للحرية أسطول!!

كان فيه بنت ولا كل البنات، اسمها "مادلين كُلاب" ..قالوا عنها أنها أول فتاة فلسطينية تحترف صيد الأسماك في قطاع غزة من 2014 ..
بدأت مادلين مهنة الصيد وهي في سن اللعب والمرح والدراسة والأحلام.. فقط 15 سنة .. لكن في غزة، مش كل الأحلام مسموح بيها في وجود عدو مستعمر غاصب ، عادد على البشر أنفاسهم ، وبيحسب بالمازورة عدد السعرات الحرارية اللي يدوب هيسمح بمرورها من خلف الجدار العازل لإبقاء هؤلاء الناس ، أو في رواية أخرى "الحيوانات البشرية" على قيد الحياة..
احترفت مادلين الصيد مرغمة بعد مرض والدها، فأصبح الصيد مش مجرد رفاهية، بل تحولت مادلين إلى مصدر الرزق الوحيد لعائلتها.. بس ده مكانش كافي للصهاينة.. قتلوا أبوها في عدوان 2023، ثم قضوا على قواربها وشباكها بعد استئناف المجازر في مارس 2025 ..
قضى الاحتلال على الأب، ثم قضت آلة دماره على أي معنى للحياة والأمل.. فالصياد دون قارب وشبكة هو شخص غير موجود .. ميت ولو كان بالاسم حي ..
إطلاق اسم مادلين على سفينة انطلقت لكسر الحصار، مكانش مجرد تكريم لشخصها، بل كان رمزية للأمل والصمود اللي بتتميز بيه المرأة الفلسطينية.. صرخة في وش عالم مخبول، لكسر حالة الصمت المخزية عن معاناة الصيادين والجائعين والمشردين، تحت الحصار والتهجير والقصف ..
أبحرت مادلين بعد أيام بسيطة، من إحياء أحرار العالم لذكرى شهداء الحرية والأمل من ضحايا السفينة "مافي مرمرة" اللي انطلقت أيضا من 15 سنة، حاملة للمساعدات والغذاء وأدوات الإغاثة لشعب عانى ولازال يعاني من الاحتلال والقتل والتواطؤ والصمت المريب.. فقتل الاحتلال عشرة أفراد من طاقم السفينة، وجرح فوق الخمسين، لتختلط على شواطئ غزة دماء الضحايا بدماء من تعاطف معهم ..
أوقفت مادلين مثلما تم إيقاف عشرات السفن من قبلها ..
لكن لم ينتهي الأمر بإيقاف السفينة.. بل بدأ..
شكرا للقرصان البائس اللي ساعد القارب يحقق أغراضه قبل 100 كيلو متر من محطة الوصول..
الكنز اللي بحثت عنه السفينة كان في الرحلة، والأهداف اتحققت من أول لحظة الانطلاق.. مادلين مكانتش رايحة تطعم 2 مليون جائع، ولا وصولها لشواطئ غزة هيفك الحصار عن شعب محتل..
مادلين أقامت الحجة على 8 مليار بني آدم .. مادلين مكانتش مجرد قارب بل كانت طائر ضخم أفكاره لها زوج من الأجنحة محدش قدر يمنعه من الطيران.. مادلين كانت تقل بشر.. مجرد بشر ذكر وأنثى لم يسألهم أحد عن دينهم وجنسياتهم ومعتقداتهم.. فقط رأى الجميع الإنسانية والرحمة والتضامن مع مظلوم ومضطهد ولو كان يبعد عنهم آلاف الأميال.. تم الاعتداء على السفينة واحتجازها وأخذ طاقمها رهائن!! حسنا فقد كان هذا الهدف الأخير.. كي يرى العالم كله من الضحية والبرئ.. ومن الإرهابي الهمجي الذي يؤرقه قارب صغير يحمل بشر مسالمين وقليل من صناديق من الطعام لا تكفي لسد جوع حي واحد لبضعة ساعات ..
انتصرت مادلين وخسرت كالعادة أقذر فئة من البشر عرفها التاريخ الإنساني