From Hospitality to Hostility: A Silent Transformation اغتالوا علماء المعامل.. لا علماء الفتاوي من ينتصر في الحرب الإسرائيلية الإيرانية: ومشهد دولي معقد؟ مصر والخليج يخططان لزعامة العالم... وسينجحون‎ متى سيخدمنا الذكاء الاصطناعي؟ وفي يوم خرج مرجعش !‎ تعليم مصر في خبر ”كان” ثقيلة هي ثياب الحملان! (قصة قصيرة) (10) للحرية أسطول!! إن فسد الملح رسالة من ”ميامي” نشأة الثقة بالنفس “ Basic Trust ” بين علم النفس... وبين الرجاء المسيحي ” لأننا سنراه كما هو“ (١يوحنا ٢:٣)

لماذا مساجدنا أكثر من مدارسنا؟ (2) تساؤل هام... واقتراح مُلام

ماذا فعلت الدولة الدينية تجاه العلم والتكنولوجيا بمختلف العصور: تحريم القهوة والطماطم وارتداء البنطال والطباعة وماء الحنفية والأسطوانات والساتالايت والتبرع بالأعضاء وغسيل الكلى... وتشبيه الدراجة بالشيطان

تحقيق: ايهاب أدونيا

‎لا خلاف على أن تسييس الدين كفيل بتدمير هذا الوطن، والحل يكمن في " تجريم" تعليم الدين في الجوامع والأزقة، ورغم إصرار الرئيس السيسي المستمر لتجديد الخطاب الديني وتنقيح المناهج والأحاديث إلا أن قد جانبه الصواب في الاقتراح الأخير الخاص بإقامة مدارس داخل المساجد، فهو يطعن الدولة المدنية في مقتل ويضع حجر الأساس للدولة الدينية بلا منازع.

بينما يرى أخرون إن اقتراحه هذا جاء بمنطق البحث عن حلول عملية في ظل أزمة اقتصادية، ورغبة كبيرة في إنعاش قطاع التعليم على وجه التحديد، طرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سؤالاً على المصريين خلال حفل تخرج أئمة وزارة الأوقاف بالأكاديمية العسكرية، قائلاً: "لماذا المساجد أكثر من المدارس؟"، وهل يمكن استخدام المساجد للعبادة والتعليم في نفس الوقت؟

ماذا فعلت الدولة الدينية تجاه العلم والتكنولوجيا بمختلف العصور:

كانت ومازالت الدولة الدينية تخشى وتخاف من تقدم العلم والتكنولوجيا وتحرم كل ما هو متقدم، وهي السبب الأساسي في تراجع مصر والعديد من الدول العبية إلى الوراء بعشرات بل لنقل بمئات السنين وتلك أمثلة بحماقات الدولة الدينية تجاه العلم والتقدم، والسؤال هل هذا ما يريده الرئيس من تحويل المساجد إلى مدارس؟!

عند ظهور الدراجة الهوائية لأول مرة، أطلقوا عليها اسم "حصان إبليس" وقالوا إنها تسير بواسطة الجن، واعتبروها رجس من عمل الشيطان، وكانوا يستعيذون بالله منها 7 مرات، وأمروا النساء بتغطية وجوههن عنها وتذكر بعض المراجع أن الدراجة دخلت إلى الدولة العثمانية، وبالتحديد في مدينة القسطنطينية (إسطنبول) أول مرة عام 1271هـ/ 1855 م مع توماس ستيفانوس، ثم انتشرت بعد ذلك في تركيا، وأنهم أطلقوا عليها مسمى "سيارة الشيطان".

