يحيي عواره يكتب: عندنا ثورة ! ( 3 )

-
بقلم: يحيي عواره
أجملنا في المقال السابق الخصائص المميزة للثورة في: الشعبية (الجماهيرية)، والراديكالية (الجذرية)، والاندفاع الحماسي والإلهام.
وسنحاول هنا أن نستعرض بإيجاز مراحل و أطوار الثورات، مع التذكير بأنها عمليات تاريخية بالغة التعقيد والتشابك، ولهذا فإن لكل ثورة خصوصيتها المميزة.
وإستنادًا لدراسات تناولت ثورات كبرى كالثورتين الفرنسية والروسية نستطيع أن نجمل هذه المراحل في الآتي:
1) مرحلة تهافت نظام ما قبل الثورة:
------------------------------------
تتراكم مشاعر عدم الرضا عن النظام القائم، وتتآكل تدريجيًا ثقة فئات كبيرة من الشعب فيه، لعجزه عن تلبية حاجاتهم، ولإثارة ممارساته لمشاعر السخط، فيسحب كثير من المفكرين والنخب الثقافية ولاءهم منه و يبدأون في الدعوة للخروج عليه.
وعندما تؤدي المصاعب والضغوط المتزايدة على النظام إلى تآكل شرعيته وقبوله، يلجأ للإسراف في إستخدام وسائل القمع للحفاظ على الهيبة والسيطرة.
وفي هذه الظروف قد تظهر جماعات سياسية لم يكن لها وجود، أو تكتسب كيانات - كانت موجودة من قبل - قوةً وتأثيرًا لم يكن لها، وترفع شعارات إسقاط النظام.
2) مرحلة التحرك من أجل تغيير الوضع القائم:
----------------------------------------------
في هذه المرحلة يبدأ التمرد على النظام من خلال تشكيل اللجان والشبكات التي ترفع شعارات الإطاحة به، ومع استجابة قطاع من الجماهير، يبدأ ظهور مأزق يستعصي على الحكومة حله سياسيًا، فتلجأ إلى استدعاء قوات الأمن، الأمر الذي يؤدي إلى عكس النتائج التي تبتغيها، نظرًا لتزايد استثارة الشعب من جراء تصعيد الإجراءات القمعية، وفي النهاية يصبح النظام القائم عاجزًا عن الإمساك بزمام الأمور.
ومع ظهور بوادر إنهيار النظام، يتوحد الثوار على إختلاف انتماءاتهم، تحت الشعارات الحماسية العامة للثورة وتسري الحماسة في الجماهير وتنتعش في نفوسهم الآمال الطوباوية العريضة.
3) مرحلة تولي المعتدلين السلطة:
---------------------------------
بعد الإطاحة برؤوس النظام المتهالك، يتولى المعتدلون القيادة ويكونون غالبًا ممن عارضوا هذا النظام، ولكنهم كانوا في ذات الوقت، متعايشين معه، ومرتبطين به.
يبدأ هؤلاء المعتدلون، الذين لا يتمتعون بالحس الثوري الحاد والصرامة، في إجراء إصلاحات غير جذرية، وغير كافية أو مقبولة من وجهة نظر الثوار المتشددين الذين يتهمون هذه القيادة المعتدلة بالجبن والميل لمهادنة النظام القديم.
4) مرحلة انقسام النخب الثورية إلى معتدلين ومتشددين:
---------------------------------------------------------
تأتي هذه المرحلة لتنهي حالة الإصطفاف و التضامن التي قامت بين المعتدلين و المتشددين حين تعرضهم لقمع و ضغط النظام القديم وأثناء سعيهم المشترك لإسقاطه، وتأخذ هذه المرحلة شكل جولات من الصراع بين الفريقين، وقد تتسم بشيئ من العنف، وتنتهي غالبًا بهزيمة المعتدلين، وتركز السلطة في أيدي الراديكاليين (المتشددين).
5) مرحلة تولي المتشددين السلطة:
----------------------------------
يقوم المتشددون الأكثر صرامة، والأفضل تنظيمًا، والذين يعرفون ما يريدون، بالإطاحة بالمعتدلين، وتولى قيادة الثورة، ويتم التخلص من أي بقايا للنظام القديم، وقد يفرضون نوعًا من الإنضباط الصارم ويسعون بقيادتهم الموحدة لتحقيق الأهداف الثورية بأي ثمن .
6) مرحلة الإستقرار:
--------------------
تخف في هذه المرحلة حدة المطالب والشعارات الثورية، وتتراجع الحماسة، ولا يعود المجتمع قادرًا على تصعيد الثورة بسبب الإنهاك الذي يطال الجميع بما فيهم الكوادر الثورية، وإفتقاد الاستقرار والحنين إلى الأمن العام و الرغبة في إنقاذ الإقتصاد الذي تدهور خلال المراحل المتقدمة.
ويبقى للتاريخ أن يحكم على نجاح الثورة بعد تمام أطوارها، ودخول المجتمع إلى مرحلة الإستقرار. ويكون المعيار هو مدى ما حققته الثورة من انجاز لمهامها في الإطاحة بنخب النظام القديم، واستبدال شرعيته بشرعية جديدة، ووضع أسس نظام جديد يوفر ظروفًا أفضل للتقدم ولإشباع أوفر للحاجات المادية و المعنوية.
يحيى عواره - تورنتو