جود نيوز الكندية

فرنسا أخيرا تفوق من الغيبوبة

أوروبا تنتفض ضد تمدد سرطان الإسلام السياسي (1)

-

تحقيق: إيهاب أدونيا

مازالت مساعي دول الاتحاد الأوروبي مستمرة بإصدار تشريعات وقوانين جديدة وفرض رقابة مشددة على أنشطة جماعات الإسلام السياسي. كما تقوم بفرض عقوبات وحظر جماعات وحل منظمات وكيانات لها علاقات أو روابط بتنظيمات الإسلام السياسي على الأراضي الأوروبية. فخلال عام 2021 اتخذت دول أوروبية خطوات تعتبر الأولى من نوعها في حظر جماعات تنتمي لتيار الإسلام السياسي فعلى سبيل المثال تعد فيينا أول عاصمة أوروبية تحظر تنظيم الإخوان المسلمين رسميا.

باشرت عدة دول أوروبية في اتخاذ إجراءات متعددة لمواجهة نفوذ الإسلام السياسي. واستبقت فرنسا الجميع، وقبل حرب غزة، فقد قامت منذ عام 2020 بحلّ عدد من الجمعيات الإسلامية المتهمة بالتطرف مثل جمعية "بركة سيتي" و"التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا"، كما تم تعزيز الرقابة على الجمعيات الدينية والتعليمية. وتوسعت هذه الإجراءات بعد حرب غزة، وتمّ وضع خطب المساجد تحت المراقبة، والتشديد على شروط تمويل الجمعيات.

اتبعت ألمانيا وفرنسا وهولندا سياسة صارمة تجاه تمويل الجمعيات الإسلامية، خصوصاً تلك المرتبطة بالإخوان المسلمين. وشهدت الأعوام الأخيرة تعزيز التعاون الأوروبي لمتابعة حركة الأموال المتدفقة من الخارج، وإغلاق الحسابات البنكية المشتبه بها.

ادارك الدول الأوروبية مخاطر جماعات الإسلام السياسي

تمكنت جماعات الإسلام السياسي من الإحلال في بعض الدول الأوروبية منذ عقود مضت، واستطاعت عبر وسائل عديدة تأسيس وجود لها في هذه الدول ما زال مستمراً حتى الآن. بينما استغلت بعض الحكومات الغربية جماعات الإسلام السياسي لأهداف سياسية، ودخلت معها في شراكة تتعلق بالقيام بأدوار تتوافق مع بعض العواصم الأوروبية ويتعلق بعضها بالضغط على الحكومات العربية مقابل دعمها مالياً وتوفير حماية لها بعد توفير بيئة تواجدت فيها هذه التنظيمات في أوروبا.

أدركت بعض الدوائر الأوروبية مخاطر جماعات الإسلام السياسي، وعبرت عن قلقها من أنشطة هذه الجماعات ولا سيما حركة “الإخوان المسلمين”، وما يمكن أن يترتب عليه من مخاطر تهدد هذه الدول، حيث تقول لورديس فيدال، رئيسة وحدة دراسات الشرق الأوسط في المعهد الأوروبي للبحر الأبيض المتوسط: إن “مشكلتنا مع الإخوان المسلمين لا تكمن في ممارسة العنف، فهم لا يفعلون ذلك في أوروبا مثلما يحدث في بعض دول الشرق الأوسط، لكن خطورتهم هنا تكمن في عملهم الدائم على خلق بيئة أيديولوجية ودينية تتبنى مثل هذه الأفكار المتشددة”.

ووصف رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في 6 سبتمبر 2021 خلال كلمة في معهد RUSI للدراسات الأمنية والدفاعية الإسلام السياسي بأنه “تهديد أمني من الدرجة الأولى، سيصل إلينا، دون رادع، حتى لو تمحور بعيدًا عنا، كما حدث في 11 سبتمبر”.

