جود نيوز الكندية

تساؤل هام... واقتراح مُلام

لماذا مساجدنا أكثر من مدارسنا؟ (1)

-

تحقيق: ايهاب أدونيا

‎لا خلاف على أن تسييس الدين كفيل بتدمير هذا الوطن، والحل يكمن في " تجريم" تعليم الدين في الجوامع والأزقة، ورغم إصرار الرئيس السيسي المستمر لتجديد الخطاب الديني وتنقيح المناهج و الاحاديث إلا أن قد جانبه الصواب في الاقتراح الأخير الخاص بإقامة مدارس داخل المساجد، فهو يطعن الدولة المدنية في مقتل و يضع حجر الأساس للدولة الدينية بلا منازع.

بينما يرى أخرون أن اقتراحه هذا جاء بمنطق البحث عن حلول عملية في ظل أزمة اقتصادية، ورغبة كبيرة في إنعاش قطاع التعليم على وجه التحديد، طرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سؤالاً على المصريين خلال حفل تخرج أئمة وزارة الأوقاف بالأكاديمية العسكرية، قائلاً: "لماذا المساجد أكثر من المدارس؟"، وهل يمكن استخدام المساجد للعبادة والتعليم في نفس الوقت؟

ويؤكد البعض على أن الحل يكمن هو تأصيل الفكر العلماني المدني المتحضر ليحمى الأديان وتابعيها من عسف وجور بعضنا البعض، بل إن شئنا الدقة حماية أصحاب المذاهب المختلفة والأقليات داخل الوطن الواحد بل وأيضا داخل الدين الواحد، ليكون لدينا أجيال واعيه بحقوقها وكما ينص الدستور رافضة بالالتزام السياسي للتراث. فلا سلطان إلا للعقل، وتحرير وجداننا من الخوف والطاعة إلا بالقانون، فكما أن علينا أن نفصل بين الدين والدولة فالأولى والأهم أيضا أن نفصل بين التعليم والدين.

السيسي يقترح استخدام بعض المساجد كمقار لتعليم طلاب المدارس

اقترح الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال حفل تخرج الدورة الثانية لتأهيل أئمة وزارة الأوقاف من الأكاديمية العسكرية المصرية وذلك بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية

أكد السيسي أن الكلمات وحدها لا تكفي لإحداث تأثير في المجتمع، بل يجب أن تُترجم إلى أفعال إيجابية وفعالة تُشكل مسارًا يُتبع ويُنفذ، وضرب مثالًا على ذلك باستخدام مقار المساجد، إلى جانب كونها أماكن للعبادة، لتقديم خدمات تعليمية للطلاب

حيث قال نصا : "إحنا عندنا مساجد كتيرة جدًا وعندنا في نفس الوقت عدد قليل من المدارس قياساً بعدد السكان، وكان أيام النبي صلى الله عليه وسلم، يستخدمون المساجد في كل شؤون الدنيا، النهاردة ليه ما بنستفدش من المساجد الموجودة، بتشتغل بالكتير في كل صلاة 10 دقائق عشان نخلى فيها بشكل أو آخر – بعضها يسمح بهذا – نعلم فيها ولادنا كل أولادنا، يقولك نعمل مدرسة ونعمل جامع، ممكن أعمل الجامع ويبقى جواه المدرسة».

وأضاف الرئيس: «في زمن تتعاظم فيه الحاجة إلى خطاب ديني مستنير، وفكرٍ رشيد، وكلمة مسؤولة، تتجلّى مكانتكم بوصفكم حَمَلة لواء هذا النهج القويم. وقد أدركنا منذ اللحظة الأولى أن تجديد الخطاب الديني لا يكون إلا على أيدي دعاة مستنيرين، أغنياء بالعلم، واسعي الأفق، مدركين للتحديات، أمناء على الدين والوطن، قادرين على تقديم حلول عمليةٍ للناس، تداوي مشكلاتهم وتتصدى لتحدياتهم، بما يُحقق مقاصد الدين ويحفظ ثوابته العريقة».

وقال: «ولا تنحصر مهمة تجديد الخطاب الديني في تصحيح المفاهيم المغلوطة فحسب، بل تمتد لتقديم الصورة المشرقة الحقيقية للدين الحنيف، كما تجلّت في حياة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكما نقلها الصحابة الكرام، وكما أرسى معالمها أئمة الهُدى عبر العصور».