فى عام 1884 قامت الحكومة بإقامة شبكة من المواسير لتوصيل المياه النقية للمنازل والمساجد ، ولكن قطعان الدولة الدينية أفتوا بأن هذا بدعة وضلالة ، وأن مياه الصنبور لا تصلح للوضوء، وظل المشروع متوقفاً إلى أن أفتى أئمة الفقه الحنفي (الحنفية) بأن مياه الصنبور تصلح للوضوء ، ومنذ ذلك الحين أطلق المصريون على الصنبور اسم الحنفية، وكان تركيب أول صنبور مياه في مصر سنة 1848 بالقاهرة، وتم تركيبها في مسجد محمد على بالقلعة، وهو ما آثار جدلا حول صحة الوضوء من الصنبور، وتم اللجوء لرأى "علماء الحنفية – المذهب الحنفي"، ما جعل الناس يطلقون على الصنبور كلمة الحنفية.

عند ظهور البنطلون لأول مرة، أفتى الشيخ الألباني بأن البنطلون بدعة لأن النبي والصحابة لم يرتدوه، ووصف البنطلون بأنه من المصائب التي أصابت المسلمين بسبب غزو الكفار لبلادهم، وحذر الألباني الرجل "المبنطل" من ارتداء ملابس الكفار لأن النبي منع التشبه بالكفار، وأن كل من يتشبه بهم فهو منهم

حارب رجال الدين الإسلامي مشروب القهوة لأكثر من 400 سنة ، وقالوا عن القهوة أنها مثل الخمرة ومنافية للمروءة ، وأنها تتسبب في السهر الذى يؤدى إلى إضاعة صلاة الفجر ولما انتقل مشروب القهوة سراً من اليمن إلى مصر، استمرت معاداة القهوة ومحاولات تحريمها بضراوة وفي منتصف عام 1572 أدت خطبة أحد الأئمة الموالين للفقيه احمد السنباطي عن القهوة إلى هياج شعبي ضدها ،و أصابت عدوى التحريم عموم القاهرة، حين هاجم فقيه متشدد أخر القهوة ومن يشربونها على المنابر وهو ما دفع المستمعين له لتحطيم المقاهي لتعيش القاهرة حالات شغب من أجل القهوة !!

وفي نهاية عام 1572 صدرت فتوي بالقاهرة تقضي بمنع المنكرات والمسكرات والمحرمات، وبغلق أبواب الحانات والخانات، ومنع استعمال القهوة والتجاهر بشربها، وهدم كوانينها وكسر أوانيها، ولتنفيذ هذا الحكم كما يصف الجزيري: "كان العسس على الفحص وبيوتها وباعتها شديدًا جدًّا، وضربوا وأشهروا وهدموا البيوت وكسروا أوانيها المحترمة الطاهرة التي هي مال لرجل مسلم ".

قام مشايخ السلفية بضرب كل من يشربها وهاجموا المقاهي وحطموها باعتبارها خمارات وأماكن للرزيلة، وحدث أن قام الشيخ أحمد عبد الحق السنباطى (وهو من مشايخ الأزهر) بقتل أحد تجار البن، فرد زملاؤه من التجار بإقامة عزاء كبير له، وظلوا يشربون القهوة طوال مدة العزاء الذي استمر 3 أيام، ومنذ ذلك الحين أصبح شرب القهوة في المآتم عادة عند المصريين حتى اليوم

وعند ظهور لقاح شلل الأطفال، أفتى مشايخ السلفية في كثير من البلاد الإسلامية بتحريم استخدامه بدعوى أنه مستخرج من شحم الخنزير، وأنه مؤامرة على الإسلام، والغرض منه تعقيم الأطفال جنسيا وقطع نسل المسلمين ، وانطلقت الميكروفونات في الجوامع في باكستان وإندونيسيا ونيجيريا وغيرها من البلاد، تحذر من اللقاح الذى يفقد الرجال قدرتهم الجنسية ويحرم النساء من الأمومة ، وبالفعل استجاب الآباء، وكانت النتيجة إصابة مئات الألاف من الأطفال الأبرياء بالشلل حتى ظهرت العديد من الفتاوى في العشرون عاما الأخيرة التي تجيز استخدامه وتحذر من الفتاوى السابقة التي كانت تحرمه.

