مينا ماهر يكتب: دردشة بالعربي الفصيح … رواية “إلى متى تجوع الضباع؟” (4) Reviewed by Momizat on . مقدمة: بدأت في كتابة هذه الرواية في مايو ٢٠١١ وانتهيت منها في نوفمبر ٢٠١١! تدور أحداث الرواية في أول ستة أيام من ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، لذلك يجب أن تقرأ في السياق مقدمة: بدأت في كتابة هذه الرواية في مايو ٢٠١١ وانتهيت منها في نوفمبر ٢٠١١! تدور أحداث الرواية في أول ستة أيام من ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، لذلك يجب أن تقرأ في السياق Rating:
انت هنا : الرئيسية » مقالات » مينا ماهر يكتب: دردشة بالعربي الفصيح … رواية “إلى متى تجوع الضباع؟” (4)

مينا ماهر يكتب: دردشة بالعربي الفصيح … رواية “إلى متى تجوع الضباع؟” (4)

مينا ماهر يكتب: دردشة بالعربي الفصيح … رواية “إلى متى تجوع الضباع؟” (4)

مقدمة: بدأت في كتابة هذه الرواية في مايو ٢٠١١ وانتهيت منها في نوفمبر ٢٠١١! تدور أحداث الرواية في أول ستة أيام من ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، لذلك يجب أن تقرأ في السياق الزمني والسياسي المناسب لهذه الفترة!  

في الحلقة السابقة: قضى الشباب الخمسة جلستهم على المقهى في جدالات تباينت فيها آرائهم حول موضوع الرئاسة في مصر، وكيفية تنظيم هذا الحدث السياسي الغامض المتفق أن يحدث في اليوم التالي، الأمر الذي أثار استياء شريف للغاية، بسبب تحمسه الشديد لهذا اليوم؛ بينما كان جمعة الضبع وأخوه خميس يشكيان حالهما المضني، وخضوعهما المزمن لسطوة “أبو دومة” البلطجي، آمليَن أن تتغير أحوالهما يوماً ما إلى الأفضل! 

حلقة ٤: 

“شريف جلال” 

من الواضح أن ھناك حركة مريبة على وشك الحدوث في اليوم التالي أدت إلى تضارب آراء الشباب في المقهى؛ فلم يكن اختلافھم ٕاذن مقتصرا فقط على اختلاف أذواقهم في اختيار مشروباتهم، بل أيضا على أسلوب تفكير كل منھم! مع ھذا مازالت تجمعھم صداقة حميمة منذ الصغر. ورغم اختلافهم المتكرر في وجھات النظر، إلا انھم قد سموا فوق عيوبھم وقبلوا قصور بعضھم البعض في المواقف المتعددة من اجل الحفاظ على تلك الصداقة.

في نھاية سھرتھم مضى كل منھم إلى حال سبيله، فعاد شريف إلى شقته في مدينة نصر، والتي يسكنھا مع والديه. وسرعان ما وصل شقته حتى رأى والديه منخرطين في الضحك على الأريكة أمام التلفاز، فتعجب قائلا:

– ايه اللي مصحيكم لغاية دلوقتي؟

فأجابت الأم:

– يا ٔاخي قول مساء الخير ع الأقل…دا احنا ماشفناكش النھار كله.

فعقب والده على كلامھا:

– قصدِك صباح الخير!… احنا بعد نص الليل.

فاستطرد شريف وھو يحاول حشر نفسه بينھما على الأريكة مداعباً ٕاياھما:

– مساء الخير… صباح الخير، أهو كله كلام حلو…ايه بقى اللى مصحيكم لحد دلوقت؟

أجابه الأب قائلا:

– اسم الله عليك يا حبيب امك. وننام بدري ليه اذا بكرة ٕاجازة؟

– ٓاه صحيح دا بكرة اجازة…لأ كده يبقى حقكم.

ثم قال و ھو يھم بالقيام:

– اما انا بقى فاعذروني.. لازم اشيك حاجة مھمة عــــ”الفيس بوك” قبل ما انام نوم عميق جداً.

شريف جلال شاب متخرج من الجامعة الأمريكية بالقاھرة كلية التجارة قسم محاسبة. يعمل محاسباً في الفرع المصري لإحدى شركات الاستشارات الھندسية العالمية. أعزب ولا يفكر في الزواج في الوقت الحالي، رغم إلحاح أبويه. والجدير بالذكر انه من الشباب الذي يعشق الــــ “فيسبوك” وقد يشعر بالأمانة الشخصية إذا ما سمع نقداً ضد الـ” السوشيال ميديا”، فيبدأ برفع نبرة صوته ويقوم بـسرد قائمة عريضة بفوائدها الجليلة.

