مينا ماهر يكتب: دردشة بالعربي الفصيح… رواية “إلى متى تجوع الضباع؟”(6) Reviewed by Momizat on . مقدمة: بدأت في كتابة هذه الرواية في مايو ٢٠١١ وانتهيت منها في نوفمبر ٢٠١١! تدور أحداث الرواية في أول ستة أيام من ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، لذلك يجب أن تقرأ في السياق مقدمة: بدأت في كتابة هذه الرواية في مايو ٢٠١١ وانتهيت منها في نوفمبر ٢٠١١! تدور أحداث الرواية في أول ستة أيام من ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، لذلك يجب أن تقرأ في السياق Rating:
انت هنا : الرئيسية » مقالات » مينا ماهر يكتب: دردشة بالعربي الفصيح… رواية “إلى متى تجوع الضباع؟”(6)

مينا ماهر يكتب: دردشة بالعربي الفصيح… رواية “إلى متى تجوع الضباع؟”(6)

مينا ماهر يكتب: دردشة بالعربي الفصيح… رواية “إلى متى تجوع الضباع؟”(6)

مقدمة: بدأت في كتابة هذه الرواية في مايو ٢٠١١ وانتهيت منها في نوفمبر ٢٠١١! تدور أحداث الرواية في أول ستة أيام من ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، لذلك يجب أن تقرأ في السياق الزمني والسياسي المناسب لهذه الفترة! 

في الحلقة السابقة: بعدما كان على وشك أن يترك المظاهرة، التقى شريف جلال أخيراً بصديقه على وسط الزحام! بينما فضل صديقهم خالد شبراوي البقاء في المنزل على التنزه مع عائلته في عطلة عيد الشرطة بسبب شدة التظاهر وانتهى بهم الأمر بمتابعة الأحداث على شاشة التلفاز! أما يوسف عطالله جرجس الشهير بـ ‘چو’ فكان يتوجس المخاطر المحتملة على مستقبل الأقباط إذا ما اضطربت الحالة السياسية للدولة! وهكذا في هذا اليوم، اختلفت نظرة الشعب لعيد الشرطة بعد المناوشات العنيفة التي شنت بين الشرطة وبين أبناء الوطن الثائرين.

 

 

حلقة ٦:

إن سرقت…اسرق جمل!”

 فتور ولامبالاة، تجاه الأحداث، قد عمَّا المنطقة العشوائية التي يسكن فيھا جمعة، فبعد تشاحن مشاجرته مع ابو دومة، والتي انتھت باشتراك معظم اھل المنطقة – دفاعاً عن النفس – عاد الجميع من جديد الى مزاولة نشاطاتھم وكأن شيئاً لم يحدث. وواصل بعضھم مشاھدة الأخبار ومتابعة المشادة بين الحكومة والشعب في الميدان. فعلق أحد الجالسين ساخراً:

– يا بخت من وفق راسين في الحلال!

عندھا نظر خميس إلى جمعة، وكانا يشاهدان التلفاز أيضاً وهما يأرجلان ارجيلة “ملغمة”، وقال:

– حنعمل ايه يا جمعة؟ حنقف ساكتين والبلد مقلوبة كده؟

– لا طبعا…نسكت ازاي؟!

– والعمل ايه؟

سعل جمعة بشكل متواصل من التدخين فاشار لأخيه بيده وھو يقول متصيداً لحظات توقف السعال:

– انت بتفكر في ايه؟

– انا رأيي ننزل نقش بقى!

– مع احترامي لسنك يا خميس، وانت الكبير طبعاً، أحب أقول لك إنك حمار! مش دلوقتي خالص يا بني آدم، اصبر! المثل بيقول ان سرقت اسرق جمل؛ واحنا طول عمرنا بنسرق، نقوم لما نيجي نسرق السريقة اللي ھي، جملنا لازم يبقى أكبر جمل!

 

 

 

“بداية غير مشجعة!”

 لم يذق خالد طعم النوم ليلتھا! فما إن ابتدأ العنف في الميدان حتى ھرع إليه ولداه من غرفتھما، خائفين من دوي صوت إطلاق القنابل وصراخ الناس في الشوارع! فخالد يسكن على مقربة من التحرير، ومن الطبيعي ان يسمع كل ما يجري من شد وجذب بشكل واضح. كما أن بعض حراس الأمن المركزي قد استخدموا أسطح العمارات في المنطقة لقذف قنابلھم، ورغم أن عمارة أسرة خالد لم تكن واحدة منھم إلا أن بعض العمارات المجاورة لھم كانت تستخدم كمراكز للقذف. وھكذا لم تكن ليلة ٓامنة بأي حال من الأحوال، فنام أربعتهم سوياً في غرفة واحدة. نامت نسرين من شدة التعب – رغم محاولاتھا مقاومة النوم حتى تطمئن على الأطفال – بينما سھرت عينا خالد على عائلته طوال الليل الذي لم يھدأ له حال.