فتوى تحريم الطماطم التي ظهرت لأول مرة بالمنطقة العربية في بلاد الشام في القرن التاسع عشر، وكانت مثار استغراب واستهجان الشاميين لكون لونها أحمر وهي من الخضروات، لذا سماها الناس بـ”مؤخرة الشيطان”، ولما كان لزاما على أهل العلم أن يقولوا فيها قولتهم، فقد خرج مفتي حلب بفتوى تحرم أكل “مؤخرة الشيطان”، لكن الناس تجاوزوا الفتوى الرسمية خلال سنوات فانتشرت الطماطم وتوسعت زراعتها وعرفت تحت اسم “البندورة”. ".

حيث اخترع الألماني جوتنبرج أول آلة طباعة في القرن الخامس عشر (1455)، وبعد 35 عاما من ظهورها في أوروبا، طرح أمر استيرادها في بلاط السلطان بايزيد الثاني، وقال علماء الدين قولهم بحرمتها وتكفير من يستخدمها، ليصدر فرمانا سلطانيا بذلك استثني منه اليهود فيما بعد على اعتبار أنهم غير مسلمين، كما أصدر مفتي مراكش محمد ابن إبراهيم السباعي فتوى بتحريم هذا الاختراع، ولم يكن الأزهر بمعزل عن فتاوى التحريم فأقر عدد من شيوخه حرمته بحجة الخوف من تحريف القرآن والكتب الشرعية، وقالوا أن الحبر الذى تستخدمه المطبعة نجس، ولا يجوز استخدامه في كتابة القرآن، ليتأخر دخول هذا الاختراع، الذي أسهم بشكل كبير في نقل الحداثة الغربية إلى العالم الإسلامي 200 سنة. في ذلك الوقت كانت المطبعة قد انتشرت في كل دول أوروبا وكانت من أهم أسباب النهضة الأوروبية، بينما كانت الشعوب الإسلامية تسبح في جهل بسبب فتاوى الدولة الدينية.

كما حاربوا إقامة المدارس الحديثة التي تدرس العلوم الحديثة، باعتبار أن التعليم المسموح به هو التعليم الديني فقط، واعتبروها باباً للفساد والانحراف الجنسي، وكان موقفهم من مدارس البنات بالذات أشد تطرفاً، وقالوا إن تعليم البنات القراءة والكتابة سيؤدى إلى إغوائهن وتعريفهم وسائل الخيانة وكتابة الرسائل الغرامية لعشاقهن، وفى العراق أصدر المفتي فتوى بتحريم الالتحاق بهذه المدارس

وفى عشرينات القرن الماضي وقف رجال الدين في الحجاز ونجد ضد الاتصالات اللاسلكية واعتبروا أن إرسال البرقيات وسائل شيطانية، وفى الأربعينات ظهرت فتوى تحريم الراديو، وقالوا عنه أنه قطعة من الحديد تنطق وتتكلم، واعتبروا أن هذا كفر، لأنه اختراع يضاهى قدرة الله لأن الله وحده هو القادر على إنطاق الجماد واعتبروا أن جميع الأجهزة الكهربائية وسائل شيطانية يديرها الجان والأبالسة

وفى الخمسينات ظهرت فتوى تحرم الفونوغراف (مشغل الأسطوانات) وفى الستينات تم تحريم مشاهدة التليفزيون وتحريم بيعه، وفى الثمانينات تم تحريم الفيديو وفى التسعينات تم تحريم الستالايت وفى أول الألفية الثالثة تم تحريم الإنترنت، والمدهش أن مشايخ السلفية كانوا هم أول من استخدم كل هذه الاختراعات، وهم من استخدموا شرائط الكاسيت لنشر أفكارهم وخطبهم، وكانوا هم الأكثر ظهوراً على شاشة التليفزيون، كما أنهم امتلكوا القنوات الخاصة، وأصبح لكل منهم موقعاً على الإنترنت

