مينا ماهر يكتب: دردشة…بالعربي الفصيح.. رواية كلمتين في حب مصر (14) Reviewed by Momizat on . مقدمة: كتبت هذه الرواية في عهد الرئيس محمد حسني مبارك وانتهيت منها قبل ثورة ٢٥ يناير بأسبوع! المذيع هادي ابو الخير يقدم برنامجه الإذاعي "كلمتين في حب مصر" وتلقى مقدمة: كتبت هذه الرواية في عهد الرئيس محمد حسني مبارك وانتهيت منها قبل ثورة ٢٥ يناير بأسبوع! المذيع هادي ابو الخير يقدم برنامجه الإذاعي "كلمتين في حب مصر" وتلقى Rating:
انت هنا : الرئيسية » مقالات » مينا ماهر يكتب: دردشة…بالعربي الفصيح.. رواية كلمتين في حب مصر (14)

مينا ماهر يكتب: دردشة…بالعربي الفصيح.. رواية كلمتين في حب مصر (14)

مينا ماهر يكتب: دردشة…بالعربي الفصيح..  رواية كلمتين في حب مصر (14)

مقدمة: كتبت هذه الرواية في عهد الرئيس محمد حسني مبارك وانتهيت منها قبل ثورة ٢٥ يناير بأسبوع!

المذيع هادي ابو الخير يقدم برنامجه الإذاعي “كلمتين في حب مصر” وتلقى مداخلة من الدكتور المهاجر رامز المصري مشجعاً للهجرة وراوياً له عن والدته أم دنيا الخادمة (والأرستقراطية الأصل) التي باعته هو وإخوته وهم أطفال، وتشتتوا في الأرض؛ وكيف كان قرار زيارته لمصر يتأثر بالأحداث السياسية والاجتماعية التي تزامنت مع موعد زيارته! فقد كانت تنعكس هذه الأحداث سلبياً بشكل غير مباشر عليه وعلى أخوته من بينهم دنيا التي تم التحرش بها جنسياً في حادثة دار سينما مترو في أيام عيد الفطر عام ٢٠٠٦! وتعاملت أم دنيا مع الموقف في غاية السلبية واللامبالاة- كعادتها – مما أدى برامز لاتخاذ قرار حاسم.

حلقة ١٤:

كانت ام دنيا عائدة من عملها ليلاً، فاستقلت مصعد العمارة، حيث كانت تسكن، إلى الطابق الأخير، وصعدت بضع خطوات بطيئة ومرهقة على الدرج المؤدي إلى السطح العلوي. وما إن دخلت عشتها حتى سمعت طرقات سريعة على الباب فظنت إنها دنيا، ففتحت لترى رامز متحفزاً، ينظر إليها بعين جاحدة قائلاً:

– مصير الحي يتلاقى يا ام دنيا!

أما هي فلم تدرك من هو اولاً، فالسنين كانت كفيلة بتغيير مظهره، لكنها سرعان ما أيقنت أنه رامز ابنها بعد سماع نبرة صوته الجافة وأسلوبه المتهكم فقالت:

– اهلا بخلفة الشوم واللوم…والله كبرت و نضفت…

فصرخ فيها رامز بحدة:

– أنا مش جاي آخد و أدي معاكي…فين دنيا يا ام دنيا؟

– طب بالراحة ياحبيب امك…ليطقلك عرق…دنيا مش موجودة…عايزها ليه؟

– عايز أعرف ايه  اللي حصلها؟

– حصلها إيه يعني؟ ماهي زي القرد!!

– ماتستعبطيش…

و إذ به يهجم عليها و يجذبها من ياقة ملابسها في لحظة غضب قائلاً:

– أنا جاي اخودها معايا…بدل ما تستحمل الذل والهوان اللي انت معيشاها فيه… منك لله يا ظالمة…حصلت تتهاوني كمان في شرف بنتك…

بحركة غريزية لاشعورية صفعته ام دنيا بشدة معيدة له صوابه فارتجع، واسترسلت هي بثقة:

-شرف إيه يابن الكلب…هو انتم فاهمين اصلاً معني كلمة شرف؟!! وبتمد ايدك علي يا مقشف …بتمد ايدك علي امك؟؟؟..

