يحيي عواره يكتب: نورني يا دكتور!

-
بقلم: يحيي عواره
كنت أزور صديقًا مريضًا تردد على كثير من الأطباء و معامل الإختبار لعدة شهور، و قرر أخيرًا أن تجرى له عملية جراحية نزولًا على مشورة بعض من الأطباء الذين فحصوا حالته.
في سياق دردشتي معه و مع زوجته، اكتشفت أن فكرتهما عن طبيعة المرض و تفاصيل العملية و احتمالات نجاحها و ما سيسبقها من تجهيزات و ما سيعقبها من توابع، فكرة ضبابية غائمة قائمة على ترجيح ظنون و استخلاص استنتاجات مما صرح به بعض الأطباء على طريقة فك الشفرات.
استرجعت خبرتي مع من يقومون على الخدمة الصحية من خلال تعاملاتي معهم حين أعاني من مرض ما، أنا أو أي من أفراد الأسرة أو الأصدقاء، فأكتشفت أن معظم الأطباء و الجراحين يتبعون واحدًا من أسلوبين مختلفين بدرجات من التفاوت.
في الأسلوب الأول، يعتبر الطبيب أن تنوير المريض و ذويه بأية معلومات، نوعًا من التزيد و مضيعة لوقته، كما يعتبر أي سؤال منهم نوعًا من التطفل على وقته أو عدم الثقة بكفاءته.
الأسلوب الثاني يقوم على إشراك المريض و ذويه في كل ما يمكنهم استيعابه من المعلومات اللازمة لضبط توقعاتهم و تعاونهم في التجهيز للعملية و إجتياز الفترة التي تليها بأقل قدر من المفاجآت أو سوء التقدير أو خطأ التصرف.
المؤكد إلى حد كبير، هو أن الإنسان العارف المستنير يصبح أكثر تقبلًا للتبعات الضرورية لأي خيار، و أقل شكوى و أخف قلقًا رغم كل الآلام، كما أن تقديره للمواقف يصبح أكثر موضوعية و تصرفه إزاءها يأتي أكثر رشدًا.
و أظن أن أغلب شعب مصر يعاني حاليًا، و منذ مطلع عام ٢٠١١ من حالة من التوتر و القلق و المراوحة المرهقة بين الأمل و القنوط و بين الفخر و الإنكسار.
أظن أيضًا أن كثيرًا من هذا كان يمكن أن يكون أخف وطأة، لو أن قدرًا أكبر من المعرفة بطبيعة و تاريخ الثورات، كان متوفرًا بشكل أعم و أوضح.
و على الرغم من أن معرفة واثقة و محددة عن الثورات تعتبر أمرًا بعيد المنال، يظل ممكنًا أن نرجح أن للثورات سمات مشتركة، و أن بعضًا من المعرفة بتاريخ الثورات السابقة قد يعطي فرصة أفضل لتفهم أحداث ثورتنا و لتقدير أدق لجدية المخاطر التي يتعرض لها الوطن دون تطير أو استهانة.
هذه دعوة للمعرفة التي توضح الرؤية و تؤسس لحسن التقدير و رشد التصرف، فما أحوجنا لمثل هذا في هذه الظروف المشحونة بالإنفعال و صراع المصالح و الإرادات، و ربما نحاول أن نسهم في ذلك بسلسلة من المقالات على صفحات جريدتنا الفتية هذه "جود نيوز" بأعداد قادمة.
يحيى عواره - تورنتو