مينا ماهر يكتب: دردشة بالعربي الفصيح…. الضاحك الباكي؟!

انا من عشاق مسلسلات السير الذاتية منذ صغري لأني شغوف بمتابعة إبداعات الماكياج (makeup) في إعادة تجسيد وإحياء شخصيات عديدة رأيناها وأحببناها منذ القدم؛ في رأيي، أن جودة المكياچ هي أهم مقومات العمل الذي يقدم سيرة ذاتية لشخصية ما، ويأتي بعده التمثيل والأداء في المقام الثاني! وقطعاً، وجود نص درامي قوي، سينتقل بهذا العمل الفني المتكامل إلى آفاق عالية جداً!
للأسف، لم توفق معظم الأعمال الفنية المصرية في تحقيق تلك العوامل: بعضهم تفوق في التمثيل والحوار وقصَّر بعض الشيء في الماكياج، كمثل مسلسل “أم كلثوم” وهو يعتبر من انجح المسلسلات؛ وبعض آخر نجح في جودة المكياچ والحوار، وتعثر في التمثيل، كمسلسل “العندليب…حكاية شعب”! وبعض منهم فشل مع الأسف في جميعهم، كمسلسل “الشحرورة”! وقلة قليلة هي التي نجحت في ثلاثتهم، مثل مسلسل “الملك فاروق”!
فإن كنت تقدم سيرة ذاتية لشخصية معاصرة، معروفة ومحبوبة، فعليك أن تكون على قدر المسؤولية والمجازفة، وأن تحترم جداً عقول المشاهدين لأنهم هم، في النهاية، من سيقوِّموا هذا العمل ويحملونك نتيجته!
وبناء على ما تقدم، فمسلسل “الضاحك الباكي” لمحمد الغيطي ومحمد فاضل، وبطولة النجم عمرو عبد الجليل، قد حطم شغفي لمشاهدة قصة حياة الأسطورة نجيب الريحاني! وإليك عزيزي القارئ الأسباب:
أولا: مقدمة المسلسل تقليدية جداً، ربما لم تكن محل انتقاد لو كانت لتعرض في التسعينيات أو أوائل الألفيات! ورغم اختيار ياسمين على لغناء أغنية التتر إلا أنها لم ترتقِ برصيدها الفني ولا بالمقدمة إلى أي مستوى أسمى! فالكلمات واللحن اعتياديان تماماً ولم يتركا أي أثر في أذن المستمع أو في الميديا!
ثانياً: من نمط المقدمة وأسماء الممثلين تستطيع أن تستنبط ضآلة ميزانية الإنتاج! فافتقر فريق العمل لأسماء النجوم الكبار ذوي الحضور المؤثر! والسبب في الغالب أن الكاتب والإعلامي محمد الغيطي لم يكتب قبلاً عملاً فنياً يستحق الذكر جماهيرياً، على نقيض التاريخ الخالد للمخرج الكبير محمد فاضل! لكن توقف فاضل عن الإخراج لمدة عقد كامل من الزمان، تغيرت فيه بشكل ملحوظ أساليب الإخراج والتصوير والتمثيل ومعايير التقييم أيضا! فالموهبة وحدها لا تكفي، بل يجب أن تثقل بالاستمرارية والتحديث! ومع ذلك، فهذا العمل بالتحديد يعتبر بكل المقاييس دون مستوى أعمال فاضل السابقة!
ثالثاً: لم يختلف “الضاحك الباكي” عن بقية مسلسلات السير الذاتية الأخرى (بلا استثناء) في اختزال حياة البطل في مرحلة طفولته! وتتسم هذه الفترة من أي مسلسل (عادة أول ثلاث حلقات) بالملل الشديد والسرد السريع للأحداث، وضعف واضح في أداء الأطفال للدور، وكأن الجميع قد اتفقوا إنها مرحلة غير مهمة للمتفرج (لكنه شر لابد منه) فيجوز المرور عليها مرور الكرام! لهذا لا أود أن أترصد لـ “الضاحك الباكي” فقط في هذا الشأن، حيث أنها وصمة مشتركة في تاريخ السينما والتلفزيون المصري ككل!
رابعاً: هناك سوء اختيار ملحوظ للممثلين وأعمارهم! فمن المفترض أن الشخص السبعيني لا يجب أن يقوم بأداء شخصية أربعينية، والممثل الستيني لا يصح أن يجسد دور شاب دون العشرين، خاصة إن كان ظهورهما على الشاشة مستمر في هذه الحقبة العمرية لعدة حلقات! أيضا، اختيار بطلات تظهر على وجوههن آثار عمليات التجميل والنفخ، ليلعبن أدواراً في زمن اتسمت فيه الملامح بالجمال الرباني الطبيعي، انتقص كثيراً من مصداقية هذا العمل، بل وعَكَس عجز رؤية (أو محدودية) المخرج في الاختيار!