بدأت أجهزة الاستخبارات وبضغط من البرلمانات الأوروبية بداية من العام 2014، في الكشف عن أنشطة ومخاطر الإسلام السياسي خصوصاً “الاخوان”، وذكرت أنهم أكثر خطورة من الجماعات السلفية القاعدة وداعش. وعليه، قامت دول الاتحاد الأوروبي بإصدار تشريعات وقوانين جديدة وفرض رقابة مشددة على أنشطة جماعات الإسلام السياسي. كما تقوم بفرض عقوبات وحظر جماعات وحل منظمات وكيانات لها علاقات أو روابط بتنظيمات الإسلام السياسي على الأراضي الأوروبية.

حذرت هيئة حماية الدستور الألمانية في 10 يناير 2022 من خطر انتشار التنظيمات المتطرفة وخاصة “الإخوان” في البلاد، بعد رصد زيادة الأعضاء المنتمين للتنظيم في الداخل. كما تم تقدم حزب “البديل من أجل ألمانيا ” بمشروع قرار في 15 مارس 2022 يهدف الى تجفيف مصادر تمويل الجماعات الإسلاموية وفرض رقابة مشددة حول مصادر تمويل الإسلام السياسي وأنشطته في ألمانيا .

اتخذت دول أوروبية خلال عام 2021 خطوات تعتبر الأولى من نوعها في حظر جماعات تنتمي لتيار الإسلام السياسي فعلى سبيل المثال تعد فيينا أول عاصمة أوروبية تحظر تنظيم “الإخوان المسلمين” رسمياً وذلك في 13 يوليو 2021.

دراسة: المنظمات الاسلاموية في أوروبا تسعى لإقامة دولة خلافة إسلامية بها

دراسة بالإنجليزية للباحث محمد علي عدراوي، الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية، بجامعة رادبود، نشرت على موقع المركز الإيطالي لدراسات السياسة الدولية.

تؤكد الدراسة أنّ وجود الإسلام السياسي أثار مناقشات حول التكامل والتعددية الثقافية والأمن ودور الدين في المجتمعات الاوروبية. ولفتت إلى أنّه لا توجد دراسة علمية دقيقة تُبيّن عدد المسلمين الأوروبيين الذين يتميزون بالولاء لبعض سرديات الإسلام السياسي. ومع ذلك يُمكن التأكيد على أنّه في العقود الأخيرة، على الأرجح، كان هناك انتشار متزايد، وإن كان بأشكال متنوعة، لجماعات الإسلام السياسي، وخاصة الإخوان المسلمين.

تقول الدراسة: إنّه في أوروبا اكتسب الإسلام السياسي مكانة بارزة بسبب زيادة هجرة المسلمين، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك وصول المزيد من الأفراد المتعلمين أكاديميًا. وكان هذا واضحًا في العديد من الدول الأوروبية، مثل فرنسا التي شهدت في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات موجة جديدة من الطلاب والناشطين. على سبيل المثال، عبد الله بن منصور، وهو طالب تونسي استقر في فرنسا في أوائل الثمانينيات وتلقى تدريبًا إيديولوجيًا في حركة الاتجاه الإسلامي التي أصبحت حركة النهضة بعد بضع سنوات. وكان أحد مؤسسي اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا الذي أصبح (مسلمو فرنسا) في العام 2017، وهو جزء من إرث جماعة الإخوان المسلمين في بلد يضم أعلى عدد من السكان المسلمين في أوروبا الغربية.

شهدت دول أوروبية أخرى عملية مماثلة، مثل ألمانيا، مع الجماعة الإسلامية في ألمانيا المتأثرة بصهر مؤسس جماعة الإخوان المسلمين سعيد رمضان. قبل أن يستقر بشكل دائم ويتوفى في سويسرا عام 1994. ومنذ التسعينيات فصاعدًا، أصبح أبناؤه، ولا سيّما طارق وهاني رمضان، دعاة ومثقفين بارزين، خاصة في العالم الناطق بالفرنسية. وبشكل أكثر تحديدًا، بالنسبة إلى قطاع من الأجيال الشابة من المسلمين الأوروبيين المنحدرين من موجات هجرة سابقة، والسعي إلى خطاب "أوروبي إسلامي" سيصبح شخص مثل طارق رمضان أحد رموزه، وسيكسبه ثناء أولئك الذين يرون فيه شخصية تجمع بين الإسلام والحداثة، ومنتقدي أولئك الذين يعتقدون أنّ موقفه محاولة خفية للنهوض بفكر وعمل جماعة الإخوان المسلمين في جزء من العالم كان بعيدًا عن تأثيرها.

