Taxation Through the Ages: From Ancient Rome to Modern Times ”عُد إلى ديارك”.. سخط في الشارع لتزايد أعداد السياح ثورة في عالم المجوهرات... صنع أول ماسة في العالم من الورد! الحكومة تأمر ”آبل” بإزالة تطبيقي واتساب وثريدز الإعلام يتوقف تماماً احتجاجا على ارتفاع تكاليف المعيشة النظارة الشمسية تتألق بتصميم ”عين القطة” بطرق بسيطة وفعالة.. كيف تتخلص من التوتر في العمل؟ ماسك الصبار للشعر لمزيد من الترطيب والنعومة الوقت الأكثر إرهاقا من اليوم وظيفة من المنزل بـ100 ألف دولار أول مسابقة لملكة جمال الذكاء الاصطناعي في العالم سر بكاء ام كلثوم في الأطلال

دردشة…بالعربي الفصيح:

ممنوع من العرض!

في عام ١٩٦٨، عرضت لأول مرة في لبنان المسرحية الغنائية "الشخص" للأخَوان رحباني (عاصي ومنصور رحباني) بطولة المطربة الأسطورة فيروز، وهي مسرحية غنائية استعراضية من الطراز الفريد؛ هي أيضاً إحدى مسرحيات عديدة وعظيمة للرحابنة لكنها انفردت عن مثيلاتها لعدة أسباب!

أولاً: هي لم تصور تلفزيونيا وقتها بل سجلت إذاعياً فقط، والتسجيل نظيف ومتوفر على منصة يوتيوب لمن يرغب في الاستماع إليه!

ثانياً: تم إعادة عرضها من جديد وتصويرها على المسرح في حدود سنة ١٩٨٠، ببطولة المطربة اللبنانية رونزى؛ وهذا العرض متاح أيضا على منصة يوتيوب للمشاهدة. ثالثاً، قام المخرج المصري جلال الشرقاوي (رحمه الله) في عام ١٩٨٢ بإعادة عرض تلك المسرحية في مصر، لكن على الطراز المصري، بالمطربة عفاف راضي؛ وهذه النسخة المصرية المصورة متوفرة أيضا على اليوتيوب، وأشجع القارئ بشدة على مشاهدتها!

تعاون الشرقاوي مباشرة مع الأخَوان رحباني لينقل هذا العمل الرائع للجمهور المصري، وأعانه في الإعداد الشاعر الراحل أمل دنقل ليحول الأشعار الرحبانية اللبنانية إلى المصرية العامية دون الإخلال بالمعنى أو القافية لتبقى متناغمة مع الألحان الرحبانية! وبصراحة ظل العرض أميناً للنص الأصلي بنسبة ٩٥٪، والـ ٥ ٪؜ الباقية مجرد إضافات مصرية طريفة لم تؤثر على سير الأحداث. أقول هذا لأني شاهدت مسرحية الشخص اللبنانية مرات عديدة حينما كنت طفلاً مغترباً مع عائلتي في الخليج! أما السبب الرابع، فاسمحوا لي بتأجيله حتى نهاية المقال!

قدمت النسخة المصرية المصورة نخبة كبيرة من الفنانين، بجانب عفاف راضي، من ضمنهم سيد الملاح (مقدم أوبريت أبريق الشاي) ومحمد الشرقاوي وكمال ياسين وخليل مرسي وسيد الوزير وطلعت زكريا (في أوائل مشواره الفني)! كما أظهرت أيضا العديد من الوجوه غير المألوفة، لكن فاق أدائها أداء المشاهير. وعلمت أيضا من الإنترنت أن المطرب محمد نوح كان يلعب دور المحافظ، لكن لم يكن هو في النسخة المصورة. أضاف هذا العمل أيضاً إلى رصيد المطربة عفاف راضي الفني إضافة مؤثرة لأن أسلوب ألحان الرحابنة قد كشف عن طبقات صوتية في موهبتها لم تستطع مطلقاً الأغاني المصرية إظهارها، فتشعر كمستمع أن فيروز هي التي كانت تغني في بعض المقاطع!