قد فجرت مواقع شبكة التواصل الاجتماعي على الإنترنت ثورة في عالم الاتصالات في أوائل القرن الحادي والعشرين، فأمست الكرة الأرضية بأثرھا، من شرقھا إلى غربھا، أصغر بكثير مما كنا نتوقع. فقد انعدمت المسافات، بين الأفراد، بل وانعدم الوقت أيضا؛ فلم يعد يعير البشر اهتماماً لساعات الليل او النهار حينما يتسامرون على مواقع الـ”تشات” عبر المحيطات، و كأنهم في سباق حاد مع الزمن بهدف تجاهل دورانه؛ لكن هيهات! فهو لا يكف عن المرور بسرعة رغم انف الجميع، ولا هروب من غدره إن شاء الغدر! ومع مرور الزمن، غدى أطفالنا اليوم خبراءً في استخدام كل ما هو جديد في عالم التكنولوچيا، بينما كنا نحن سابقاً، نلهث في انتظارٍ يائسٍ لفكرة الھاتف ذي الكاميرا لنتمكن من رؤية من نحدثهم كأفلام الخيال العلمي! وھا هم أولادنا اليوم يتمتعون بھذه التقنيات كلها دون أن يدركوا كم كان الحصول عليھا قديماً مجرد حلمٍ. فليس من الغريب إذن ان تشارك التكنولوجيا – وقد أصبحت عاملاً اعتيادياً في حياتنا – في صناعة التاريخ الحديث؛ فعن طريق الـ”فيسبوك” و غيره من المواقع قد يتم تنظيم العديد من الأنشطة المحلية و العالمية أيضا.

قد اشترك شريف منذ فترة في احدى صفحات الـ”فيسبوك” بعنوان “كلنا خالد سعيد” وھي صفحة تشييدية لذلك الشاب الضحية، كم ذكر قبلاً. وتأثراً بالثورة التونسية، تم الإتفاق من خلال ھذه الصفحة – ومثيلاتھا من الصفحات المشابھة – أن يتم التعبير عن الغضب والسخط على النظام المصري الحاكم في الشوارع يوم ٢٥ يناير ٢٠١١، الموافق عيد الشرطة. وعلى الرغم من تنديد السلطة لھذه الدعوة، الا إن مروجيھا نووا الاستمرار ضاربين بإنذارات الدولة عرض الحائط. وھكذا تحمس شريف كغيره من الشباب لھذه الحركة الجريئة.

خلد شريف ليلتھا إلى الفراش، حتى يستطيع المواصلة في اليوم التالي، بعد أن انتھى من تصفح الـ “فيسبوك”! لم يكن يتوقع ان يغفو وھو في غاية ھذا الحماس، لكنه سرعان ما انزلق إلى نوم عميق فور وضع راسه على الوسادة، لدرجة أنه لم يلب محاولات والده لإيقاظه في صباح اليوم التالي قائلاً:

– اصحى يا شريف، البلد مقلوبة!

من هنا إلى هناك، استيقظ شريف أخيرا على صوت رنة ھاتفه الموضوع على المنضدة بجانب سريره، و إذ به ‘علي’ يقول له:

– فينك يا شريف؟

 ٔاجابه شريف بصوته الناعس المكتوم محاولاً الاستيقاظ:

– اھلاً يا علي…صباح الخير.

– صباح ايه؟… احنا بقينا الضھر.

– وماله يا اخي ھو احنا مش اجازة؟

– شريف اصحى وركز…المظاھرات بدأت في شارع جامعة الدول!

 

“نصف زجاجة!” 

انتشر خبر المظاهرات إلى المناطق العشوائية بسرعة البرق عن طريق التكاتك وسيارات الأجرة والفضائيات، ولكن لم يعرھا أحد أي اھتمام؛ فھي ليست المرة الأولى التي يتظاھر فيھا المواطنون. غير أن التظاھر ضد الحكومة ليس من ضروريات المواطن العشوائي! فھو لديه أولويات أسمى وأجدى – في نظره – اھمھا أن يبقى على قيد الحياة!

جلس خميس وجمعة على مقھى بلدي في حيھم يحتسيان الشاي، بينما كانت تعرض بوادر أحداث المظاھرات على التلفاز. فقال جمعة بصوت عال:

– الھي تولع ونشوف فيكي يوم يا بلد.

رد عليه خميس وقد عالج وجنته المجروحة ببعض المضمضات:

– جرى ايه يا جمعة؟ …كده حالنا يقف.