– ههَ…أمي؟ بإمارة أية؟…الأم دا لقب مقدس…مش اي حد يستاهله…

– الحق عليَّ أني عملتك بني ادم..

– لا ولله!!…شفتيني ٣ مرات في حياتك…وانت اللي  عملتيني بني آدم؟ آه…يا جبايرك… فعلا ياجبايرك…اسمعي أنا مش جاي اضيع وقتي معاكي في كلام فاضي… هاتيلي دنيا…حاتسافر معايا كندا…لا يمكن تستني معاكي ثانية واحدة…

اخترق كلام رامز أُذن عواطف فتغير أسلوب الحوار كلية الى حالة من السكون وكأن الشجار لم يكن، ثم استفسرت:

– كندا…؟ لا هو انت دلوقتي عايش في كندا؟

– ما تسألي روحك…مش انتِ اللي عملتيني بني ادم برضه؟ أنا في كندا من أرْبع سنين ومعايا الجنسية من سنة ونص…صح النوم يا امَّه..

دمدمت ام دنيا مكررة وراءه ما قاله محاولةً استيعابه، وسرعان ما تحول أسلوبها الخافت إلى حماسة زائفة وبهجة ماكرة وقالت:

– يا الف نهار ابيض…إلهي تنقطع ايدي اللي اتمدت عليك يا بني…قصدي يا سعادة البيه…اتفضل اقعد…تشرب إيه يا حبيبي؟

زاد ازدراء رامز لها أكثر و أكثر في تلك اللحظة فأجابها بكل حزم:

-زي ما قلتلك…إخلصي…أنا جاي اخد اختي وامشي…هي فين؟

– لا هو انت بتتكلم جد؟

–  أومال باهزر…اخلصي بقي هي فين؟

ركعت أم دنيا أمامه بانكسار صريح وهي تطلب متوسلة، باكية:

– ابوس ايدك يا بيه…يا رامز يا ابني….بلاش بنتي…بلاش تاخد مني دنيتي….خليهالي…دي اللي بقيالي…

– ما احنا سيبنهالك العمر كله!!! عملتي فيها إيه؟ ضيعتيها زي ما ضيعتي كل عيالك…

– معلش… توبة خلاص… حاحطها في عنيا…ابوس رجلك ابوس رجلك..

وإذ بها تنحني أكثر وتقبل قدماه وهي منهمكة في بكاءٍ مرير!

 

***

اقتضب رامز حديثه مع هادي منغمساً في صمت مفاجئ فأراد هادي ان يتاكد من انه مازال معه على الهواء فدعاه:

– رامز…دكتور رامز!

عاد رامز من صمته مسلكاً حنجرته قائلا:

– إحم…ايوة…

– رحت فين؟!

– أسف …بس سرحت شوية…

– على مهلك…خد وقتك…

-….اصله كان موقف صعب جدا…وانا ما كنتش عامل حسابه و ماكنتش قده الصراحة!

– طب وكان رد فعلك ايه؟

– وافقت اسيبلها دنيا رغم أني عارف ان عواطف السكري مش حاتتغير…بس كان صعب علي مهما كان  اشوف أمي توطي تبوس رجلي… بعدها رجعت كندا و قطعت كل ارتبطاتي بمصر…حتى دنيا بطلت اتكلم معاها…يمكن لاني كنت مكسوف منها عشان اتخليت عنها! مش عارف بالظبط! بس دا اللي حصل!

– ليك حق..اي حد مكانك من الصدمة كان عمل كده واكتر كمان…بس كله بيتنسي مع الوقت…والضفر برضه ما يطلعش من اللحم…ولا ايه؟

 

***

بل يمكن للظفر أن يخرج من اللحم لأسباب غير طبيعية بالمرة، نتيجة لحادث أو تعذيب او عملية جراحية… الخ! فقد تُجبر ظروف قصوى المرء أحياناً على التخلي عن ثوابت جذرية في حياته باتت مع الاسف، دون معنى او هدف.

