مينا ماهر يكتب: دردشة…بالعربي الفصيح: رواية (إلى متى تجوع الضباع؟) (2) Reviewed by Momizat on . مقدمة: بدأت في كتابة هذه الرواية في مايو ٢٠١١ وانتهيت منها في نوڤمبر ٢٠١١! تدور أحداث الرواية في أول ستة أيام من ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، لذلك يجب أن تقرأ في السياق مقدمة: بدأت في كتابة هذه الرواية في مايو ٢٠١١ وانتهيت منها في نوڤمبر ٢٠١١! تدور أحداث الرواية في أول ستة أيام من ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، لذلك يجب أن تقرأ في السياق Rating:
انت هنا : الرئيسية » مقالات » مينا ماهر يكتب: دردشة…بالعربي الفصيح: رواية (إلى متى تجوع الضباع؟) (2)

مينا ماهر يكتب: دردشة…بالعربي الفصيح: رواية (إلى متى تجوع الضباع؟) (2)

مينا ماهر يكتب: دردشة…بالعربي الفصيح:  رواية (إلى متى تجوع الضباع؟) (2)

مقدمة: بدأت في كتابة هذه الرواية في مايو ٢٠١١ وانتهيت منها في نوڤمبر ٢٠١١! تدور أحداث الرواية في أول ستة أيام من ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، لذلك يجب أن تقرأ في السياق الزمني والسياسي المناسب لهذه الفترة!

في الحلقة السابقة: تعرفنا على نوع من البشر أطلق عليهم المؤلف لقب ضباع المدينة لأنهم يمارسون على طريقتھم كل صفات الضباع الفطرية – من تطفل، واستغلال الفرص، وافتراس…الخ. أيضاً تعرفنا على جمعة سعيد الدباغ الهجام المتمرس الذي تم القبض عليه في عملية ما، وأفرج عنه الضابط في ليلة عيد الشرطة؛ ثم رفض جمعة عرض الضابط أن يعمل كـ ‘لص’ لصالح الشرطة بسبب كراهيته الموروثة لهم!

حلقة ٢:

إن جمعة الدباغ مواطن عشوائي؛ جده كان دباغاً، يسلخ الجلود ويصبغها بعد معالجتها ثم يبيعها. كان مشتهرا ببيع جلود الحيوانات الزائدة للأطفال ليستخدمونھا في التخفي وقت اللعب. نزح جده من الأرياف إلى القاهرة عام١٩٦٠، وسكن في العشوائيات؛ وقتھا لم تكن العشوائيات تكتظ بالبشر كما ھو الحال الآن وربما لم تكن تسمى بـالعشوائيات بعد. إن المناطق العشوائية، كما يُظن، نتجت بسبب ٕاھمال الدولة لبعض المسطحات الخاصة بھا خارج أطراف العاصمة في أوائل القرن العشرين، مما جعلھا عرضة لاستخدام الحشود الريفية التي ھاجرت إلى القاھرة في الستينيات ولم يحالفھا الحظ في مواكبة العصر والمشاركة في نهضة البناء ٓانذاك. منھم من اتقن الحرف المختلفة، ومنھم من نعى حظه فبات بلا عمل ولا دخل وصار يتسول وهكذا. مع مرور السنين وحدوث الطفح السكاني، ازدادت مساحات وأعداد المناطق العشوائية مما افلت لجام الفوضى في البلد.