ولا ننسى فتوى الشيخ الشعراوي نحو تحريم غسيل الكلى واعتبر أنه محاولة لمنع قضاء الله، فطالب بمنع غسيل الكلى حتى لو أن المريض سيموت، لأن الآفات مقصودة في الكون لكي يعرف الناس قدر نعم الله عليهم. وكذلك حرم في فتواه التبرع بالأعضاء بحجة إن أعضاء الإنسان ليست ملكه حتى يتصرف فيها، وإنها أمانة عليه إيصالها لخالقها كما هي. وأكد الشعراوي في فتواه، أن التبرع بالأعضاء "كفر بالله"، لأن ذلك يتعارض مع تكريم الله لبني آدم.

الاقتراح يثير الانتقادات ويهتك بالوحدة الوطنية وقواعد المساواة

يتناقض ذلك الاقتراح مع المادة الأولى من الدستور والتي تنص على أن المواطنة أساس لنظام الدولة، فهل سيدخل أولادنا المسيحيين للمساجد، وكيف سيكون حالهم لو طلب أستاذهم من الطلاب أن يصلو ركعتين "تحية للمسجد"

وسوف يؤدى لتفاقم أزمة العجز في المعلمين الذي تعاني منه المدارس والذي بلغ أكثر من 600 ألف معلم، فلا يمكن أن يذهب فصل للمسجد بدون معلم، بينما يمكن في المدرسة وجود ثلاثة فصول بلا معلم اعتمادا على مرور الوكيل أو مدرس يطلب إلى الطلاب عمل شيء ويطلب من رائد الفصل كتابة أسماء المشاغبين من التلاميذ

إذا كان من الممكن تصور درس بسيط في مسجد يقتصر على محاضرة من الأستاذ ومناقشة من التلاميذ، فما بالنا إذا كان هذا التدريس يحتاج لمعينات تعلم ووسائل إيضاح وشاشات كمبيوتر وغيرها.

والأسئلة التي تطرح نفسها... هل ستجبر الطالبات والمعلمات غير المحجبات على ارتداء الحجاب؟ وهل ستختفي من المساجد الفصول المشتركة؟ وهل يتسع المسجد وهو بلا حوائط عازلة لثلاث أو أربع فصول تدرس مواد مختلفة؟ وهل سيكون التعليم في المسجد مقدمة لاختفاء الأنشطة كالرسم والزخرفة والموسيقى والتربية الرياضية تماما من التعليم؟ هل سيذهب المعلم والتلاميذ فقط إلى المسجد أم سوف تتنقل معهم جزء من الإدارة المدرسية، فلا شك أن الانتقال إلى المسجد هو بلا شك فرصة مناسبة للتزويغ؟ هل سيكون الانتقال إلى المسجد من نصيب الطلاب الأكبر عمرا، إذ لا يمكن لأحد تخيل المشكلات التي من الممكن أن تنشأ من خلع مائة طفل وطفلة حتى الثالثة الابتدائي مثلا للكوتشى والشراب الذي يلبسونه بعد أن لبستهم وأحسنت رباطة رباطه أمهاتهم قبل خروجهم من البيت؟

كيف سيكون التعامل مع الطفل المسيحي خاصة وقت إقامة الصلاة في المسجد، الذي بالطبع سيكون إجباري على الطلبة والمدرسين تأديته في موعده؟ وأين سيقضى الطفل المسيحي حصة التربية الدينية؟ وكيف؟

هل ستعتمد المساجد على الأئمة في التدريس وإن كان ذلك صحيحا فما هي المواد التي سيعلمونها للطفال؟ هل يمكنهم شرح نظريات العلوم والهندسة؟ أم سنكتفى بتعليم هؤلاء مواد الفقه والشريعة؟ وكأننا نزيد من التعليم الديني على حساب التعليم العام؟... تلك أسئلة وغيرها كثيرة تراود الأذهان وتبحث عن إجابة مقنعة شافية وافية.