” قضبان حديد اتكسرت…و الشمس طلعت نورت…ارض العروبة ،ارض البطولة.. ارض الجزاير…” هكذا أشجى سمعنا  العندليب الأسمر من سماعات سيارة استأجرها رامز في نوفمبر ٢٠٠٩ حين ذهب لمونتريال لإلقاء بضع محاضرات طبية في جامعة ‘ماك جِل’. فرامز رغم بعده عن مصر وتاريخها، قد أحب الأغاني الوطنية التي ظهرت في عهد عبد الناصر بصوت عبد الحليم حافظ على وجه الخصوص، فقام يوما بتحميلها من على الانترنت على أقراص ليسمعها؛ في رأيه، أن هذه الأغاني وحدها، بما  فيها من كلمات قوية معبرة و ألحان جميلة زادتها عمقا وحماسا، كانت قادرة أن تشعل نيران الوطنية و القومية العربية في قلوب الناس آنذاك؛ ورغم يقين رامز بحقيقة الوطن العربي الحالية، وزيف الوحدة المزعومة بحكم ما اختبره في سنين غربته وهو طفل، الا انه احب الفن الاصيل والكلمات المؤثرة، رغم غياب مصداقيتها!  وهو لا يخجل أيضا أن يندمج مع الألحان وهو يقود سيارته، فيغني بصوت عال و نشوة نادرة مع حليم في نفسٍ واحد و روح واحدة، وكأنه يعيش تاريخ مصر الذي لم يعاصره.

لكنه ظل يضحك هذه المرة بلا سبب حين سمع تلك الكلمات السابقة، بل وأغلق مشغل الأقراص “الـ سي دي بليار” معطياً انتباها أكثر للطريق، حيث كان متجها إلى القنصلية المصرية بمونتريال.

لم يكن في مخطط رامز على الاطلاق ان يذهب للقنصلية المصرية إذا ما زار مدينة مونتريال! ولكن تعرضت سيارته المستأجرة للتخريب من قبل بعض الشباب في الليلة الماضية، بينما كانت مبيتة في موقف الفندق الذي كان نزيلاً فيه؛ فكسر الشباب الفاسد النافذة الخلفية وإحدى المرايات الجانبية تاركين له ورقة كتب عليها الملحوظة التالية:

“الجزائريون هم أسيادكم يا مصريين…يا حثالة البشر”

رأى رامز الورقة صباح اليوم التالي فكتم غيظه وقال:

– فعلا قلة أدب!…

فاستقل السيارة بعد أن تأكد من صلاحيتها للقيادة بعد التخريب متجها راساً إلى القنصلية المصرية لإثبات حالة الاعتداء والسب، حينما كانت تُلعب داخل سيارته بالصدفة أغنية “ارض الجزاير” التي تشدو بأمجاد الجزائر! ولهذا ضحك!

فقبل حادث التخريب بثلاثة أيام، لعبت مصر مع الجزائر على ارض السودان في بطولات التأهيل لكأس عالم ٢٠١٠، وانتهت المباراة بفوز الجزائر، وأيضاً بشغب مبالغ فيه بين جمهوري البلدين، والذي أدى بدوره وقتها الى توتر العلاقات الدبلوماسية بين مصر والجزائر!

