Taxation Through the Ages: From Ancient Rome to Modern Times ”عُد إلى ديارك”.. سخط في الشارع لتزايد أعداد السياح ثورة في عالم المجوهرات... صنع أول ماسة في العالم من الورد! الحكومة تأمر ”آبل” بإزالة تطبيقي واتساب وثريدز الإعلام يتوقف تماماً احتجاجا على ارتفاع تكاليف المعيشة النظارة الشمسية تتألق بتصميم ”عين القطة” بطرق بسيطة وفعالة.. كيف تتخلص من التوتر في العمل؟ ماسك الصبار للشعر لمزيد من الترطيب والنعومة الوقت الأكثر إرهاقا من اليوم وظيفة من المنزل بـ100 ألف دولار أول مسابقة لملكة جمال الذكاء الاصطناعي في العالم سر بكاء ام كلثوم في الأطلال

هاني صبحي يكتب: لماذا خرج إلى العزيزية...ولم يعد؟!!

كتير كنت أقرأ أو اسمع زمان اللي موجه أصابع النقد وسهام الهجوم الحادة على محمد خان مخرج فيلم "خرج ولم يعد".. مختزلا فكرة الراجل في الدعوة الصريحة للخروج من صخب وزحام المدينة، إلى خضرة وبراح الريف وما لذ وطاب من أكله وشربه وانطلاقه وبهجته، كحل وحيد شافه المخرج يبدو غير واقعي أو موضوعي من وجهة نظرهم للهروب من مشاكل وتحديات المدينة لا يملك رفاهيتها العديد من البشر. إلا إني اكتشفت بمرور الأيام إن فيلم زي ده ميتشافش بالعين بس.. يتشاف بالمشاعر، بالروح، بقلب طفل صغير يتوق إلى الجنة كما يتخيلها هو.. هو لوحده.. عطية مكانش بس الموظف العابس فاقد الشغف، المتململ من ضجيج المدينة وعفرة الشوارع وبيته الكئيب الضيق الخانق.. عطية كان المكبل بقيود أبعد بكتير من قيد المدينة.. عطية كان أسير النمطية، الروتين، وهم الذات بأكذوبة التكيف ومفهوم التأقلم الخادع. عطية كان مقيد نفسه بحبل اليأس المريح اللي بيكبل صاحبه، ويقنعه بأنه لا مجال للتغيير، لا أمل في تجديد الدوافع ومحاولات تحسين الوضع فهذا ما وجدنا عليه آباؤنا.. كل يوم بيعدي عليه بيزيد معاه ضغط الحبل على روحه فيخنقها حد الموت.. عطية مختارش أي حاجة في حياته.. مختارش خطيبته.. اللي اختارتها له أمه.. مكانش عارف بيحبها ولا لأ.. مكانش مهتم يعرف بتحبه هي ولا لأ.. المهم انها راضية بيه وهو راضي يمثل على نفسه بأنه راضي بيها.. عطية يقبل عزومتها في البيت على ملوخية بالأرانب.. فلا يبدو عليه اعتراض أو استنكار من الخديعة عندما يجد طبقه هو العدس الأصفر، ونجده يتساءل بجدية الملوخية لونها اصفر ليه؟ لكن ذلك لم يمنعه بأن يأكل ما لا يحب. عطية مختارش شغله ولا حتى اختار حلمه اللي انحصر جوه نفس دواوين المصلحة الحكومية اللي بيشتغل فيها.. الوظيفة كانت اختيار الأب، والحلم كان الترقي لدرجة مدير عام بعد 20 سنة تحقيقا لحلم الأب مش حلمه هو.. عطية كان الشاه اللي تساق يوميا لنفس المكان دون مقاومة.. تماما مثل قطعان الماعز اللي كانت بترافقه كظله في مشاهد دلالاتها واضحة.. عطية اللي اضطرته الظروف يروح العزيزية يببع قطعة أرض صغيرة وارثها عن أبوه.. عشان يشتري شقة في المكان اللي مش حابه، يتجوز فيها انسانة مبيحبهاش.. تتصدم نفسه بجنة.. اللي عايش في النار وتأقلم على آثارها في روحه مكانش حاسس بجمالها. متعجل بشكل عجيب في عملية البيع والحصول على مبلغ زهيد والعودة سريعا لخطيبة تعلقت بشخص غيره بعد غيابه أصلا.. مشاعره