إنطلاق مهرجان التراث المصري وفعاليات أضخم تجمع مصري في كندا وشمال أمريكا Online Reviews: The Unseen Power Shaping the Fate of Businesses in the Virtual World حفل زفاف في أعماق البحار الأهرامات تحتضن زفافاً أسطورياً لملياردير هندي وعارضة أزياء شهيرة التفوق على إيطاليا بأطول رغيف خبز بلدة تدخل ”جينيس” بخياطة أكبر ”دشداشة” بالعالم أوتاوا تدعم تورنتو لمساعدتها على استضافة كاس العالم 2026 السماح للطلاب الأجانب بالعمل 24 ساعة في الأسبوع بحد أقصى مقاطعة بريتش كولومبيا تعيد تجريم تعاطي المخدرات في الأماكن العامة طرد رئيس حزب المحافظين الفيدرالي من مجلس العموم لنعته ترودو بــــ ”المجنون” كندا تقدم 65 مليون دولار إلى لبنان للمساعدات الإنسانية والتنمية الاقتصادية أونتاريو تشدد القواعد على استخدام المحمول وتحظر السجائر الإلكترونية والماريجوانا

دولا أندراوس تكتب: عمل لي

تعودت من والدي أنه كثيرًا ما لا يفصح بشكل مباشر عما يريد أن ينقله إلي من من خلاصة خبرته بالحياة، ولكنه يسوق هذا ضمن حكاية من ذكرياته أو مما انتهى إليه علمه من قراءة أو سماع. ذات حكاية من هذه الحكايات قال: "عندما كنا صغاراً كنا نجتمع في بيت جدي مرة في الأسبوع، حيث يلتقي أفراد العائلة كبارها وصغارها بشكل دوري للتواصل والاطمئنان على أحوال بعضهم البعض. وبالطبع كان اللقاء يتضمن فقرة خاصة جداً هي فقرة الغذاء حيث تقوم كل امرأة من نساء العائلة بتحضير طبخة أو اثنتين مما تجيد صنعه من أصناف الطعام والحلوى، ويجلس الجميع حول مائدة كبيرة يتجاذبون أطراف الحديث، ويتناولون أشهي المأكولات. وكان من ضمن صبيان العائلة الذين من سني تقريبًا صبي يدعى سمير معروفاً بالشقاوة والعفرتة وبأنه لم يترك كبيراً إلا ناكفه، ولا صغيراً إلا شاكسه أو عاركه، فأصبح لذلك موضع الشك الأول حين تحدث مشكلة أو يعلو صوت بكاء في غرفة الأطفال.. وكان إسمه أكثر كلمة تتردد طول اليوم ما بين صغير شاكٍ أو باكٍ وكبير زاجر أو ناهر. وذات يوم وبينما التف أفراد الأسرة حول المائدة، حدث موقف غريب لم استطع فهمه إلا بعد سنوات عديدة..حيث فوجئ الجميع بانفجار طفل يصغرنا بعدة سنوات ويجلس على حجر أمه، في بكاء هيستيري. فشلت كل محاولات الأم في اسكاته أو فهم سبب بكائه المفاجئ، وكلما سألته عن سبب بكائه لم يزد عن الإشارة لسمير الذي كان يجلس في الجهة المقابلة وعن النطق بصعوبة وسط الدموع والنهنهات بعبارة "عمل لي..." ويكرر هذا كلما سئل ولا يزيد، فينهره الجميع وتضربه أمه التي أحرجها بكاؤه .. فلا يزيده إحساسه بالقهر والعجز إلا تشنجاً وصراخاً. مرت سنوات وأصبح سمير شابًا مسالمًا لطيفًا، على عكس ما كان عليه حال طفولته، وأصبح من أقرب أصدقائي إلى نفسي، وحدث، في سياق استرجاعنا لذكريات طفولتنا، أن تذاكرنا هذا الموقف الغريب، فحكى لي ما حدث منه يومها، قال: "كانت عيناي وقتها تجولان بين الأطفال بحثاً عن فريسة محتملة لمقلب لم أكن قد حددته بعد.. عندها التقت عيناي بعيني الطفل الجالس على حجر أمه، فركزت نظري عليه وأنا أبدي التجهم، ويبدو أنه كان يعرف من خبراته القليلة السابقة معي ما يكفي ليثير توجسه مني، وحدس أنني اخترته ليكون ضحيتي القادمة. وقد فتحت مظاهر الرعب التي سيطرت عليه شهيتي لارهابه، فزدت من تركيز بصري عليه ورسمت ملامح التجهم على وجهي، فبدأ في النحيب، فصعدت من محاولتي اخافته بتحريك حاجبي فانفجر في البكاء، استغرب جميع الحضور وعندما نظروا إلي مستطلعين، رسمت على وجهي ابتسامة وديعة وقلبت النظر فيما بينهم ببراءة متناهية ولم أزد عن القول: "أنا ما عملتش حاجة" وتظاهرت بالاستغراب " استمر والدي في حكايته قائلًا: "وهكذا فهمت سر ما حدث ذلك اليوم، وأدركت سر بكاء الصغير ومعنى عبارته المبتسرة "عمل لي..." وهو يشير إلى سمير في رعب بادٍ." ولما كنت قد تعودت من والدي أنه لا يقص ما يقص من حكايات لمجرد التسلية وقطع الوقت، وأعرف أنه كثيرًا ما يرمى، فوق هذا، إلى ابراز معنى أو مغزى ما، فقد رجحت أنه قصد من وراء هذه الحكاية إلى الإشارة لحقيقة أننا كثيراً ما نقع فريسة لأوهامنا وننخدع بما نضفيه على الأشياء من معاني وتصورات قد تغاير حقيقتها على أرض الواقع.. فنستسلم لمحاولات التخويف والإرهاب والسخرية ممن لا يملكون قدرة حقيقية على إيقاع الأذى بنا، وفي هذه الحالة نكون ضحايا احساسنا بالعجز والفزع، ونكفي المعتدين الأشرار عناء هزيمتنا إذ نقوم بهذا نيابة عنهم.