعتبارهم إما أغبياء سياسيا أو عنصريون منافقون يعانون من الاضطهاد في الداخل ويدعمونه في الخارج ويؤازرون شخصا عنصريا لمجرد أنه قدم نفسه لهم على أنه حامي حمى المسيحية والمدافع عن الدين المسيحي ضد تمدد مشروع الاسلام السياسي. وبغضالنظر عن شخص ترامب وهو الرئيس الآتي من خارج الحقل السياسي والذي لم يتم ترويضه بشكل لائق (وهذا واضح من خطابه الشعبوي الجلف الأجش غير المشذب سياسيا والذي توجد عليه مآخذ كثيرة نجح الإعلام في التقاطها واستغلالها ليساهم في شيطنته بشكل هستيري ممنهج) بغض النظر عن شخص ترامب الذي لن اتعرض له في هذا المقال فإن الاتهام الذي وجه لمنتخبيه لا يعكس استعلاءا أخلاقيا معهودامن اليسار في مثل هذه الصراعات الانتخابية فحسب و انما يعكس أيضا جهلا بالطبيعة المؤسساتية للدولة الأمريكية. إذ أن أمريكا هي -كسائر النظم الديمقراطية- دولة مؤسسات تقوم على مبادئ الديمقراطية والحرية الفردية وحقوق الإنسان، والسلطة فيها ليست مطلقة في يد رئيس أوحد كما هو الحال في النظم السلطوية، وعملية صنع القرار فيها تتم في إطار تنظيمات ومؤسسات رسمية تحكمها قواعد وقوانين هي التي تضبط علاقة الدولة بالمجتمع وتكفل للشعب الحق في محاسبة كل من في السلطة ومساءلتهم بمن في ذلك الرئيس نفسه الذي مهما بلغت درجة جموحه ورعونته فإنه لا يستطيع أن يتصرف خارج هذا الاطار المؤسساتي. بالإضافة إلى هذا فإن توجهات احزاب اليسار واليمين في أمريكا الشمالية تختلف عنها في الدول الأوروبية فأحزاب اليمين الديمقراطي واليمين الليبرالي في الولايات المتحدة وكندا تميل أكثر إلىالوسط وتقبل بالديمقراطية وتدعم الحريات الفردية وتبادل السلطة، أي أنها احزاب بعيدة عن أفكار العنصرية والتمييز العرقي والديني التي تجاوزتها المجتمعات المتحضرة والتي أصبحت مدانة ومجرمة لا على المستوى القانوني فحسب بل والمجتمعي أيضا. وبالرغم من كراهية الأقباط الأمريكيين لفكرة توغل الإسلام السياسي -المدعوم من قطر وتركيا- داخل المسرح السياسي الأمريكي، إلا أن دعم معظمهم لترامب لم يكن بسبب أنه قدم نفسه لهم كمدافع عن المسيحية وانما لأنهم رأوا فيه شخصا يستطيع أن يتحدى مافيا التحالفات وشبكات المصالح القائمة منذ سنوات طويلة على المستويات السياسي والاقتصادي والاعلامي والتي تشكل تهديدا وجوديا لحياتهم كطبقة وسطى وكأقلية لاتنضوي تحت مظلة اليسار، هم الذين عانوا سنوات طويلة من المظالم التي تقع عليهم لكونهم أقلية مهمشة لا تحظى باهتمام الساسة بسبب عدم قدرتهم على التأثير في العملية الانتخابية.  وعليه فإن مسألة انتخاب ترامب لدى الغالبية العظمى من منتخبيه -بمن فيهم الأقباط- لم تكن حبا في شخصه كما أراد البعض أن يصورها وانما كانت مسألة بقاء ومصالح اقتصادية وأوليات وتوازنات تتعدى فكرة الشحن العاطفي الديني التي قام كثيرون بتفسير المشهد الانتخابي من خلالها مما أعجزهم عن تقييم الوضع بدقة. هنا ينبغي لنا أن نذكر أن نسبة كبيرة من المسلمين تتراوح ما بين 30 إلى 40 في المائة من الجالية الإسلامية قامت بانتخاب ترامب لنفس الأسباب وربما يزيد عليها موقف ترامب الداعم لمسلمي الايغور المضطهدين في الصين حتى أن صالح هداير أحد قادة الايغور قد اعرب عن قلقه من أن تكون إدارة بايدن الجديدة أقل حدة في الضغط على الحكومة الصينية لانتهاكها لحقوق الانسان مما كانت عليه ادارة ترامب وقال أنه يخشى من أن يسلك بايدن نفس مسلك اوباما حيال هذه المظالم ألا وهو الصمت وخاصة أن لابنه هنتر بايدن مصالح مادية واستثمارات في شركات صينية.