قام خالد في الصباح بالاتصال بمقر عمله مراراً ليعتذر عن الحضور، لكن لم يجبه أحد؛ فقد أغلقت معظم الأشغال والجامعات والمصالح الحكومية ابوابھا في الساعات الأولى من نھار اليوم التالي، حيث لا تزال المظاھرات مستمرة وفي تزايٍد، بعد أن نجح المتظاھرون في الاتحاد من جديد بعد تشتتھم! فٔادرك خالد بعد محاولات كثيرة أن المكتب مغلق؛ ولتحاشي تكرار نفس الليلة السابقة المزعجة قرر أن يذھب بزوجته و ٔاولاده إلى شقة امه في مدينة نصر، فاعترضت نسرين:

– انا مش حاسيب شقتي يا خالد!

– ما حدش قال حانسيبھا، دا حل مٔوقت لحد ما الأمور تھدا.

– وانت ضامن الأمور حاتھدا امتى؟

– ما فيش حاجة مضمونة يا نسرين! بس العقل بيقول نروح حتة أمان للأولاد.

– ولو حد فيھم طالته رصاصة ولا بلا ازرق واحنا في السكة يبقى ايه العمل؟

صمت خالد واغلق عينيه وكأنه يتحاشى تخيل العواقب ثم قال بثقة:

– باذن الله مش حايحصل حاجة…

نزل خالد وزوجته وھما يتلفتان حولهما محاوطين الولدين إلى أن دخل جميعھم السيارة سالمين وقد وجدت سيارتهم وقد كسرت احدى مرآتيھا الجانبيتين وشرخ زجاجھا الأمامي نتيجة اشتباكات الليلة الماضية، ولكنھا كانت في حالة قيادة جيدة. تحرك خالد بسيارته بحذر ثم ما لبث ان انطلق مسرعاً في الإتجاه المعاكس للتحرير بمجرد خروجه من الموقف على شارع طلعت حرب.

تمكنت الأسرة من الوصول الى شقة والدة خالد المتوفية منذ عام تقريبا. كان الأثاث مغطى بالملاءات للحماية من الغبار، فقد ھُجرت ھذه الشقة تماماً بعد رحيل الأم؛ ورغم انه كانت ھناك مناقشات بين الأبناء لتأجيرها، ٕالا أنهم لم يتفقوا، ففكروا في بيعھا إذا سنحت فرصة ما! وھا قد شاءت الأقدار أن تصبح تلك الشقة ملجاً لخالد وأسرته عند اللزوم.

ما ان دخل خالد الشقة حتى قال بارتياح:

– ياه…احنا كنا فين وبقينا فين؟

وإذ به كان على وشك أن يلقي بجسده بكل ثقله وارھاقه على الأريكة المغطاة في المدخل، ولكن استوقفته زوجته في آخر لحظة:

– حيلك حيلك، كده حتتربنا كلنا …استنى لما اشيل الملايات!

من طرائف الدنيا أنه مھما بلغ الرجل درجة عالية من النظام، إلا أن طبيعته الفطرية المتسرعة في المواقف المختلفة، لا تنصفه مطلقا أمام دقة المرأة! فنرى المرأة على الدوام تزداد تالقاً وامتيازاً عليه بجدارة. فما من ذكر يفكر في أن يزيل الملاءات القديمة قبل جلوسه، فھذه لفتة انثوية بحتة لا يعتبرها الرجال! لذا ابتدأت نسرين بوضع بصمتھا الرقيقة على المكان بٕازالة تلك الأغطية المغبرة واعداد الشقة للمبيت. لم تمض بضعة ساعات، حتى استلم خالد مكالمة على محموله فأجاب:

– الو…

– ايوة مين؟ خالد؟

كان صوت شخص مسن خافت مشوشاً بصياح ونحيب حاد في الخلفية، مما زاد من فضول خالد ليجيب:

– ايوة انا خالد…مين معايا؟

– انا جلال والد شريف صاحبك!

اعتدلت نبرة خالد وقد غلب عليھا نوع من الاحترام وقال:

– اھلاً يا “انكل”، اخبار حضرتك ايه؟

– ما تعرفش يابني شريف فين؟ من بعد ما نزل امبارح المدعوقه المظاھرة ما رجعش وموبايله مقفول!

– فيه حد كان معاه؟

– باينه …علي…آه…ھو كان بيكلم على قبل ما ينزل.

– طب يا “انكل” انا حادور عليه …ما تقلقش و طمن طنط، و ان شاء الله خير.

