يحيي عواره يكتب: يا شباب مصر… لا تتعثروا في حكمتنا… لا تبالوا كثيرًا بنصائحنا

بقلم: يحيي عواره
عندي أكثر من سبب للكتابة هذه المرة عن الشباب، ولا أعني بالشباب -على سبيل الحصر- شريحة عُمْرية محددة، ولكن أعني كل أولئك الذين يجذب المستقبل نظرهم واهتمامهم بأكثر مما هم مشدودون لمواريث الماضي أو مقيدون بمغريات أو مخاوف الواقع الحال.
من هذه الأسباب، حلول ذكرى يوم الطالب العالمي (17 نوفمبر)، وحضوري العرض الأول للفيلم التسجيلي (قصة ثورتين) (A Tale of Two Revolutions) للمخرج الشاب الواعد نديم فتيح، ومن الأسباب أيضًا قلقي من تصاعد محاولات القمع والاغتيال المعنوي لكثير من الشباب الذين كان لهم دور بارز في فاعليات ثورة 25 يناير منذ اندلعت حتى الآن.
يأتي يوم 17 نوفمبر ليحيي العالم ذكرى نضال طلاب مدينة براغ ضد القمع النازي عام 1939، فخلال حركة مظاهرات واحتجاجات طلابية ضد النازية سقط الطالب "چان أوبليتال" صريع طلقات الجيش الألماني، فتصاعدت موجة الاحتجاج وواجهتها السلطة النازية بتعطيل كافة المعاهد التعليمية، وباعدام تسعة من زعماء الطلاب، وبترحيل 1200 طالبًا إلى معسكرات الاعتقال وتصفيتهم بشكل جماعي في يوم 17 نوفمبر 1939.
وحريٌ بنا، في رحاب هذا اليوم، أن نستحضر -بفخر وباستخلاص العبر- سجل نضال الشباب المصري عبر سنوات تاريخنا الحديث؛ فنتذكر دور الشباب والطلاب الذين التفوا حول الزعيم مصطفى كامل وكانوا عصب حركته الوطنية من خلال نادي المدارس العليا الذي تأسس عام 1905، ونتذكر دورهم خلال ثورة 1919 وجمعهم لتوقيعات تمثيل الوفد وسعد زغلول وفي مختلف مراحل الثورة، ونتذكر أيضًا أحداث كوبري عباس الأولى عام 1934، التي كانت احتجاجًا شبابيًا وطلابيًا على تصريحات لوزير الخارجية البريطانية قال فيها أن دستور 1923، الذي كان يحظى بقبول شعبي، لم يعد صالحًا للعمل به في ظروف مصر وقتها والتي أستشهد فيها عدد من طلاب الجامعة، ونسترجع أيضًا أحداث كوبري عباس الثانية يوم 9 فبراير 1946 حين خرجت المظاهرات الحاشدة من جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة) متوجهة إلى قصر عابدين للاحتجاج على استمرار العمل بمعاهدة 1936 التي كانت تعطي مصر استقلالًا منقوصًا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد أستشهد واعتقل في هذا اليوم عدد كبير من الطلاب بعد أن فتح عليهم الكوبري وأطلقت عليهم الشرطة الرصاص الحي. نستحضر أيضًا في رحاب يوم الطالب العالمي الحركة الطلابية عام 1968 حين تصاعدت احتجاجات الطلاب على الأحكام العسكرية الهزلية التي صدرت وقتها على بعض القادة الذين تسببوا في فداحة هزيمة 1967 وعلى القيود الأمنية التي فرضت على استقلال وحرية اتحادات الطلبة مما أدى لاستجابة الرئيس عبد الناصر لمطالبهم. نتذكر أيضًا المظاهرات الطلابية المتكررة في بدايات السبعينات مطالبة بالثأر القومي وازالة آثار العدوان بما شكل ضغطًا على الرئيس السادات وحال دون تبني أي مسار يقبل بالأمر الواقع وأدى بالرئيس السادات إلى حسم قرار حرب 1973.
ولست بحاجة للتذكير بدور الشباب والطلاب مع باقي أغلبية الشعب المصري في خلع الرئيس مبارك والتعجيل برحيل مجلس طنطاوي العسكري وعزل الرئيس مرسي.
كان هذا عن التداعيات التي استدعاها حلول ذكرى يوم الطالب العالمي من الذاكرة التاريخية للحركة الوطنية المصرية.
أما فيلم المخرج المصري الكندي الشاب نديم فتيح، فقد أبهجني تعبير فيلمه عن عمق ارتباط الشاب الذي نشأ في كندا بالوطن الأم مصر وادراكه أن العمل الوطني المصري حلقات تسلم كل واحدة منها لما يليها، وادراكه أيضًا لتناغم وأهمية تواصل فعاليات الاحتجاج الشبابي ضد القمع والاستغلال عبر الأوطان والقارات، وأسعدني أيضًا كم الحضور للعرض من المصريين وغيرهم وتفاعلهم وارتفاع نسبة الشباب فيهم.
فيا أيها الشباب، انظروا للأمام، فالمستقبل لكم واحساسكم بطموحاتكم ومعطيات عصركم أجدى لمسعاكم من الالتفات لبعض من يتحاملون عليكم بدعوى نقص الخبرة والاندفاع، فربما يكون هذا بالذات هو ما تحتاجون إليه لفتح آفاق المستقبل الأفضل متخففين من اعتبارات وقيود عفا عليها الزمن وتجاوزها العصر ولكن بعضنا لا يدرك هذا أو يشق عليه أن يعترف به.
يحيى عواره - تورنتو