جود نيوز الكندية

التقدم العلمي صنعه الازدراء!

-

تهمة "الازدراء" التي صارت فزاعة في وجه كل من يختلف عن السائد ويسبح ضد التيار ولا يرضى عنه سماسرة السماء، هذه التهمة يدخل السجن بسببها مواطنون كل تهمتهم الاختلاف عن السائد!، وآخرهم الشاب الذكي المسالم الذي لم يحرض أو يقتل أو يفجر أو يحرق، لكنه صنع فيديوهات لم تعجب المشايخ، فتقدم أحد المحامين ببلاغات، وتم إصدار أحكام بالسجن نتيجة تهمة الازدراء، لكن هل كل ازدراء جريمة؟!

سأعطيكم بعض الأمثلة من بعض المزدرين الذين طالب رجال الدين بالتنكيل بهم أو إعدامهم أو إحراقهم أو نفيهم، وأثبتت الأيام صدقهم فيما بعد الانتقام أو الموت، وأنصفهم التاريخ وكانت تهمتهم الكبرى "الازدراء" الذي تحول فيما بعد للاحتفاء، هناك جاليليو الذي استخدم التلسكوب ليؤكد أن الأرض تدور حول الشمس وليس العكس، هذا الاكتشاف ناقض تماماً التفسير اللاهوتي السائد بمرجعية النصوص الحرفية،

تمت محاكمته عام 1633 بتهمة الهرطقة، وأُجبر على التراجع عن أفكاره، وقضى بقية حياته تحت الإقامة الجبرية، وهناك قال جملته الشهيرة: “ومع ذلك فهي تتحرك"!، هناك جوردانو برونو الذي رفض مركزية الأرض، وقدم أفكاراً في تعدد الأكوان، أصر على آرائه الفلسفية والدينية المخالفة، فاتهموه بالازدراء وتم إعدامه حرقاً في روما، وصار رمزاً لشهداء حرية الفكر العلمي.

بنجامين فرانكلين الذي اكتشف أن البرق ظاهرة كهربائية ونقل فكرة: “البرق ليس غضباً إلهياً بل ظاهرة طبيعية يمكن ترويضها”، وعند اختراعه مانع الصواعق قالت بعض الكنائس: "فرانكلين يحارب قرارات السماء!"، وقال كاهن فرنسي شهير : "لو أراد الرب حماية المباني لفعل، أما أنتم فتستبدلون حمايته بحديد تافه!".

وهناك ادوارد جينر مكتشف لقاح الجدري الذي تعرض لهجوم ديني كاسح في بدايات التطعيم، وكان سبب الهجوم أن اللقاح مستخرَجاً من فيروس جدري البقر، فانتشرت شائعات بين رجال الدين تقول أن: "الناس الذين يُلقّحون سيظهر عليهم شكل الأبقار"، وتم شتيمته وقيل إن جينر يتحدى إرادة الله، لأن الأمراض حسب اعتقاد بعض رجال الدين وقتها هي "امتحانٌ إلهي لا يجوز التدخل فيه"، وتصاعدت الخُطبٌ الدينية في كنائس إنجلترا حذّرت من اللقاح باعتباره تعدياً على مشيئة الله، وظهرت رسومات كاريكاتيرية تُظهر أشخاصاً تخرج لهم قرون وحوافر بعد التطعيم، واتهامه بأنه "يلعب دور الخالق".

وفي الأندلس تم تكفير ابن رشد الذي كتب عن التوفيق بين العقل والوحي، وشرح فلسفة أرسطو، واتهمه خصومه بالزندقة، وأحرقت كتبه في الأندلس، ونُفي، وبرغم ذلك أصبحت أفكاره أساس النهضة الأوروبية، كل هؤلاء وغيرهم كانوا في زمنهم مزدرين، ولكنهم ازدروا التخلف والخرافة فظهرت الحداثة الأوروبية.