نخب فاشلة !!
قد يكون في الجحيم نافذة علي الجنة .. من الكيبيك وفي الانتخابات الكندية

لا يجب أن تصدمك الأفكار في هذا المقال، لكن وضع الرؤوس في الرمال، نتيجته اتباع نخب فاشلة، لم تستطع النجاح، ولا تبحث إلا عن مصالحها الضيقة، مع إيهامك بأن هذا يصب في مصلحتك، مثلما يفعل تعويم الجنيه و"الصب" في مصلحة الناس. وبعد قراءتك هذا المقال وما يحويه من أفكار، من حقك التفكير فيها، أو رفضها كلية، لأمرين الأول أن كما قال الإمام المتصوف أبو حامد الغزالي "قد يكون في الجحيم نافذة على الجنة"، وهذا الأمر لا ينفصل بالمرة عما قاله الفيلسوف الروسي دوستويفسكي من "إنه عقلي أنا، فلا تبحث فيه عن أفكارك". لماذا؟ لأنه يفترض أن أفكار كل واحد هو من تحدد له الطريق الذي يسير فيه، حتى لو كانت هناك قوي وقيود دينية أو اجتماعية أو سياسية أو مجتمعية تحدد له الطريق.
أنتقل من هذه المقدمة، إلى ما آلت إليه نتيجة الانتخابات الكندية البرلمانية، حيث خسر المحافظون الذين يقدمون أنفسهم على أنهم أنصار الكنيسة والديانة المسيحية، وأن الحزب الليبرالي المنافس على النقيض من ذلك. وهذا أمر لا اعتقد فيه كثيرا، وربما لا اعتقد فيه بالمرة، ونتيجة دراساتي للعلوم السياسية في مصر وفرنسا وممارستي للعمل الصحفي الميداني في دول عديدة، أثبت الواقع العملي أن هناك الكثير من المتناقضات وفشل كل هذه القوالب التي تسوقها النخبة للتأثير على العامة.
إذ كما قال الفيلسوف والسياسي الإيطالي نيكولو ميكيافيلي، أن النخب أن تدفع القطيع "الشعب"، الذي يقصد به المجال العالم لتحقيق مصالحهم الضيقة وهم يوهمونهم بأن هذا هو جوهر مصالحهم، ومن ثم يجب أن يسيروا وراءها. ولكن في حقيقة الأمر، التي لا تعجب الكثيرين لدي ميكافيلي، أنه كان صادقا مع نفسه ومع الحاكم، في أن الغاية تبرر الوسيلة، وأنك عندما تبحث عن مصلحتك فهذا جوهر السلوك الإنساني والسياسي الرشيد. وهذا ما تفعله النخب، التي تبحث عن مصالحها الضيقة وتوهمك بأنه من لب مصلحتك.
بكلمات أخرى، أضحك وأتعجب وهذا من حقي، فكما أشرت في بداية المقال “أنه عقلي أنا، فلا تبحث فيه عن أفكارك"، عندما أري بعد ما يطلقون على أنفسهم نخب يطلبون من الأقباط مثلا التصويت لصالح حزب المحافظين في الكيبيك. وهو حزب ميدانيا وتاريخيا يعاني من "الموت السياسي في الكيبيك". وبعض أعضاء هذه النخب في الخفاء أو العلن تجد لهم علاقات مع أحزاب أخري لحماية مصالحهم الضيقة، وقت الضرورة، بعيدا عن الحديث عنها، لأنهم يتظاهرون دائما أنها مصالح العامة.
الحزب المحافظ، وله كل التقدير والمكانة في أقاليم أخري في كندا، مثل أونتاريو وأقاليم الغرب الكندي في البراري والباسيفيك مثل مانيتوبا، وساسكاتشوان وألبراتا وبريتش كولومبيا. إلا أنه حزب "ميت سياسي" في إقليم مثل الكيبيك، بسبب الطبيعة الخاصة للكيبيك.
إذا أردت أن تضيع صوتك هباء في أي انتخابات برلمانية إقليمية أو فيدرالية، فلتعط صوتك في الكيبيك للحزب المحافظ، وهذا لا يقلل من مكانته فيدراليا وكنديا، ولكن للكيبيك خصوصيتها الشديدة المختلفة عن بقية كندا.