“ها هي القومية العربية تظهر من جديد على حقيقتها؛ فبعدما كنا نحارب سويا بالأمس معركة ضد الاستعمار، صرنا اليوم نقاتل بعضنا البعض حتى الموت، من أجل الفوز في لعبة رياضية هدفها التسلية فقط؛ أهي سطحية أم ضحالة أفق أم فراغ فكري؟! حقاً، ما نحن إلا أمة قد عفى عليها الزمن، فباتت تبحث عن مجدها البائد! ولعجزها الملحوظ أن تبهر العالم اليوم وتواكب سباق التكنولوجيا (كمساهِمة لا كمستهلكة)، أصبحت تتعلق بتوافه الأمور كي تحظى بالاهتمام الإعلامي؛ فاتبعت العولمة بشكلها الظاهري، وافتخرت بالعاهرات مثل شاكيرا وغيرها ممن لهن جذور عربية، بل ولم تحاول للحظة حل مشاكلها أو أن تقدم للعالم شيئا ذا قيمة! لذا آن الأوان يا سادة ان نرْثي ماضينا وأمجادنا السالفة، بل بالحري أن نقبل تعازي وشماتة الأعداء في حاضرنا.” هذا ما كان يدور في عقل رامز قبل ان يصل إلى القنصلية المصرية؛ وما أن وصل، خرج تواًّ من سيارته بثقة ودخل القنصلية ليفاجأ بزحام شديد؛ عملاء مصريون من مختلف المقاطعات الكندية مشتبكون  في جدالات كلامية مختلفة: فمنهم من استُهزأ بهم من قبل موظفي القنصلية لنقص أوراقهم، و منهم من أُفلت لجام لسانهم وقذفوا النظام المتبع في القنصلية -و في الدولة ككل- بأسفل الشتائم، و منهم أيضاً من كانوا يشكون مشكلاتهم لبعضهم البعض في قاعة الانتظار، بينما آخرون تكبدوا و تدافعوا للوصول إلى نوافذ موظفي القنصلية، وكأنهم في صراع من أجل البقاء! خطى رامز بضع خطوات إلى الأمام وهو مندهش مما يراه، فهو لم يعد في كندا، بل هو في أعماق أعماق مصر، وكأن باب القنصلية هو منفذ سحري يفصل بين عالمين مختلفين! فجأة تراءى لرامز وجه ام دنيا الدميم مرسوماً على وجوه كل موظفي القنصلية، وكأن أم دنيا بذاتها توبخ عملاء القنصلية قائلة: “روح غور من مطرح ما جيت!”، “اجيبلك حقك يعني إيه يا ولا…لا هو انت فاكرني مين؟”، “إحنا ضهرنا ربنا يابن العبيطة”، “كل واحد بياخد على قد قيمته!”، “الموضوع موصلش لسة للشرف!”

برغم بعد رامز عن أمه بآلاف الأميال، إلا أنها لازالت تسيطر على فكره ومشاعره؛ فجراح الماضي لم تضمد بعد، تاركةً في داخله أثراً وخيماً مزمناً! عجيبة هي هذه الأنثى، التي لا تزال تحظى باهتمام أبنائها، رغم وحشيتها وثقتهم بانها لن تمد لهم يد العون! وكأنهم يهبونها على الدوام الفرصة تلو الأخرى، لعلها تعود لوعيها يوماً وتبسط ذراعيها وتحتضنهم! لكن إلى متى يستمر العطاء دون أخذ، ويظل السائل بلا مجيب؟! لذا أخذ رامز خطوتين واثقتين إلى الوراء ليعود أدراجه إلى سيارته، مستقلاً إياها بعيدا عن القنصلية تجاه أقرب نقطة شرطة كندية ليسجل محضرا ضد مرتكبي عملية التخريب. وتم البحث في القضية فعلاً، وفي اقل من يومين تم استجواب المتهمين، بداية من موظف الاستقبال، الجزائري الأصل، الذي بدى ودودا جدا مع رامز وقتها، لكنه أوشى به لاحقاً عند مسئول موقف سيارات الفندق، الجزائري الأصل أيضا، فتم تسهيل تسلل هؤلاء الشباب إلى الموقف لتتم عملية التخريب. وقد حُجز المتهمين على ذمة التحقيق، واستعاد رامز تكاليف إقامته بالكامل من إدارة الفندق كتعبير عن أسفهم لما حدث. وهكذا عاد رامز إلى منزله في “نيو برانزويك” مرفوع الرأس.

وما ان أدرك بيته حتى وجد رسالةً في صندوق بريده ففتحها وقرأها فإذا به يصرخ مذعوراً متسائلاً:

– أم دنيا؟!…ماتت ازاي؟!

يتبع في الحلقة التالية من العدد القادم

 

© 2013 Developed by URHosted

الصعود لأعلى