وتستعرض الدراسة حركات ومنظمات عديدة تُمثل الإسلام السياسي، ولكل منها إيديولوجيات وأهداف مُميزة، ومن أبرزها:

فروع جماعة الإخوان المسلمين: أسهمت هذه الجماعات في تشكيل العديد من المنظمات الإسلامية الأوروبية. ومنها:

حزب التحرير: منظمة إسلامية عابرة للحدود، تأسّست في القدس عام 1953، تسعى إلى إقامة خلافة إسلامية عالمية، وينشط حزب التحرير في عدة دول أوروبية، ويدعو إلى نظام سياسي إسلامي، وكثيرًا ما يصطدم بالسلطات الأوروبية.

الحركات السلفية: اكتسبت السلفية، وهي تفسير محافظ للإسلام، زخمًا كبيرًا في أوروبا. وبينما تُعدّ معظم الجماعات السلفية غير عنيفة، يدعو بعضها إلى الانعزال السياسي، يميل البعض الآخر إلى النشاط الاجتماعي والديني للدفاع عن الإسلام والمسلمين الذين يتعرضون للهجوم. والعديد من المجتمعات السلفية الأوروبية منغلقة تمامًا.

الشبكات الجهادية: جنّدت الجماعات الجهادية المتطرفة، مثل: القاعدة وداعش، مسلمين أوروبيين، مستغلةً في كثير من الأحيان المظالم الاجتماعية والروايات الإيديولوجية لتبرير العنف. وتُشكّل هذه الشبكات تحديات أمنية للدول الأوروبية. ومنذ عام 2014 نُفّذ أكثر من (30) هجومًا قاتلًا في أوروبا. وشهدت المملكة المتحدة (3) هجمات إرهابية خلال (4) أشهر في أوائل عام 2017 (هجمات وستمنستر، وتفجير مانشستر أرينا، وهجوم جسر لندن)، وشهدت فرنسا (8) هجمات كبرى بين يناير 2015 ويوليو 2016، بما في ذلك هجمات نوفمبر 2015 الإرهابية في باريس، التي أودت بحياة أكثر من (130) شخصًا.

وترى الدراسة أنّ وجود الإسلام السياسي في أوروبا يطرح تحديات جديدة تتطلب استجابة من الحكومات والمجتمع المدني والأجهزة الأمنية. وتشمل هذه التحديات:

التطرف والتهديدات الأمنية: ارتبطت فروع الإسلام السياسي المتطرفة بالإرهاب والتطرف العنيف. وقد استثمرت الحكومات الأوروبية بكثافة في جهود مكافحة الإرهاب لرصد الشبكات المتطرفة وتفكيكها، مع تعزيز برامج مكافحة التطرف.

الصراعات القانونية والسياسية: تُشكّل بعض تفسيرات الإسلام السياسي تحديًا للأطر القانونية الأوروبية، لا سيّما فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين، وحرية التعبير، ودور الشريعة الإسلامية. وقد نظرت المحاكم الأوروبية في قضايا تتعلق بالتحكيم والتعبير الديني المستند إلى الشريعة الإسلامية في المؤسسات العامة.

النفوذ الأجنبي: يتلقى العديد من الحركات الإسلامية في أوروبا تمويلًا ودعمًا إيديولوجيًا من دول أجنبية، منها تركيا وقطر. وقد أثار هذا النفوذ الخارجي مخاوف بشأن التدخل السياسي وترويج الإيديولوجيات المحافظة أو المتطرفة.