وأزيدك من الشعر بيتا، قاله المتنبي " ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم"، في تحديد موقفه من التعامل مع العامة.
هنا من المحوري أن نشير إلى بعض مواقف القديس أغسطينوس وهو عالم لاهوت وفيلسوف مسيحي يعد من أكثر من أثروا الفكر السياسي المسيحي، نعم هناك فكر سياسي مسيحي، مثلما هناك فكر سياسي إسلامي ويهودي.
وتحدث القديس أوغسطينوس عن فكرة "مدينة الله"، حيث يري أن هناك نوعين من المدن "مدينة الله، حيث يعيش فيها الأبرار الذي يسعون لتحقيق الملكوت والحياة مع الله"، وهناك نوع ثاني من المدن "مدينة الأرض"، حيث يعيش الناس على الأرض ويسعون لتحقيق اللذة والسعادة الأرضية. كما أنه أشار بصورة أو أخري استغلال النخب - "المضللة سياسيا" وهذا تعبيري- عندما قال "مصارعتنا ليست ضد البشر الذين نراهم يغضبون علينا، إذ هم ليسوا إلا أوان يستخدمها غيرهم، هم أدوات في يد الآخرين".
وهذا التقسيم يذكرنا بما ذكر في الفكر السياسي الإسلامي الذي يقسم العالم إلي "دارين"، "دار الإيمان" و"دار الكفر" .. أو "دار الإسلام" و "دار الكفر". ولسنا في مجال للتفصيل عنهما.
هنا تبرز حقيقة، أنه في وقت الانتخابات، يجب أن تعلم وتدرك أنها عملية مصلحية، "ابحث فيها عن مصلحتك، مصلحتك أولا، مثلما تفعل النخب".
بمعني، في الكيبيك، إذا أردت أن تختار سياسيا برشادة، هناك مجموعة من المعايير، نمر عليها بسرعة، لكننا سنفصلها لاحقا:
1- لا تضع كل بيضك في سلة واحد، سلة حزب المحافظين، لأنه حزب واهن وضعيف، وقيادته فاشلة، يكفي أن بيير بواليفير خسر مقعده البرلماني في أوتاوا، ثم تنازل نائب من ألبرتا عن مقعده له، وللأسف، وافق بواليفير على أخذ ما لا يستحق، لأنه يبحث عن المصلحة، مصلحته، خاصة وأن فشله في دائرته الانتخابية، يعني أنه غير قادر علي قيادة حزب فيدرالي، لا يزال يترأسه حتى الآن.
ولذا من المهم أن يتوزع الأقباط في كندا على مختلف الأحزاب: الليبرالي، المحافظ، والديمقراطي الجديد، وبالطبع التحالف من أجل الكيبيك "كاك"، وكذلك حزب الكتلة الكيبيكية.
السياسة يا عزيزي ليست لعبة مبادئ، السياسة هي فن الممكن، الذي تحكمه المصالح، فإذا حكمت مبادئك وقيمك في السياسة، فانت رجل "عمليا" لا تصلح للعمل السياسي، العمل السياسي، ليس شأن الخدمة في الكنيسة أو دور العبادة الآخري كالمسجد والمعبد وغيرها.
2- من المهم غرس أهمية النشاط السياسي والتعبئة في الشباب المسيحي خاصة والمصري عامة في كندا، لأن الخمول السياسي لدي الجالية المصرية من سماتها الرئيسية، حيث يهتمون بتحقيق نجاحات مهنية ومجتمعية أكثر من تحقيق مكانة في المجال العام أو المجال السياسي.
3- أهمية الخروج من شرنقة الانغلاق على الجالية والمجتمع الفئوي الضيق، بفتح قنوات للحوار والتواصل مع جاليات ومجتمعات فئوية أخري تزيد من قوتك التفاوضية سياسيا وتفتح لك قنوات لشبكات التأثير والوصول السياسي والمجتمعي.
4- ما سبق لا يعني بالضروري أن تتوجه لحزب سياسي يحقق مصلحة أو يتفق مع نصائح ما تعتقد أنهم نخب، لكنهم في الحقيقة لا يبحثون إلا عن مصالحهم، إذ يجب عليك أن تتعرف ولو مبدئيا على أفكار ومبادئ الأحزاب، وتنضم أو تدعم أو تتواصل مع النخب العليا وكذلك القاعدية في الدوائر الانتخابية والأحياء بما يحقق طموحاتك وما تنتظره.