عدد المساجد يفوق عدد المدارس بــــ 6 أضعاف في مصر

يبلغ إجمالي عدد المساجد في مصر 151,194 مسجد، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عام 2024.

وبحسب الإحصاء، تضم محافظة الشرقية أكبر عدد من المساجد بإجمالي 16,431 مسجد، تليها البحيرة بإجمالي 14,294 مسجد والجيزة بإجمالي 10,363 مسجد. وفي العاصمة القاهرة 3450 مسجدا.

في المقابل، فإن عدد المدارس في مصر يصل إلى 27 ألف مدرسة، بحسب د. أيمن بهاء الدين نائب وزير التربية والتعليم.

«حيث صرح بهاء الدين» قال خلال مداخلة هاتفية مع برنامج «يحدث في مصر» في سبتمبر الماضي إن هناك فارقًا في طريقة الرصد من قِبل الوزارة، لافتا إلى تقرير صدر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والذي أحصى وجود 58-ألف مدرسة.

وأوضح أن الرقم الذي أحصته الوزارة، يشمل 27 ألف منشأة بما تتضمن من سور وحوش ومبانٍ، لكن تقرير جهاز الإحصاء يتناول إمكانية وجود مدرستين داخل المبنى أو ملحق مدرسة مسائية على المدرسة الصباحية، وبالتالي يحصّل كل منها على حدة.

عجز 250 ألف فصل دراسي

من جانبه صرح محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم، في إن المنظومة التعليمية في مصر تضم 550 ألف فصل، بينما هناك عجز في 250 ألف فصل.

ولفت أن كثافات الفصول في بعض المدارس تخطت جميع المعايير، مثل الخصوص والخانكة بالقليوبية، وبلغت كثافات الطلاب في معظم مدارس إدارات الجيزة 150 و160 طالب في الفصل، فضلًا عن أن متوسط عدد الطلاب في الغالبية العظمى من المدارس يبلغ ما بين 80 و90 طالب وذلك في التعليم الحكومي.

القس ايمن لويس: ولا تقدم بدون إصلاح التعليم بعيد عن أي ميول أو نوازع دينية

من جانبه أكد القس ايمن لويس راعي كنيسة النعمة الرسولية بشبرا انه لا تقدم ولا إصلاح بدون إصلاح التعليم بعيد عن أي ميول أو نوازع دينية، فقط تدريس العلوم العلمية والأدبية والأخلاق الإنسانية المجردة من أي هوى

مشيرا إلى كبر الفرق بين إدارة الدول والأوطان بما بها من تعددية دينية وثقافية واجتماعية وإدارة أمة أو قبيلة تتنافي معها قيم المواطنة والتعايش المشترك في عدالة ومساواة.

واختتم قوله بانه دون تعليم علمي حقيقي دون قيود دينية تتحول الزيادة السكانية لعبء يلتهم الأخضر واليابس بالتعليم الصحيح والتدريب تتحول لثروة بشرية منتجة داعمة

كمال مغيث: الحل في زيادة الإنفاق على التعليم وليس تحويل المساجد لمدارس

من جانبه قال كمال مغيث الخبير بالمركز القومي للبحوث التربوية إن المعروف أن الرسول كان يعلم صحابته أصول دينهم ويتلو عليهم القران في مسجده بالمدينة، ولم يكن اختيار الرسول للمسجد لتعليم صحابته لأن هذا هو المكان الطبيعي، ولكن لأن جزيرة العرب لم تكن قد عرفت بعد المدرسة التي عرفتها حضارة مصر واليونان