اللي اتلوثت وإعتادت على القبح والكآبة مشدهاش جمال اللون الاخضر، صفاء نفوس اللي حواليه، الفلسفة الحياتية الخاصة لمستضيفه العجوز الحكيم، اللي عاش في الدنيا وخاض كل تجاربها.. مباهجها وأوجاعها.. أحلامها.. صراعاتها ومعاركها، فاستقر به المقام في العزيزية متأملا قانعا بالقليل من المال، الكثير من الرضا، السعادة، العزوة والأهل والصحبة ... الحب.. عطية في العزيزية كان مستعجل المغادرة للعودة للخطيبة بتمن شقة الزوجية، رغم أنه قالع دبلتها اللي ضاقت على صباعه وبتألمه من لحظة وصوله.. كان ملول وقليل الصبر رغم أنه محاط بالبهجة والانطلاق والونس. وخيرية، الفلاحة الجميلة، النفس اللي متعرفش التمرد رغم الحركة الدائبة والأشغال الشاقة اليومية.. ميراث الرضا والقناعة ورثته بالكامل عن أب وأم ميعرفوش الضجر ولا التذمر.. سألته خيرية عن صوت الطائر اللي بيغرد، هل تعرف الكروان؟ .. فأجابها لا.. ولكن اعرف احمد عدوية.. وصف المكان بالجنة، فسألته وهي شايفاه لسه مستعجل وملهوف على الرجوع للوظيفة اللي بيكرهها: هل مات والدك مرتاح؟ أجاب: نعم.. قالت له وهل من العدل أنه يموت مرتاح وتعيش انت متعذب في حياة مخترتهاش؟ وليه عايز تسيب اللي وصفته بالجنة عشان تروح للنار.. عطية عاش لأيام وسط ناس أحبوا الحياة فأصابت عدوى الحب قلبه ومشاعره.. اتبدلت الأدوار وأصبح هو من يماطل ويختلق الأعذار للبقاء.. أصبح في عداد المفقودين في المدينة، لكنه اخيرا وجد نفسه في العزيزية.. وقع بيته القديم ومات من فيه.. فاعتبرته الخطيبة وأمها ممن غادروا الدنيا، وأقاموا له العزاء وارتدوا لأيام معدودة ملابس الحداد، قبل أن تقع في حب غيره من أول نظرة عطية القديم فعلا مات، واللي اتولد النسخة الجديدة من عطية.. مش لأن الريف هو الحل.. التغيير هو الحل، كسر القيود هو الحل، البحث عن راحة البال والنفس والقلب هو الحل.. فيلم خرج ولم يعد طرح السؤال.. أين السعادة؟ من أين ينبع الرضا؟ فكانت الإجابة بداخلنا.. احنا اللي بايدنا نصنع سعادتنا أو شقائنا.. قالها الفيلسوف العجوز لعطية في البداية لكنه مفهمهاش في وقتها: "الأكل متعة من متع الحياة.. لذة كبرى" لكنه أكمل: "مش مهم الأكل غالي ولا رخيص، المهم إنك تستمع بالأكل".. الأكل في الفيلم كان رمزية للسعادة ومتعة الحياة.. العزيزية كانت تستمع بتناول البط واللحوم، وكانوا مستمتعين أيضا بالفطير والعسل الأسود.. نفس استمتاع زميل عطية في الوظيفة بساندويتش فول رخيص الثمن.. عطية خرج للأبد من سجنه الاختياري حتى إنه لم يلحظ صورته في الجريدة في باب البحث عن المفقودين. قرر أن لا يتحمل ما يؤذيه، أو يتأقلم مع ما يؤذيه.. بل يعتزل ما يؤذيه.. خرج ولن يعود، عشان يشتغل شغلانة بيحبها ويسيب وظيفة استنزفت صحته النفسية، خرج يشتري عمره اللي جاي في حب حقيقي وترك ورا ضهره علاقة ارتباط اتفرضت عليه.. خرج من فخ النمطية وقيود التعود، لما وجد اللي يحسسه إن لسه مفاتش الأوان وإن العمر اغلى من أنه يضيع على الفاضي، والنفس اغلى من تركها جوه سجن بابه الحديد مقفول، لكن مفتاحه في جيبه، فقط ينتظر نهوضه ليكتشف إن الهروب منه لبراح الحياة والفرص والاختيارات، كان أسهل مما يتصور .