أما جمعة الدباغ، فھو ھجام محترف، ورث فن الھجامة عن والده، الذي رفض دباغة الجلود لضعف دخلھا المادي. وهكذا انتھى الحال بجمعة كھجام لا يزال يحمل لقب عائلة “الدباغ.” وربما احتفظ باللقب لأن والده نجح في أن ينسلخ عن جلد مھنة الدباغة وارتدى جلد مھنة الھجامة! أما عن لقب الضبع، فلا يزال لدينا الوفير من الوقت لشرح مصدره. قد تم القبض على جمعه عدة مرات في الماضي انتھت ايضاً بالإفراج. فعلى الرغم من احترافه، إلا أنه قد يتعمد أن يفشل في بعض عملياته غير المجدية، بغرض التغيير أو التسلية! ولكثرة تردده على اقسام شرطة معينة، أصبح معروفاً لدى الضباط ھناك؛ فألفى العرف انھم لا يقومون بحبسه رسمياً ولا تحويله الى النيابة، لا لأنهم لا يجدون في حوزته اية مسروقات، بل لأنهم يستلطفونه! فھو شخصية مسلية وخفيفة الظل. إن العلاقة بين الضباط والمتھمين قد تكون واحدة من اثنتين: اما علاقة جافة ناتجة عن عداوة أو عدم استلطاف او عدم معرفة، وقد  ينتھي نتيجتھا المتھم بتحمل تھٍم اكثر من الموجھة إليه أصلا؛ أو أن تكون علاقة ٕاعجاب، كما ھو الحال مع جمعة، و بالتالي يتم حبس المتھم بشكل ودي فقط، لحفظ ماء الوجه، أو يتم تلفيق التھمة لآخر لمجرد أن المتھم الحقيقي مقرب لدى الضابط. فجمعة مثلا قد يبوح بلا خوف لمعارفه الضباط أثناء جلسات التھريج بعمليات ٕاجرامية ارتكبھا، علماً منه انه ليس اعترافاً رسمياً، وھم بدورھم لا يتخذون ضده أي اجراء. والجدير بالذكر أن ھذه العلاقات غير الاعتيادية تُحفظ فيھا المقامات جيداً؛ فضابط الشرطة لا يبوح بأسرار عمله للمتھمين، على العكس، ھو يميل للاستماع أكثر من المشاركة في الحديث؛ وقد يقتصر حديثه على بعض النكات أو التعليقات الساخرة على ما يقوله المتھم. فالغرض الوحيد من تلك العلاقات، في أغلب الأحوال، ھو الترفيه عن الضابط وقت ورديته (الليلية عادةً).

 

“ليلة ككل الليالي!”

 كانت ليلة عاديةً جداً گغيرھا من الليالي؛ الشوارع كانت لا تزال تشغي بالناس، والمقاهي لم تزل تستقبل زبائنها. الكورنيش كان يستضيف، كعادته، مئات العشاق. وكذلك المطاعم والفنادق لم تقل ازدحاماً عن المعتاد. كما كان الحال ايضاً مع حركة التزاور ومتابعة الأخبار والبرامج وديار العرض والمسارح وما إلى ذلك. ليلة طبيعية بالفعل لدرجة انه لم يكن على فكر أحد أدنى شك في استتاب الأمن! ولكن…

انصرف جمعة وقتھا عن الضابط، الذي ما لبث ان استلم بعدھا مكالمة ھاتفية مھمة وكان ھذا الحوار:

– الو

– ايوة يا رشدي، ٕاسمعني كويس.

– مين معايا؟

– انا اللوا عزيز يا رشدي

قفز الضابط من على كرسيه بكل احترام و رھبة و قال:

– تمام سعادة الباشا.

– موضوع العيال دي باينه صحيح…ابقى خد احتيطاتك بكرة.

– معقولة يا باشا؟ بعد كل التھديدات اللي اصدرناھا!؟

– زي ما بقولك يا رشدي كده أمِّن المنطقة و بلاش كلام كتير.

– اوامر سعادتك!