ويتابع مغيث: وظل المسجد هو المكان الذى يتشاور فيه المسلمين فى أمور حياتهم ومشكلاتهم الكبرى، وظل هو المكان الذى يعلم فيه الفقهاء الكبار فتاواهم وأصول مذهبهم، ومع الصراع المذهبي بين السنة والشيعة وظهور الفرق الإسلامية ظل المسجد تتم فيه المراحل الأولى للدعوات التي تكون سرية، وهكذا كان جامع الأزهر هو المركز الرئيس للدعوة الشيعية بعد دخول الفاطميين مصر 969، وبإسقاط الفاطمين وتولى صلاح الدين الذى كان سنيا متعصبا أًغلق الجامع الأزهر، وشجع بناء المساجد على الطراز الصليبى كمسجد الإمام الشافعى وقلاوون وبرقوق وغيرها، والتى كان صحنها يأخذ شكل الصليب، تكون أوسع ريشاته التى ناحية القبلة. وتناسب الريشات الأربع المذاهب السنية الأربعة، مالكى وحنفى وشافعى وحنبلى، وأعيد فتح الأزهر ليصبح جامعة مرموقة فى زمن المماليك والعثمانيين (1250- 1798)، يقصده الطلاب من مختلف أنحاء مصر والعالم الإسلامي بعد أن ينتهوا من مرحلة الكتاتيب، ليقطنوا فى الأروقة التى تحمل اسماء جهاتهم، وكانت مساحته الواسعة ومساحة صحنه، وعشرات الأعمدة التى تحدد رواقاته الأربع وزمن اليوم الطويل يسمح بوجود عشرات الأساتذة تدرس المواد الشرعية واللغوية، على نحو ما ذكر طه حسين فى أيامه، أما التعليم المهنى والفنى فكان يتم بعد الكًتاب بنظام التلمذة المباشرة فى الورش والمعامل.

وكان للأقباط كتاتيبهم أيضا، ويتوجه الناجح من الأطفال بعدها للكاتدرائية والكنائس الكبرى من يريد الالتحاق بسلك الكهنوت

وستطرد كمال: كان هذا هو تعليم العصور الوسطى، فلما عرفت مصر التعليم المدنى الحديث فى زمن محمد على، (1805-1948) وأصبح هناك مواطنة وتحية للعلم وموسيقى وأنشطة ومسرح وغناء ورياضة وامتحانات، انتهى دور المساجد التعليمى وأصبح التعليم يتم فى المدارس الوطنية إبتدائية وتجهيزية ومخصوصة، وان احتفظت الكتاتيب بمكانتها كمكان مناسب للفقراء لتعليم القراءة والكتابة فى الوقت الذي لم تعرف فيه مصر التعليم المجانى

وظل الأزهر على حالة حتى تم تنظيم معاهده وجامعته سنة 1911، وإن حافظ كثير من الشيوخ والطلاب على القعود حول العامود العتيق كلون من ألوان التماس البركة

ويكمل كمال مغيث: أما فى أيامنا هذه فلم تعرف المساجد إلا نوعين من الدروس، الأول: درس شرعى يقوم به إمام الجامع لمن يرغب من الذين يحضرون الصلاة، بعد المغرب أو بعد العشاء، وغالبا ما يتناول شئون العبادات فقط

أما الدرس الثانى: وهو غير شرعى إذ يتم الاتفاق بين إمام المسجد أو حتى خادمه بفتح المسجد بعد صلاة العشاء لأحد الأساتذة، كمكان بديل "للسنتر"، مقابل النسبة المناسبة من فلوس الطلاب، وفى هذه الحالة فإن المسجد يستخدم كمجرد مكان للدرس الخصوصي فالطلاب يعرفون معلمهم ويقصدونه في المكان الذي حدده لهم.

بالفعل المساجد أصبحت أكثر من حاجة الناس كقول الرئيس، وتساءل مغيث: ومن المسئول عن وضع سياسات لبناء الجوامع أو المساجد أو ليت الحكومة هي التي من المفروض أن تقرر ذلك، وبحكم سكنى من المسئول عن بناء مسجدين هائلين في وسط شارع 9 في المقطم بينما المكان يكتظ بالمساجد الكبيرة: الحمد وبلال ومستورة وغيرهم

وعن حلول لمشكلة عدم وفرة المدارس اقترح كمال أن يحصل التعليم على حقه من إجمالي الإنفاق الوطني 4% بينما يحصل الآن على نصفهم فقط، عندها يمكننا تعيين الـــــــ600 ألف معلم العجز في المعلمين، وعندها يمكن أن نبنى آلاف المدارس، ونرتفع بمرتب المعلمين للحدود الآدمية بينما هم الآن أفقر معلمى الأرض، هذا هو طريق حل مشكلات التعليم أما غير ذلك فهو من لغو الحديث.