جود نيوز الكندية

رامز ارمانيوس يكتب: مازال يصرخ

-

في روايته الرائعة "مزرعة الحيوان"، أبدع جورج اورويل حين ذكر عبارته الشهيرة: "اننا لا نهتم بالإنسان إلا حينما يكون جثة". ولعل هذا ما حدث بالفعل بعد استشهاد الانبا ابيفانيوس أسقف ورئيس دير الأنبا مقار. فأنا اعرف جيداً قيمة وحجم هذا الرجل الذي يعتبر ظاهرة في الكنيسة القبطية، ولكن ما أدهشني هو رد فعل غير متوقع لبعض الأشخاص الذين قد لا يعرفونه. فمنذ يوم نياحته، وقد بدأت عظاته وكتبه في الانتشار السريع خصوصاً على صفحات التواصل الاجتماعي بل والأكثر من ذلك، وكعادة الشعب القبطي بدأت التأملات الكثيرة في شخصه وفي خدمته وعلمه. فأين كان كل هذا حينما كان في وسطنا؟ 

انه ومع كامل تقديري وعلمي بقيمة وحجم هذا الرجل، أود ان أقول كفى!! كفانا تأملات في شخصه وخدمته، لأن الأهم من ذلك هو ان نحقق له ما أراد بل ما أوصى به. ففي لقاء له مع أحد الخدام، قال الأنبا ابيفانيوس: "اقرأوا، ادرسوا، ترجموا..." انها وصية بل من وجهة نظري الشخصية انه أمر لكل فرد في الكنيسة الآن... انها دعوة للعلم... دعوة لحدوث ثورة علمية عقلية روحية لأنه كفانا غرقاً في بحر التأملات السطحية والتغني بفولكلورات معجزية قد لا يكون وجودها إلا في الأحلام فقط. انها ساعة الآن لنستيقظ من بعض التعاليم الغريبة التي ملأت اذهاننا وعقولنا كمن يعلم مثلاً ان الفداء والخلاص والكفارة تم تحقيقهم بعقوبة المسيح بدلاً منا نحن الخطاة، لاسترضاء العدل والغضب الإلهي، بدفع ثمن الخطية غير المحدود للآب. 

أو من يقول ان الخطية هي إهانة غير محدودة لأنها إهانة مباشرة لله، المجني عليه، وبذلك اتخذت الخطية صفة اللامحدودية لأنها موجهة لله غير المحدود!!! 

من أي اتينا بهذا التعليم؟ أليس هذا تأليهاً للشر؟! 

الحقيقة ان الفداء والخلاص والكفارة تم تحقيقهم باتحاد الله مع الانسان، بتجسد وموت وقيامة الرب بناسوتنا، لكي بالموت يبيد الموت وإبليس الذي له سلطان الموت، وينعم لنا بالحرية والحياة الأبدية. كما ان الخطية هي اختيار للإنسان الحر، فبكامل حريته تعدى الانسان الحر على أرادة الله الخيرة له. فأصبحت الخطية هي المرض الذي أصاب الانسان وبها أصبحت الخليقة هي المجني عليها وليس الله. انه ليس تأملاً او رأياً شخصياً بل تعليماً كتابياً، (راجع تكوين 2، تثنية 30، ارميا 2، حزقيال 18، الحكمة 1و2، رسالة يعقوب 1، وأيوب 35). 

+ + +

لذلك يجب ان نعطي اهتماماً للمعرفة، فالمطلوب منا نحن المسيحيين ان نبدأ أولاً بمعرفة من نحن، ان نعرف هويتنا، ان نعرف ما فعله الله تجاهنا، ان ندرك اننا بالمسيح ابن الله قد تألهنا، فنصلي لمجد الله الذي آلهنا في المسيح، ونتعمق في معرفة ما انعم به الله علينا، ويرافقنا في الاسرار فنحتفل بالأسرار لنتابع من خلالها هذا التأله. 

ان المعرفة دعوة كتابية، "فقد هلك شعبي من عدم المعرفة" (هو 4: 6). لذلك لم ولن تنفع تأملاتنا او فضولنا او حتى نحيبنا، بل ان الكنيسة الآن في اشد الاحتياج لكل انسان مستنير. ارجوكم اعتبروا هذه الجريمة – بالرغم من بشاعتها وخسارتنا لهذا الرجل – انها دعوة للمعرفة... دعوة للخروج من جحور الظلام المعرفي... انها دعوة لتصحيح المفاهيم. فإن كان البسطاء يتسللون إلى ملكوت السماوات فلن يراه الجهلاء، ولن يراه من يرفضون استخدام عقولهم – التي سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين – بحجة ان البساطة ما اروعها!! انها ليست بساطة، عفواً انها السذاجة بعينها. 

اخيراً ان شهادة الأنبا ابيفانيوس هي بمثابة عهداً جديداً قد سفك فيه دم إنساناً متمثلاً بسيده ابن الانسان.