٢٠٠ صاروخ إيراني... والقتيل ”فلسطيني” ! تقارب بين ترامب وهاريس قبل شهر من انتخابات 5 نوفمبر القادم ”روبرتو باچيو” الرجل الذي مات واقفا ... دون داعي!‎ كما تتفاقم الأخطاء…كذلك أيضا تتوفر الفرص! اضطراب التسوق القهري... ”إدمان التسوق ” كبار السن.. بين الجنون والتقديس! ”تيتا زوزو”... وحلم الهروب من الجامعة من الخاسر في معركة لبنان‎؟! وصباح الخير يا سينا!! الخروج من القمقم أحد لم يفقد ”وتعرفون الحق...والحق يحرركم” (أنجيل يوحنا ٣٢:٨)

هاني صبحي يكتب: على قهوة في شبرا ... عودة الزبون الضال!!

خرجت من الكنيسة بعد ما صليت وولعت شمعة، وفضلت ماشي لحد ما لقيت نفسي واقف قدام بيتنا القديم اللي متغيرش فيه حاجة، غير يادوب إن محل عم وليم الساعاتي اتغير نشاطه لمحل بيببع موبايلات...البيت ده اللي أدواره لم تتعدى الثلاثة طوابق، كان بيأوي ويحتضن ١١ أسرة، وده حال اغلب بيوتنا العتيقة في حواري شبرا، واللي عادي جداً تلاقي جنبهم أو في الوسط بينهم عمارة شاهقة يسكنها علية القوم، لكن نمط الحياة والتعايش كان متناغم ومنسجم بشكل تلقائي فريد. الشقة في بيتنا بتتكون من أربع غرف وصالة، زائد حمام مشترك واسمها الدارج شقة شِرك.. كان الدور الأرضي مفتوح عيادة لابن أصحاب البيت الأرستقراطيين جدا اللي ورثوه عن أجدادهم، وكانت لهم بيوتهم اللي عايشين فيها في شبرا برضه، حي التناقضات والامتزاج والتناغم العجيب بين كل الطبقات. رأيت بعيني زمان الطليان والجريج وأصحاب الأصول الشركسية، واللي اعتقد أصحاب البيت كانوا ملمسين معاهم بشكل أو بآخر...كنت أشعر أنهم من أصول أوروبية...كانوا بيعاملونا من طراطيف مناخيرهم، أو ده كان مجرد إحساس مني طفل! مش عارف، لكن اللي فاكره إني عمري ما حبيتهم. لسه فاكر الطفل اللي جوايا وهو بيتخنق ويُحبط وكأنه طائر حد قصقص له ريشه، لما كانوا أحياناً يقفلوا علينا باب السطوح، نافذتنا على العالم، الهواء، السماء، الشمس، بمزاجهم ويفتحوه بمزاجهم.. كنت باتعمد من صغري مديش حد فيهم اهتمام لما بييجي لأي سبب، سواء تحصيل الإيجار أو غيره، عشان انتصر لفقر أبويا وبساطة أمي وكرامتهما، انتصار معنوي صغير قصاد ملامحهم الخشبية اللي تقترب من ملامح سكان شرق أوروبا. العيادة كانت جنبها غرفة صغيرة، كانت كتير بتبقى مقفولة، وبتتفتح مرتين أو ثلاثة في الأسبوع لمجموعة من الناس، كانوا في منتهى الغموض بالنسبة لي كطفل.. كانوا بيعملوا حاجة غريبة جداً مكنتش فاهمها.. كنت ساعات أنزل من فوق ألاقيهم مواربين الباب، وبيهمهموا بشكل منظم بكلام زي ما يكون قرآن.. أحياناً كنت أسرق نظرات سريعة من ورا الباب المفتوح، ألاقيهم بيغنوا بكلام أنا مش فاهمه، ويهزوا رأسهم ويحركوا دراعاتهم لفوق بحركات متتابعة منتظمة. مكنتش عارف بيعملوا ايه، لحد ما والدي قال لي مرة دول جماعة صوفيين، بيتجمعوا يقولوا أناشيد وأهازيج صوفية ومدح للنبي .. أنا أصلا ساعتها مفهمتش منه ولا كلمة، لكني فاكر مع أني كنت صغير، إني كنت باتخطف وبينتابني إحساس غير مفهوم بالراحة النفسية لما باسمع أصواتهم الخافتة مع سقفتهم البسيطة دي.. وكأني باسمع ترانيم من اللي بيحفظوها لنا في مدارس الأحد. لحد ما وقفت لهم مرة على بابهم.. لمحني واحد منهم راح مشاور لي بابتسامة هادية كده إني أدخل.. مترددتش لحظة ولا قلقت، وانضميت ليهم عشان أكمل نصف الدائرة البشرية اللي راسماها أجسادهم على الأرض، حوالين قسعة مليانة بالخشب المحروق وبقايا اكواز الذرة.. كنا بنسميها "قوالح"، كانوا بيستخدموها للتدفئة وكان المكان معبأ برائحة البخور.. مش عارف بالضبط قعدت قد ايه معاهم، محدش فيهم كلمني كلمة غير يادوب سألوني عن إسمي.. لحد ما لقيت خبطتين على الباب، اللي اتفتح عشان أبص ورايا ألاقي والدي بيسحبني من قفايا وهو بيقولهم : _ سلامو عليكم ، انتوا مقعدين الواد معاكم واحنا قالبين الدنيا عليه؟ قالوا له: مين ده يا شوقي ؟ رد عليهم: ابني.. وهوديكم في داهية وأقول عايزين يخطفوا الواد ويخلوه يشهر إسلامه... ضحك الجميع ومكنتش فاهم ساعتها هما بيضحكوا على ايه ... وللحديث بقية.... جزء من رواية على قهوة في شبرا _ يناير 2020 " .. دار الفؤاد للنشر والتوزيع علي قهوة في شبرا