جود نيوز الكندية

لماذا يعشق الناس الأذى؟

-

كُلما ظنَّ الإنسان أن السنين سقتهُ ما يكفي من كؤوس الحِكمة الممزوجة بمرارة التجارب تمد الدنيا أصابع قسوتها لتُغرق رأسهُ في أنهارٍ جديدةٍ من التجارب الخانِقة التي لا يُنقذه منها إلا اللطف الإلهي الكريم، ومهما توهّمَ أنه حفظ وفهم أكبر جُزءٍ مُمكن من مِنهاج مدرسة الحياة سُرعان ما يجد نفسه أمام أسئلة امتحانات لم يُصادف إجاباتها من قبل، ومن أكثر أسئلة تلك الامتحانات غموضًا تلك المُتعلِّقة بمسألتين: تلقّي الأذى دون مُبررات منطقيَّة أو أسباب من البعض، وعشق آخرين وتلذذهم بتلقّي مثل هذا النوع من الأذى إلى درجة أنهم إن فقدوه طلبوه!

بعيدًا عن تلك الأحاديث المثاليَّة التي ترى في كوكب الأرض فردوسًا مليئًا بالطيبين؛ يجب الاعتراف أن هذا الكوكب يحمل على ظهره جحافِل من المؤذينَ دونَ سبب، دماثة أخلاقك وحُسنَ مُعاملتك وطيبة قلبك لا تكفي لردع نواياهم الخبيثة وأفعالهم المَعجونة بسموم الشرور، هُناكَ من يكمُن الطمع أو الغيرة وراء أذاهم، وهناك من يؤذون لأجل الاستمتاع المَرَضي، وهناك من يفعلون ذلك دون أدنى سببٍ حقًا! وعزاء الإنسان المؤمن بوجود رب العالمين هو يقينه بأنهم سيتلقون عقابهم في الحياة الدنيا قبل الآخرة، لكن أكثرهم لا يتوبون ولا يتّعظون.

المؤذونَ لصوص، لصوص مشاعِر وصحّة ووقت ولصوص ثقةٍ بالآخرين، إن تمكن الإنسان من النجاة وظلَّ على قيد الحياة بعد تلقّي أذاهم يظل زمنًا طويلاً بانتظار التعافي الذي قد يأتي وقد لا يأتي، بينما هُم يمرحونَ هُنا وهُناكَ مُطبقينَ مزيدًا من تجاربهم الأفعوانيَّة على ضحايا بريئة قادِمة بدمٍ باردٍ وضميرٍ أعدموه منذ أن كان في مهده.

السؤال الذّاهِلُ الذي يطرحه البريء المُباغَت بسِهام الأذى غير المتوقَّع هو: "لِماذا؟"، وكثيرًا ما تستمرّ حيرة السؤال دونَ جواب، وتتضاعف تلك الحيرة أكثر عندما يُصادف المظلوم من يُدافعون عن الظلم بمُختلف الذرائع التي لا تنم إلا عن طبيعتهم الخفيَّة التي تميل في حقيقتها لإيذاء الآخرين وإن تظاهرت بارتداء أقنعة اللطف والدماثة، إنهم يُدافعون عن شخصيَّاتهم التي لو سنحَت لهم الفُرصة لارتكبوا الجرائم ذاتها مُتوقعين عدم العِقاب.