5- ليس من العيب أو الكبائر في السياسة أن تغير توجهاتك، بمعني قد تؤيد في فترة حزب يميني، ثم في فترة لاحقة تؤيد حزب وسط أو ليبرالي أو يساري. السياسة هي فن الممكن والمناسب لك، وليس المفروض عليك.
6- التجارب السابقة أثبت أن التصويت الفئوي لبعض الجاليات ومنها المصرية والقبطية، لا يؤثر على نتيجة الانتخابات في كثير من الأحوال والقول بعكس ذلك، يتطلب مما يقوله إن يقدم أرقام وإحصائيات تعترف بها لغة العلم وتحليل السلوك السياسي ونتائج الانتخابات، بعيدا عن "الهبد" على وسائل السوشيال ميديا، التي جعلت الجميع "يفتي" فيما لا يفقه فيه شيئا، حيث أصبحت مجالا عاما للتعبير عن الرأي غير الدقيق، حتى في موضوعات تحتاج لمحللين ومتخصصين درسوا هذا الأمر عن قرب، وفق أدوات علمية ومنهاجية سياسية سلوكية بنيوية.
7- هناك صراعات ونزاعات، بين عدد ممن يعتبرون أنفسهم رموزا داخل الجالية الواحدة، بسبب المصالح المتعارضة، وهو أبعد ما يكون كونهم نخبا لهذا الجالية، حيث قدرتهم علي التأثير وفق معايير السياسة والعدد ضعيفة، كل ما يمتلكونه هو القرب من أحد رجال السياسة أو البرلمان بسبب مصلحته الضيقة، أو غيرهم ممكن اكتسب مكانته ليس من كاريزمته، ولكن من المكان الذي وضع فيه.
8- الدين في الجالية المصرية يلعب دورا محوريا، وإن لم يكن هناك لدي المصريين المسلمين شخصية دينية محددة ما يمكنهم الالتفاف حوله بصورة مباشرة مقارنة بالمسيحيين، حيث يوجد الأب الأسقف الذي يتلف الجميع وأعضاء الإيبارشية أو المجتمع القبطي حوله، كل في أقاليمه. وبالنسبة لأقاليم شرق كندا نجد مثلا نيافة الحبر الجليل الأنبا بولس، رجل دين يتمتع بالقامة والمكانة وثقة كبيرة من قبل الشعب في نيافته بسبب هدوءه وترويه في اتخاذ القرارات، عبرت عن ذلك سنوات طويلة، كانت مواقفه العامة رشيدة تتمتع بالحس السياسي الرشيد، محافظا على علاقات متوازنة مع الجميع. وهناك أساقفة كثيرون أجلاء في إيبارشيات المهجر، لا يسع المكان لذكرهم هنا، يتمتعون بالحس السياسي الرشيد.
9- النفور والقطيعة التي حدثت بين الكنيسة وبعض أعضاء البرلمان من الحزب الليبرالي يتحمل مسؤوليتها عدد من الأشخاص غير المسؤولين داخل الكنيسة ليسوا من الكهنة الذين يتمتعون بالرشادة، ولكن بعضهم من كبار الشمامسة الذين لكلمتهم وزن، وهي نقطة من المهم أن يتم إصلاحها، خاصة في أقاليم الكيبيك وشرق كندا على المحيط الأطلنطي ذات الهوى الليبرالي، حيث كان يهتم المرشحون الليبراليون بالذهاب إلى الكنائس في الماضي وكسب ودها، على مستوى الشعب والرئاسات الدينية وهذا أمر اختفي في الانتخابات الأخيرة.
10- الكيبيك إقليم يتمتع بخصوصية كبيرة وهو ثاني قوة من حيث المساحة والسكان. والهوى في الكيبيك إما للحزب الليبرالي أو الاحزاب الإقليمية اليمينية من حزب التحالف من أجل الكيبيك أو الكتلة الكيبيكية، أما حزب المحافظين فعادة ما يأتي في المرتبة الثالثة أو الرابعة بعد الحزب الديمقراطي الجديد.
وللحديث بقية.. من حقك أن تختار الحزب الذي يناسبك ولا تجعل أحد يدخل في عقلك لأنها أفكارك أنت.