الحقيقة هي أن عجز الديمقراطيين عن رؤية الناس إلا من خلال تصنيفهم الهوياتي لهو في حد ذاته سلوك عنصري. وقد أثار اوباما مؤخرا المجتمع الإسباني ضده عندما أدلى بتصريح يدين فيه تأييدهم لترامب قائلا أن تصريحات ترامب العنصرية ضدهم هي أقل أهمية لديهم من كونه يدعم وجهة نظرهم حول الاجهاض وزواج المثليين. فإذا كان الرجل يعتقد أنه يستطيع أن يملي على الناس ما يجب عليهم أن يقبلوه أو يرفضوه بناء على هويتهم وحدها، فكيف لا نصف هذا المسلك بالعنصرية.

إن توخي الدقة في استخدام المصطلحات هي مسؤولية الجميع وقد وعى المسؤولون المشرفون على قاموس ميريام وبستر الأمريكي ذلك فقاموا بتحديث التعريف القاموسي لكلمة عنصرية في شهر يونيو من العام الحالي، وتحديدا بعد حادث مقتل جورج فلويد في مدينة مينيابوليس الأمريكية، بغرض أن يتوافق الوصف اللغوي مع الاستخدام المعاصر للكلمة على أرض الواقع. وكان ذلك بعد أن تلقى محرروه رسائل تحملهم المسؤولية عن بعض السلوكيات العنصرية التي يستشهد اصحابها بالتعريف القاموسي لنفي هذه التهمة عن أنفسهم وللتدليل على أنهم لا يتصفون بالعنصرية، فجاء القرار بالتحديث بناء على تلك الواقعة. وبالرغم من خطورة الاستخدام الجزافي غير المسؤول للفظو أثره المدمر على تعميق الاستقطابات والتجاذبات الصراعية التي تتسبب في الانقسامات الداخلية وتودي بوحدة المجتمع، إلا اننا نجد الكلمة تستخدم بوفرة وبشكل حاد ومتطرف يغذيه إعلام متواطئ يسعى لترجيح الكفة التي يروج لها في اللعبة الانتخابية على حساب السلامة المجتمعية. لذا يتوجب علينا نحن كأفراد الانتباه إلى ما يثيره هذا النوع من الاتهامات من موجات شديدة من الكراهية والتنمر ضد كل المختلفين في الرأي أو المتبنين لقناعات مغايرة. فليس من الطبيعي أو المنطقي أن نتهم أكثر من 73 مليون مواطن بالعنصرية أو بممالأة سياسات عنصرية دون أن يكون للانحيازات التأكيدية دور في هذه القناعة. لقد أصبح كل شئ حولنا مسيسا بداية بعلاقتنا بالكون والإله وانتهاء بالنفس الذي نتنفسه. كل شئ يصب في مصلحة رئيس أو حزب أو قطب من أقطاب السياسة أو الاقتصاد. فدعونا لا ننجرف وراء هذا التوجيه المتعمد بشكل أعمى ودعونا ندعم حق الآخرين في تحديد الخيارات الحزبية الشرعية المتاحة التي تناسبهم وفي انتقاء الأجندة التي تتوافق مع أولوياتهم وقناعاتهم ومبادئهم دون أن نحقر من شأنهم أو نعنصرهم أو نهينهم، أوليس هذا هو المعنى الحقيقي للديمقراطية؟ ولربما يستحق الطرفان أناسا أفضل من مرشحيهم لكن لا يوجد!