يحيي عواره يكتب: عندنا ثورة (2)

إستعرضنا في المقال السابق التعريفات الأكثر مصداقيةً وتواترًا لمفهوم "الثورة"، وتعرفنا على الأسباب التي قد تؤدي إلى إندلاعها، وأتضح لنا أن السوابق التاريخية تشير إلى خطأ الظن الشائع بأن الثورات تبدأ بقيادة يجمع عليها الثوار أو بخطة يعملون على هديها. وسوف نستعرض هنا معًا أهم الخصائص المشتركة للثورات، مع الأخذ في الإعتبار أن الثورة عملية تاريخية غير نمطية وأن العناصر التي تتفاعل أثناءها بالغة التعقيد والتشابك، ولهذا فإن لكل ثورة خصوصيتها التي تتحدد ببيئتها وحقبتها التاريخية. ما هي إذن الخصائص التي تميز الثورات ؟ تكاد أغلب الثورات تجتمع على خصائص تميزها عن غيرها من المراحل التاريخية الطبيعية، ويمكن إجمال هذه الخصائص المميزة للثورات في الآتي: 1) الجماهيرية أو الشعبية: الثورة عملية شعبية، لا تأخذ صفتها إلا بمشاركة قطاعات واسعة من الجماهير وانضمامها للفاعليات التي تبادر بها عناصر صغيرة نسبيًا من الثوار في البداية. في بعض الحالات قد يكون لعناصر من القوات المسلحة دور ولكن في حدود لا تسمح بإعتبار هذا الدور هو الرئيس أو الأساس وفي الحدود التي لا تمس الطابع المدني العام للثورة. وهذه الخاصية هي ما يميز الثورة عن الإنقلاب أو التمرد العسكري. 2) الراديكالية (الجذرية): تقوم الثورات بإحداث تغييرات راديكالية، جوهرية، بعضها سريع جدًا، وبعضها يحدث بالتداعي ويستغرق بعض الوقت. الحلول الإصلاحية الجزئية لا تكون مقبولة في الثورات، لأن النظام القديم يعتبر في نظر الثوار وقطاعات الجماهير المؤيدة للثورة غير قابل للإصلاح، وينبغي استبداله بنظام جديد يفتح آفاقًا أرحب لمستقبل أفضل. تشمل هذه التغييرات العميقة النظام السياسي ومجالات الحياة الإجتماعية والثقافية، وتؤدي إلى نسق جديد للقيم السائدة. وهذه الخاصية هي ما يميز الثورات عن الإنتفاضات المحدودة والحركات الإصلاحية. 3) الإندفاع الحماسي والإلهام: تبث الثورة إشعاعًا من مشاعر وأفكار الحماسة العارمة والأمل في مجالها الإقليمي، وتؤثر أحيانًا على نطاق دولي، الأمر الذي قد يكون ملهمًا أو مستفزًا لأطراف خارجية ومسببًا لتداعيات قد تؤثر على مسار الثورة نفسها. هذه التأثيرات للثورة تكون - بالطبع - أكثر وضوحًا وأعلى إحتمالًا في حالات تشابه مجتمعات الجوار من حيث الثقافة والأوضاع السياسية. بعد هذا الإستعراض الموجز للخصائص التي تميز الثورات بشكل عام، يمكننا أن نقرر بقدر معقول من الاطمئنان، أن ثورة يناير 2011 قد توفر لها إلى الآن كثير من شروط الجماهيرية، فقد شارك عشرات الملايين من المصريين، بمختلف طبقاتهم الإجتماعية و انتماءاتهم السياسية، في الفاعليات الثورية منذ مطلع 2011، مرورًا بعدة موجات ثورية كانت أبرزها موجة منتصف 2013. ورغم الميراث التاريخي و طبيعة تكوين الجيش المصري التي تميزه عن كثير من جيوش الدول الشبيهة، يبقى مدى تورطه، سواءً بالاستدعاء أو الاقتحام أمرًا معلقًا على مسار الأحداث وقد يلقي بظلال على الطبيعة المدنية المفترضة في الثورات الشعبية. مازال الوقت مبكًرًا أيضًا، للحكم النهائي على مدى وفاء الثورة المصرية بشرط راديكالية التغيير، وهو الحكم الذي سيؤهلها لتسجل كثورة تاريخية كبرى وجديرة بما بذل خلالها من تضحيات. سنحاول في المقال القادم، أن نلقي نظرة على المراحل التي مرت بها الثورات التاريخية الكبرى، وذلك على أمل أن نصبح أكثر قدرة على تفهم طبيعة و أطوار "الثورة التي عندنا".
يحيى عواره - تورنتو