تسمرت نسرين زوجته من تٔاثير الاتصال الھاتفي والتى لم تسمع منه الا جملاً مبھمة قلقة من فم زوجھا. لاحظ خالد ارتباكھا فقال لھا، قبل ان تسأله، وھو يقوم بالاتصال بمحمول علي:

– ما تتخضيش! دا شريف صاحبي مش لاقيينه!

ثم التقط على المكالمة سريعاً مقاطعاً حديث خالد مع نسرين:

– السلام عليكم يا خالد

– وعليكم السلام يا علي، انت فين؟

– انا في طريقي للتحرير.

– شريف معاك؟

– كان معايا امبارح في التحرير…وبعدين افترقنا لما الأمن ھاج علينا وما عرفناش نوصل لبعض بعدھا! أصل الموبايلات في التحرير كانت مقطوعة امبارح. عالعموم انا حاكلمه كدة كدة لما اوصل، عايزني ابلغه حاجة؟

– علي…شريف مش موجود في بيته، واھله بيدورا عليه، وتلفونه مقفول!

 

 

“إختطاف!”

 استطاع خالد ان يصل فقط الى چو بعد مكالمته مع علي، ولكنه لم يوفق ان يصل الى تامر خامسهم. فخرج ثلاثتھم، خالد وچو وعلي، قاصدين ميدان التحرير للبحث عن شريف. كانت نسرين غير مرحبة بفكرة نزول زوجھا الى قلب الأحداث من جديد، وھو ايضاً لم يذھب إلا بعد أن اوصى جار والدته عم توفيق على عائلته، فرحب توفيق بالمهمة بكل شھامة. أما إنچي خطيبته چو فقد أصرت ان تصاحبه، حيث كانا معاً في مكان عملھما، ورغم رفضه التام لذلك، إلا انھا غضبت بشدة ونشٔاث بينھما مشاجرة كلامية حادة جداً طوال الطريق.

لم يتفق الشبان الثالثة على مكان للتقابل، ولكن قسما الميدان الى ثلاثة أثلاث، وسيتولى چو البحث في الثلث المواجه لمجمع التحرير وجامع عمر مكرم، بينما سيبحث علي في ثلث الجامعة العربية والمتحف؛ أما خالد فسيبحث في الثلث الأخير. ما ان أدرك چو منطقة التحرير حتى نزل من سيارته وھو في قمة الغضب من خطيبته التي خرجت بحركة سريعة تجاه الميدان متجاھلةً وجوده معھا، مما استفزه جداً فركض خلفھا لكي يلحق بھا وجذبھا من ذراعھا وقال:

– مش فيه بني ٓادم ماشي معاكي؟

فسحبت ذراعھا من بين يديه وقالت بصراخ ھستيري مما لفت نظر الناس اليھم:

– ما تمدش ايدك عليا انت فاھم؟

لاحظ چو ان الموقف قد لفت انظار من حولھما لدرجة ان بعض منھم ابتدٔا يتحرك نحوھما ببطء فقال بصوت خافت لإنچي:

– انچي بلاش نفرج علينا الناس، اھدي كده، عشان دي مش اخلاق بيوتنا ولا اخلاق الكنيسة؟

اما انچي فلم تكن قادرة على التحكم في حمو غضبھا فصاحت بصوت اعلى من المعتاد:

– كل اللي يھمك الناس، انا بقي لا يھمني الناس ولا انت، ولا الكنيسة كمان، حل عني بقي يا اخي حاتخليني اكفر…

وما ان انھت عبارتھا تلك حتى أسرع نحوھم خمسة شباب كانوا من الذين بدأوا في التحرك تجاھھم وما ان ادركوھم حتى بلبلوا قائلين:

– فيه ايه يا انسة؟

– ھو الأخ بيعاكسك؟

– مالك يا كابتن؟

اما چو فقد تصدى لھم بجرأة:

– مالكش دعوة انت وھو، دي خطيبتي وبنتناقش.

بعد ان أدركت انچي احتمالية حدوث عراك بين خطيبھا والآخرين، اوشكت ان تفتح فاھا وتتدخل لولا كف شخص خفي امتد من بين الزحام وكممھا ومنعھا من الكلام، فلاحظ چو ذلك فصرخ:

– ايه دا؟ ايه دا؟ انت بتعمل ايه؟!!

وفي خلال ثوان، التفت ست ٔاياد حول انچي واجتذبوھا بعيداً عن المكان شالين حركتھا، أما چو فقد ركل في بطنه ركلة شديدة، فألقي على الأسفلت، وظل يستقبل الركلات القاسية في بطنه ووجھه من اثنين من الشباب قد تفرغا فقط لعرقلته، ثم تركوه بلا حراك ليلحقوا بالبقية.

 

يتبع في الحلقة التالية من العدد القادم!

© 2013 Developed by URHosted

الصعود لأعلى