خامساً: بعض المشاهد الخارجية صورت في استوديوهات داخلية مغلقة! ذكرتني بمسلسلات فترة السبعينيات والثمانينيات! كما كان هناك مشهد خارجي قصير للمقابر لكن استخدمت فيه لوحة زيتية مرسومة كخلفية كالتي كانت تستخدم في المسارح قديماً!
سادساً: ذكرتني ركاكة الحوار ورتابة التمثيل، بالإضافة إلى المصطلحات المسيحية المستخدمة، بأفلام القديسين المصرية التي انتشرت في فترة التسعينيات! ومع ذلك، لازال هناك جهل واضح بالمفردات المصرية المسيحية الدارجة، فتقال عبارات مثل: ‘نشكر الرب’ ‘والرب معاك’! من المحزن أن بعد ١٥٠٠ سنة عشرة مع أخواتنا المسلمون، لا زالوا يظنون أننا نقول “الرب معاك”، وليس “ربنا معاك” عادي!!! هل كان من الصعب على المخرج أن يسأل أحد زملائه الأقباط كيف يقول المسيحيون عبارات كهذه، حتى لا تكون عرضة للسخرية؟!
سابعاً: لا أعلم إن كنت أنا وحدي من لاحظ أن وجه فردوس عبد الحميد متجهمٌ وعبوس معظم الوقت! لا تظهر عليه أية مشاعر! كذلك صعُب على عمرو عبد الجليل، هو الآخر، أن يغير من انفعالات وجهه كما يجب، فظل وجهه بلا تعبيرات واضحة! وفوق أن المكياج لم يلعب أي دور لتحويل عبد الجليل إلى الريحاني، لم يبذل هو نفسه أدنى مجهود تمثيلي ليقنعني بشخصيته! فأين أسلوب وحركات الريحاني وتعابير وجهه التي تنطق حياةً؟! كان بالأولى للمخرج الاستعانة بالكومبارس الذي مثل (بعبقرية) دور نجيب الريحاني في لقطة عابرة من مسلسل “أهو دا اللي صار”! فهذا أقنعني بالشخصية في ثوان معدودة أكثر من النجم عمرو عبد الله الجليل بطل حلقات الضاحك الباكي! إن عمرو عبد الجليل ممثل كوميدي موهوب لكنه مؤد لشخصية واحدة فقط وغير قادر على التقمص! وهذا لا يعيبه، بالعكس، فهناك العديد من الممثلين العظماء الذين قاموا بتمثيل شخصيات واحدة في أعمال فنية مختلفة على مدار تاريخهم الفني كله، مثال عبد السلام النابلسي ووحيد سيف، وغيرهما! ومع هذا أضحكونا وأحببناهم إلى ابعد الحدود.
ثامناً: أنا لا أعلم من كم حلقة يتكون هذا المسلسل، لكنه على حسب تقديري قد قرب على الحلقة الخامسة عشر، ولم نشهد إلى الآن أي أحداث أو شخصيات معروفة غير استيفان روستي وبديعة مصابني! فإن افترضنا أن المسلسل ثلاثون حلقة، هل سيتم سرد سريع لبقية حياة الريحاني في الـــــ ١٥ حلقة الباقية؟! في الحقيقة، أفضل أن يتم سرد سريع للأحداث على أن يتعدى هذا المسلسل ثلاثين حلقة!
في النهاية، أحب أن أتوجه بالشكر لكل من الغيطي وفاضل لإحباطهما متعة مشاهدة قصة حياة الأسطورة نجيب الريحاني، التي طال انتظارها! فقبل أن تقدم عمل درامي لأيقونة فنية في الكوميديا كنجيب الريحاني، عليك أن تعلم جيداً قيمة الشخصية تاريخياً وجماهيرياً، وإلا ستتلف لوعة الناس للمشاهدة (تماماً كما حدث)، وستفسد عليك (وعلى غيرك من صناع الفن) فرصة الانفراد بتقديم تحفة جديدة لعالم الفن!
لكن لا تحزن عزيزي القارئ، فمازال بإمكانك مشاهدة (أو عدم مشاهدة) مسلسل الضاحك الباكي وكأنه عمل آخر لعمرو عبد الجليل، بمساندة مجموعة من الهواة، متناسياً تماماً انه يروي حياة الريحاني! عندها لن تشعر بأية خيبة أمل، بل ستحيا على أمل جديد بأن يأتي كاتب متمرس ومخرج معاصر ويقدم رؤية أفضل لصاحب السعادة كشكش بيه!