– بالعكس يا خميس… دي تبقى أبواب السما انفتحت لنا. احنا ساعتھا بقى نقش اللي يفضل، و حيفضل لنا كتير على فكرة..

ثم اقتضب لحظة الحلم ملقياً نظرة ملحوظة، ذات معنى على “ابو دومة” الجالس في أحد أركان المقھى، وقال بنبرة مسموعة:

– و ساعتھا عايز ھرمة ابن ھرمة يتشدد لك يا خميس…زي النجس اللي علم وشك ليلة امبارح!

حدقه أبو دومة بنظرة ساد عليھا الملل والنفور وقال:

– بتـ”ھوھو” بتقول ايه يا ضبع؟

– و انت مال اھلك يا دكش؟ لا تكونش انت الھرمة ابن الھرمة اللي علم وش خميس؟

فاجاب ابو دومة متحفزاً:

– ٔايوة انا، تكونش غيران منه؟

فٔاجابه بكل ھدوء ٓاخذاً خطوات نحوه ومشيراً إلى وجه أخيه:

– بصراحة غيران جداً، لأنك ٔاكيد عارف ان فيه حقوق طبع والنقشة دي، نقشتي انا… يا حرامي!

ثم بخفة يد التقط زجاجة فارغة من طاولة مجاورة لأبو دومة، وكسر نصفھا في لمح البصر غارزاً نصفھا الآخر في خد أبو دومة الأيسر أمام الجميع، الذين كانوا يشاھدون الموقف وھم في قمة الفضول!

 

“الساعات الأولى” 

ھرول شريف إلى سيارته، بعد أن استطاع أخيرا أن يقنع والداه بانه يجب أن يذھب ليلحق بالمتظاھرين. انطلق مسرعاً تجاه وسط البلد قاصداً شارع جامعة الدول العربية. وما ان وصل، حتى فوجيء بأن المتظاھرين ليسوا ھناك! كان بالصدفة ثلاثة شباب وبنتان، في نفس الشارع، يبحثون ھم أيضا عن مكان المظاھرة، فانضم لھم شريف مؤقتاً حتى ھرع أحدهم وقال:

– دول عند كوبري الجلاء!

تحركت المجموعة سوياً بمركباتھم إلى كوبري الجلاء، فوجدوا عدداً لا بأس به من الثوار متعرقلين أمام قوات الأمن التي فاقتھم في العدد والإمكانيات. فانضموا إليهم ثم زحفت الجموع إلى كوبري ٦ اكتوبر؛ وھناك بدأ عدد المتظاھرين في التزايد تدريجياً بشكل ضخم، وكثرت المناوشات بينھم وبين الأمن حتى نجحوا في بلوغ ميدان التحرير أخيرا لينضموا إلى مجموعة أخرى من الشباب ھناك.

 

“لوحة مصرية” 

إن أردت أن تصور مصر كلھا في لوحة، فسيكون ميدان التحرير خير ملھم لتلك اللوحة. فإن وقفت في منتصف الميدان، ناظراً تجاه الجنوب، واستدرت يمينا تجاه الشمال الغربي، ستجد المتحف المصري مخلداً لحضارة وتاريخ مصر، ولربما تستطيع أن تلمح أيضا أحد أركان مبنى الحزب الوطني الحاكم بجوار المتحف مجسداً مصر الدولة ذات السلطة. وان أكملت النظر ببطء في مدار دائري تجاه الجنوب مرة أخرى فستقابل الفنادق العالمية وھي تعكس حركة السياحة المصرية، وقائم في وسطھا مبنى جامعة الدول العربية، دلالة على عروبة مصر العريقة. يلحق بھا تمثال عمر مكرم الذي قاوم نابليون وأصبح رمزاً من رموز النضال المصري، ويحيطه به من الخلف جامع عمر مكرم والذي يعتبر من اشھر معالم الكينونة الإسلامية لمصر. ومن الاستحالة ان يخونك نظرك فلا ترى صرح مجمع التحرير الضخم متصدراً واجھة الميدان الجنوبية، وكأنه يذكرنا دائما بالكيان الحكومي في الدولة. على بضع أمتار منه من اليسار توجد الجامعة الأمريكية وھي من معالم التعليم العالي بالقاھرة، ثم بعد ذلك تبدأ وتتوالى المحلات المختلفة والمكتبات والبنوك ومطاعم وسط البلد السريعة وغيرھا من العلامات الرئيسية التي تنبض حياةً في الشارع المصري. ولذا قد اختير ميدان التحرير كمركز للتظاھر على مدار السنين.

 

يتبع في الحلقة التالية من العدد القادم!

© 2013 Developed by URHosted

الصعود لأعلى