جود نيوز الكندية

عزيزتي جود نيوز.. شُكرًا

-

على مدى تسعة أعوام من إبحاري بأفكاري وتجديفي بقلمي في مُحيطات صفحات "جود نيوز" وعقلي وقلبي يرتشفان سعادة مُتجددة مع صدور كُل عددٍ جديد، أنا التي وُلدتُ على الصراط الفاصِل بين أيَّام السُّلطة الكاملة للصحافة الورقيَّة وأيَّام اجتياح طوفان مواقع التواصُل "السوشال ميديا" واكتساحها الماضي والحاضِر بانتظار جديدٍ مجهولٍ يُمطرنا به المُستقبل، ومازالت "جود نيوز" تحمل ذات الشعلة التي تحملها الصحف العتيقة الكُبرى، صامدةً في ساحةٍ تهاوت فيها صحُفٌ أخرى بعد أن تداعى صمودها ولم يبقَ من شُعلتها إلا آثار رماد ماضٍ حزين.

عصرٌ تتغيَّر فيه المفاهيم وتتقلب الأفكار والأمزجة بصورةٍ مُتسارعة، يتطلَّب أكثر من مَرسَى قوي يتمسَّك بالأصالة ولا يتنازل عن الحداثة في مُختلَف أوجُه الحياة حماية للمُجتمعات من مخاطر الانهيار أمام غارات التفكيك الغاشِمة والناعِمة، و "جود نيوز" من الصحف القليلة التي مازالت تُحقق هذا الهدف للقارئ والكاتِب، حريصة على مبدأ من أهم المبادئ التي يتوق لها أي قلمٍ حُر: مبدأ "حُريَّة التعبير"، لا سيما في عصر "مُكافحة التعبير وتكميم الضمير".

"حُرية التعبير" للكاتِب في العصر الراهن ترتكز على ثلاث ركائز: حُرية رأيٍ شخصيَّة بأن يقول ما يود قوله دون قيود على المضمون ذاته مادامت مسؤوليَّته الذاتية أهل ثقة تستحق الاحترام، وإطلاق سراح رأيه من القيود المُتعارف عليها لبعض السلطات، وتحرير رأيه من مخاوف مُواجهة سُلطة جديدة مُتمثلة بإسهال التعليقات غير الواعية من عامَّة الناس في عصر حُكم وتحكّم السوشيال ميديا، و"جود نيوز" من الصحف النادرة التي مازالت تُقدّم للكاتب تلك الحُريَّات الثلاث دون إسرافٍ في التعقيد.

هُناكَ من يروجون أن "عصر الصحافة مات"، بينما الحقيقة أن "عصر الكلمة" لم يمُت ولن يموت، وسيظل معه عصر الصحافة مواكبًا لبقية وسائط الإعلام الأخرى مادامت الخليَّة الأولى لهذا المشروع هي الكلمة.. مازالت "الكلمة" تُحيي وتُميت، تُنعشُ شعوبًا وتُحبطُ أُخرى، ترفع أشخاصًا وتهوي بآخرينَ أسفل سافلين، لا سيما إن كانت حُرة واثقةً أنجبها عقلٌ واعٍ مُثقَّف، وأن تسمحُ لكَ مِنصَّة بانطلاق كلمتك نحو العالم دون التدخُّل في مقادير المادَّة المكتوبة نوعًا وكمًا فهذا كرمٌ غزيرٌ عندما تكون ابن لُغةٍ يقل نصيب أبنائها من حُرية التعبير كُل عامٍ أكثر.

طوال تسعة أعوام لم يُحجب مقالٌ واحدٌ كتبته، ولم أُمنع عن مُناقشة أي قضية اخترتها، ولم يتم اختياري "كبش فداء" كما تفعل صحفٌ أخرى أمام أي أزمةٍ فتتخلَّص من كُتَّابها، أو تستحوذ على مساحة الكاتب ليحتلّها شخصٌ مُقرّبٌ من رئاسة التحرير، أو يتم استغلال الكاتب فترة مؤقتةً لتحقيق بعض المآرِب ثم التخلُّص منهُ بصمت دون رسالة وديَّة – على أقل تقدير- تُبلغهُ بانتهاء العلاقة.. بل من الطريفِ أنني خلال الأعوام الثلاثة الأولى كُنتُ أتأخر في إرسال مقالي نهاية كُل عامٍ ظنًا مني أن الأمر انتهى ولم يعُد لاسمي مكانٌ على صفحات الصحيفة كالمُعتاد مع مُعظم الصحف العربيَّة الأخرى التي تلغي وجودك دون إنذار، فيُفاجأ بريدي برسالةٍ تفيضُ لُطفًا مُذكرة بموعد إرسال المقال!