أما سيد الملاح فهو من حمل أعباء الكوميديا المسرحية في هذا العرض! وجدير بالذكر أن ثلاث أغنيات من العرض اللبناني الأصلي تم استبدالهم تماماً بأغنيات مصرية حيث لم يرتبطوا مباشرة بحبكة القصة، فلم يكن هناك داعي لتحويلهم؛ و في اعتقادي أن هذا كان قراراً خاطئاً لأن روح الألحان المصرية لم تنسجم مع روح بقية الألحان اللبنانية في هذا العرض! كانت رقصات المسرحية من تصميم الراحل محمود رضا وهو أيقونة من أيقونات الاستعراض وتصميم الرقصات في مصر. واتسمت ديكورات الشرقاوي بالبساطة المتناهية كاللوحات السريالية، لكن الإضاءة مالت إلى الألوان القاتمة، بينما تمتعت المسرحية اللبنانية الأصلية بإضاءة ساطعة! ونرى مما تقدم أن هذا العمل لم يكن مجرد عمل مسرحي درجة ثانية بل كان إنتاجاً ضخماً اكتملت فيه كل عوامل النجاح.

وتدور أحداث المسرحية عن زيارة رجل مهم بالدولة يلقب بـ 'الشخص' لمدينة ما، فقامت السلطات بإخلاء ساحة السوق من الباعة وتزينها لتكون معدة لاستقبال 'الشخص'. وبالصدفة البحتة، تمر شابة بسيطة تجر عربة طماطم للبيع في وسط مراسم الاستقبال، فقامت بالغناء للشخص ترحيباً بوجوده دون تنسيق مع منظمي الاستقبال، مما أزعج السلطات جداً! ورغم إعجاب الشخص باستقبالها الجميل إلا أنه، بعد انصرافه، قد تم تحرير محضر تعدي لها من قبل السلطات المحلية، ولُفقت لها أيضا تهمة تخابر ضد الشخص لتعرض للمحاكمة في النهاية ويتم الحكم ضدها! ومن عبقرية النص أن شخصيات المسرحية قد كتبت بلا أسماء، ولكن المُشاهد لا يدرك هذا إلا في النهاية أثناء مشهد المحكمة عندما يقوم القاضي بطلب اسم المتهمة فتقول: "بياعة الطماطم!" فيرد القاضي: "بما إن الرواية مافيهاش أسامي، تكتفي المحكمة ببياعة الطماطم".

وكما ترى عزيزي القارئ إن قصة المسرحية بسيطة جداً، لكن بها إسقاطات سياسية واضحة؛ ولهذا السبب عينه، أصبحت من المسرحيات الممنوعة من العرض على التليفزيون المصري، ولذلك لا يعلم عنها المصريون الكثير! وهذه الحقيقة هي السبب الرابع لكتابة هذا المقال، وأيضاً لكي تتسنى لي الفرصة لأعرفكم بهذه المسرحية الجميلة تحديداً! فحتى مع وجود الفضائيات العديدة والقنوات الخاصة اليوم، لم تعرض هذه المسرحية المبدعة على الشاشات المصرية الصغيرة منذ منع عرضها آنذاك، وكأنها دُفنت ونُسيت في سجلات الأرشيف!

هذا العمل، الممنوع من العرض، كان سيعتبر من أقوى الأعمال الموسيقية والاستعراضية بمصر التي كانت ولا زالت تفتقر هذه القالب من الأعمال بشكل كبير! لكن، مع الأسف، في وجود العقول المستبدة المنغلقة، تذبل براعم الاستنارة والفكر الحر، فيتمكن منا الظلام وتنال منا سياسة التعتيم؛ وهذا بالضبط ما تدور حوله قصة المسرحية الممنوعة والتي، ربما، قد سلطت الضوء على ما كان يحدث وقتها، فحُكم عليها بالنفي والحجر في ظلمات مكتب الرقيب؛ لكن تشاء الأقدار أن تتسرب نسخة منها إلى أيدينا اليوم لنستمتع بفن جميل ومبدع! فمهما تفشى الظلام، حتماً ينبثق بصيص نور من مكان ما ليظهر الحق ويشق الليل العاتم من وسطه.