 

“على القھوة…”

 

“اللي شوفته…قبل ما تشوفك عينيا، عمر ضايع! …يحسبوه ازاي عليا؟…” قد يصعب عليك سماع صوت غناء كوكب الشرق ام كلثوم الخافت في الخلفية و الخارج من جھاز تسجيل قديم و ضعيف، حيث غلب عليه صوت المذيع الاخباري الذي كان يناقش احداث الثورة التونسية على احدى الفضائيات، بينما كان القھوجي يقوم باستلام و توصيل مشروبات بعض زبائنه. فٔادرك احدى طاولات المقھى والتي كان يشغلھا خمسة شباب اختلفت ٔاذواقھم من حيث المشروب المفضل لدى كل منھم؛ وزع القھوجي الطلبات عليھم بشكل صحيح، دون ان يختلط عليه الامر، فھم زبائن دائمون عنده منذ زمن ليس بقصير. كانوا يتابعون ما يقوله المذيع حتى قام احدھم بتوجيه لفتة للقھوجي بنبرة ساخرة: – فين التفاحة يا حمدي؟

ابتسم حمدي القھوجي و ھو يھم باحضار طلبه قائلا:

– انت تٔومر يا تامر بيه، ولا  تزعل نفسك.

عنفھم احد الشباب الذين على نفس الطاولة والذي كان منھمكاً في الاستماع للمذيع بينما كان يرشف زجاجة الدايت كولا التي امامه، وقال:

– استنى يا بني ٓادم منك له. عايزين نسمع.

رد عليه تامر مستنكراً:

– جرى ايه يا شريف يا ٔاخي. ما كنت تقعد في بيتكم واتفرج براحتك…ھو انا جاي ھنا عشان اتكتم.

تدخل شاب ثالث في الحوار مقتضباً شربه للسحلب:

– ما تستنى يا تامر دقيقتين.

انتفض تامر بغضب:

– لا استنى ولا ما ستناش يا عم چو، انتو دمكو تقيل قوي النھاردة! سلام.

وٕاذ به يھم بالذھاب، فاستوقفه شاب رابع واضعاً كوب الحلبة الحصى على الطاولة:

– اقعد بس يا تامر، انت قلبت فجٔاة كده ليه؟

– انت مش سامعھم يا علي…كله بقى يتنطط عليَّ فجأة. قاطعھما خالد خامسھم وقد انتھى من خمسينة الشاي:

– خلاص اقعد بقى يا تامر؛ حقك علي انا يا سيدي!

 

“الثورة التونسية”

 قد بدات الثورة التونسية ببائع متجول يدعى محمد بوعزيزي الذي ادى به القھر ان يشعل النار في نفسه في وسط العامة في ديسمبر ٢٠١٠. وكان ھذا البائع المسكين الراحل، دون ان يدري، مفجراً للثورة التونسية التي انتھت بتنحي الرئيس التونسي في ١٤ يناير ٢٠١١. ورغم وحشية الموقف، إلا انه ما كانت قد اھتزت له عضلة واحدة في جسم المواطن المصري إذا ما حدث داخل مصر. فھو حدث يحدث في الشارع المصري بشكل يومي اخذاً صور مختلفة كحرق، قتل علني، تعذيب وخلافه؛ تماماً كما حدث مع خالد سعيد، ذلك الشاب المصري الذي تم تعذيبه حتى الموت في أبريل ٢٠١٠، وغيره وغيره من ضحايا اللاآدمية. ان العقلية المصرية، للأسف، قد دربت منذ سنين طويلة مضت على الصمت، وقبول الھوان من اجل لقمة العيش. و بھذه المقارنة السلبية تستطيع ان تدرك مدى الذل الذي عانى منه المصريون حتى اصبحوا ھم انفسھم مبلدي المشاعر. والغريب ان الشعب المصري، رغم تاريخه العظيم المليء بالإنجازات، لم يتخيل للحظة امكانية ٕاسقاط حكم دولة ما، كما حدث في تونس، والتي يمثل عدد سكانھا ثُمن عدد سكان جمھورية مصر العربية تقريبا. وھنا فقط، بعد ستين عام من الفساد، أدرك المصري انه لم يستنفذ كل طرقه بعد ليحظى بحياة عزيزة!

يتبع في الحلقة التالية من العدد القادم!

 

© 2013 Developed by URHosted

الصعود لأعلى