جود نيوز الكندية

الصراع ضد الطبيعة القديمة

-

يشعر المرء بخيبة الأمل بل واليأس في كثير من الأوقات حينما يقع في الخطية. ويظل شبح الفشل يتراءي أمامه لاسيما وان تكرر هذا السقوط وأصبح الإنسان سجينا لعادة كريهة او مقيدا بأغلال الخطية. فيحاول الإنسان ويتوب مرارا وتكرارا عن طريق التوقف عن الخطية فترة ما ولكن بلا فائدة. ثم يذهب المرء إلى أحد المرشدين طالبا النصح والمساعدة فيقدم له الخادم او المرشد قائمة بالأعمال التي يتوجب عليه فعلها للفكاك من سلطان الخطية، فيفرح الإنسان بهذه الأعمال كفرحة الطفل الذي وجد هديته المفضلة بجانب فراشه صباحا. ولكن ما تظل هذه الفرحة كثيرا فيتكررالسقوط ويتهاوي المرء في بالوعة اليأس صريعا. ولكن أين الحل؟ من ينقذ الإنسان من هذه البالوعة التي قد تودي بحياته الي الابد؟

لن ينقذ الإنسان إلا شخص يسوع المسيح، فهو المحرر وهو الذي يفك قيود الإنسان فقد أعلن لنا كلمته الرائعة حينما: "فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوبًا فِيهِ: «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ». (لوقا ٤: ١٧-١٩)". إن الرب يسوع المسيح يتعامل مع الكنيسة ومع الإنسان من خلال روحه القدوس. فالروح القدس يأخذ كل ما للمسيح ويعطي الإنسان، فقد قال عنه يسوع: "وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ. ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. (يوحنا ١٦: ١٣، ١٤) ".

للآسف لم يتم التطرق إلى الروح القدس كثيرا سواء في تعاليم الصغار او حتى البالغين. فالروح القدس كما قال كيرلس الكبير "هو القوة التقديسية في الثالوث، بحيث ان التقديس او القداسة هي صفة جوهرية، كما الأبوة والبنوة للابن". إذا فمسؤولية قداسة الإنسان هي من عمل الروح القدس وليست من عمل الإنسان الذي يحاول بمفرده في سلسلة من الأعمال الروحية أو النسكية معتمدا على ذاته وقدرته ولكن هيهات فالإنسان لا يستطيع أن يصل إلى القداسة بمفرده.

إن الروح القدس يقوم بعمل خطير لمؤازرة النفس في صراعها ضد طبيعتها القديمة؛ بحيث يستحيل على النفس الانسلاخ من عاداتها وطبيعتها القديمة دون الروح القدس. يبدأ الروح القدس دعوته للتوبة بأن يكون داعيا وسباقا لمعونة الإنسان بطرق متنوعة. فالنفس الخاطئة لا تجد أية قدرة على مقاومة إغراء الروح القدس وتودده المذهل داخل النفس، مهما كانت أكوام الخطايا والعثرات التي تراكمت فوق حياة النفس. فإذا سمعت النفس واستجابت لصوت الروح الوديع وانقادت له، ينفتح أمامها باب التوبة على مصراعيه بكل مواهبه وتعزياته التي تفوق العقل. والعجيب أن الروح القدس يظل واقفا حارسا على باب التوبة ويظل يقنع نفس الإنسان بها وبطرق عديدة، فهو لا يلوم النفس بالتوبة، ولكنه يزكيها للنفس فقط، فإن قبلت اعانها، وأن رفضت تركها.

الروح القدس هو الوحيد القادر على إيقاف عمل الإنسان العتيق وابطال سلطان الشهوات والعادات بقوة فائقة للعقل، فهو رجاء الخلاص الوحيد أمام الإنسان المربوط والمقيد بخطاياه. لا ثقافة ولا تدريبات روحية ولا خدمات كنسية او روحية قادرة أن تفك قيود الإنسان، بل قد تزيد من يأس النفس وانهيار الإنسان امام ضعفه لاسيما وهو يحاول أن ينجو من هذه القيود معتقدا انه بالممارسة الروحية فقط ينفك الإنسان. فقط الروح القدس هو من يقدر ويستطيع أن ينتصر للإنسان الجديد المولود في المسيح وأن ينصره على عاداته وطبيعته القديمة.

فلنطلب ونتوسل ونصرخ بلجاجة وبلا هدوء وبلا توقف لذاك الروح الناري أن يهيمن على حياتنا ويهبنا القوة والقدرة الفائقة والنصرة على طبيعتنا القديمة وإن يفك قيود الخطية الساكنة في النفس لكي نتمتع من خلال الروح القدس بالعشرة مع الآب السمائي في إبنه يسوع المسيح.

المراجع :

الكتاب المقدس

الروح القدس وعمله داخل النفس للأب متي المسكين.

“La Sanctification d’après Sainte Cyrille d’Alexandrie.” , J. Mahé., Revue d’histoire ecclesiast. 10(1909), p.480. Cited by St. Vladimir’s Th. R. Q. 18/1/1974.