المرأة المنسية التي صمدت 18 عامًا وحيدة على جزيرة الرياح

في وسط المحيط الهادئ، وعلى جزيرة بعيدة تُدعى سان نيكولاس، كانت تعيش قبيلة النيكولينو، من أقدم السكان. حياة بسيطة، متناغمة مع البحر والسماء والرياح، حتى جاء يوم غيّر كل شيء.
في عام 1835، أرسلت السلطات سفينة لإجلاء السكان الأصليين من الجزيرة، بحجة حمايتهم من صيادي الفراء الروس الذين كانوا يستـغلون موارد الجزيرة. ركب الجميع السفينة… إلا امرأة واحدة مجهولة الهوية.
كانت تبحث عن أحد أفراد عائلتها المفقود — بعض المصادر تقول إنه طفلها، والبعض الآخر شقيقها الصغير. لم تستطع تركه وراءها، فقفزت من السفينة وركضت تصرخ باسمه، لكنها لم تجده، حيث كان في السفينة ولم تراه. وظلت السفينة تبتعد تدريجيًا أمام أعينها، حاملة آخر أفراد قبيلتها بعيدًا عنها. وهكذا بدأت رحلتها الوحيدة… أسطورة المرأة التي نسيها العالم.
على الجزيرة، لم يكن هناك بشر ولا كلمات تتبادلها، فقط الطبيعة. عاشت مع الثعالب البحرية، تراقب الطيور، وتحادث الرياح. صنعت أدواتها من العظام، وألبست نفسها ريش الطيور، وسكنت كهفًا يطل على البحر. كل صباح، كانت تحدق في الأفق، على أمل أن يعودوا، عامًا بعد عام، بلا إجابة.
مع مرور الوقت، اختفت لغتها شيئًا فشيئًا، وأصبحت كلماتها حبيسة نفسها، وحيدة مع الله ووحدتها التي لا تنتهي.
بعد 18 عامًا، في 1853، وصل صياد روسي يُدعى جورج نيديف مع بعثة استكشافية للبحث عنها. وجدها تمشي على الشاطئ بثوب من الريش، وشعرها الطويل يتلألأ تحت الشمس، وكأنها جزء من الطبيعة نفسها. لم تكن خائفة، بل هادئة، وكأنها روح تمشي على الأرض. عندما اقتربوا، ابتسمت وتحدثت، لكن لا أحد فهمها — كانت آخر من تتحدث لغة الجزيرة.
أعادوها إلى كاليفورنيا، وأطلقوا عليها اسم خوانا ماريا، ووضعوها بين الناس، الملابس والطعام، لكن العالم الذي وصلت إليه كان غريبًا وشاقًا عليها بعد 6570 يومًا من الوحدة والصمت.
لم يدم بقاؤها طويلًا؛ بعد سبعة أسابيع فقط، أصيبت بمرض بسيط، لكنه كان قاتلًا بالنسبة لجسدها الضعيف، بسبب ضعف متابعتها لعزلتها عن العالم. وماتت بهدوء كما عاشت. كتب لها التاريخ سطرًا وحيدًا:
"آخر امرأة من قبيلة النيكولينو… نجت من الوحدة، ولم تنجُ من حضارة لم تكن لها."
قصتها ليست مجرد حكاية صمود، بل رمزًا للوحدة، والصبر، وعجز الحضارة عن احتواء روح اعتادت على السلام مع البحر والريح.

