The Fine Line Between Democracy and Social Disorder البابا تواضروس بعد ١٢ عام من رئاسته للكنيسة 6 قضايا على مائدة قمة العشرين 2024 محمد صلاح عايش بكتالوجه عودة شركة النصر للسيارات المصرية للعمل من جديد ”أوروبا” إلى الجحيم‎ بالحق تقول معنى حُريَّة المرأة أسطورة الملك الإله‎ أنا طفل وعمري خمسة وثمانون عاماً! (2) قدّم سيرتك الذاتية لتأكلها.. أغلى وجبة في البلاد تثير ضجة منع استخدام كلمة التنمر في المدارس

مينا ماهر يكتب : مشهد من منتصف الثمانينيات

هذا الباب الخشبي البسيط، ذو النافذة الزجاجية الضبابية، صار محط أنظار سيدة المنزل التي ما لبثت أن تترقبه بلَوْعة وشوق...كذلك والدتها المتقدمة في السن، والتي جلست على مقربة منها، لم تكف هي الاخرى عن اختلاس النظرات الملتهبة تجاه الباب ... ودارت عقارب الساعة كعادتها بلا رحمة ولا هوادة... فالزمن لا يدع مجالاً للمزاح! لم يكسر هاجس هذا الصمت الرتيب غير رنين المفاتيح وهي تفتح مغاليق الباب من الخارج... فارتجفت معه عواطف الانثتين كما الأسير الذي أطلق سراحه على غير استعداد! دخل الزوج وعلى وجهه رسمت ابتسامة رقيقة لكن عميقة في دواخلها...ورفع يده اليسرى، والتي كان بها ظرفٌ ابيض، ملوحاً إياه في الهواء متحمساً كمن عاد من غزوة منتصراً. اما يده اليمنى فكان يغلق بها الباب بخفة وهدوء... بادرته الزوجة بسؤال وهي في فرحة عاتية: - ها...وصل؟! - اه وصل!! روحي بقى هاتي الريكوردر من جوة و نادي الولاد... هرولت الزوجة لتلبي الطلب... من فيض السعادة كادت الجدة تتلعثم وهي تسأل الأب بدورها: - هو باعت شريط المرَّادي يا رفعت؟!! هز رفعت الأب رأسه بالإيجاب وهو يمشي داخل الشقة قاصداً الكرسي المذهب الذي في منتصف غرفة الضيوف (المسافرين)...حيث سيجلسون ليستمعوا الى شريط الكاسيت...وهنا نسمع الأم من الداخل وهي تنادي على اولادها: - بت يا سعاد...واد يا سامي...تعالوا بسرعة...خالكم بعت شريط كاسيت من الكويت... خرج ثلاثتهم من الداخل ومعهم الريكوردر... سامي طفل لا يتجاوز عمره التسع سنوات، اما سعاد فلم تتعدى الأربع سنوات... معرفتهم بخالهم المغترب هي معرفة سطحية جداً مبنية فقط على الرسائل وأشرطة الكاسيت... فذاكرتهم كانت بالكاد تسعفهم باي ملامح له...ومع ذلك لم يكن فضولهم أقل حماساً من باقي أفراد الأسرة... قام الأب بأخذ الجهاز من الأم وفتح الظرف وأخرج الشريط وادخله بداخل الجهاز وقام بتشغيله... أخذ الجميع اماكنهم حول الجهاز بلهفة ولكن بنظام... وجلسوا جميعاً ليستمعوا بإصغاء... وفي لحظة عاد الصمت من جديد...ليترك المجال للخيال أن يداعبهم بأجمل الذكريات... أثناء إدارة الشريط: - ناصر الابراهيمي...مصري مقيم في الكويت وأرسل هذه الرسالة الى اهلي في القاهرة عنوان...١٠ شارع الترعة في شبرا ...الدور الرابع شقة ٥. نظر الأب لزوجته سريعاً متعجباً من تلك المقدمة التفصيلية الرسمية...ولكنه سرعان ما افترض ان ناصر يأخذ احتياطاته في حالة ضياع الشريط ان يقوم فاعل خيرٍ بإرساله الى العنوان الصحيح! استرسل ناصر: -...أهلي وأحبائي...ازيكم كلكم...وحشتوني قوي قوي ...وحشتينييا ماما...نفسي اشوفك بقى وارجع ادوق أكلك...ههه...أكلهم هنا مش بطال...بس مفيش زي أكلك انتِ...يا ترى يا ماما...مواظبة عالدوا ولا لأ..... بتلقائية إجابته امه بمزيج من البكاء الضاحك بصوت خافت حتى تستطيع أن تسمع ما سيلي: - مواظبة يا حبيبي مواظبة يا نور عيني... يكمل ناصر حديثه: - وانت يا مروة يا اختي...ان شالله تكوني بخير...وازيك يا رفعت...لسه برضه بتحب الشطرنج؟ ... طمني عنك وعن صحتك...؟ تبادل رفعت ومروة النظرات المبتسمة بصمت.. ويسترسل التسجيل: - و ازاي القمامير الحلوين؟! ازيك يا سامي...سمعت أنك كبرت وطولت وقربت تبقى قدي.... يضحك سامي وهو ينظر لوالديه بفخر ونشوة... ويستمر الحديث: - ....و انتِ يا سعاد يا اخر العنقود يا قمرة العيلة...وحشاني خالص... تفرح سعاد ان خالها يذكرها وبنفس الطريقة تنظر لوالديها... ويظل ناصر مستمراً: - نفسي أشوفكم واشوف الولاد قوي...انا الحمد لله لقيت شغل تاني...بمرتب أحسن ...فيه جماعة زمايلي هناك...مصريين برضه...واقفين معايا وبيساعدوني لما احتاج...انا الحمد لله مش ناقصني حاجة غير اني اشوفكم.... نستطيع ان نلمس تفاعل كل من الاب والأم والجدة مع ناصر بتعبيرات وجوههم السهلة الممتنعة... ناصر: حابعتلكم أول كل شهر مبلغ صغير يسندكم... تتغير ملامح الاب فرمق زوجته بنظرة استياء طفيف يتخللها احساس بعزة النفس وهي الاخرى قد التقطتها بتحفظ... ناصر: و لو سمحتم ماتعملوش تكليف...انا اخوكم الصغير...ولو مش عايزين و أخذتوا الموضوع بحساسية...يا ريت ماتزعلوشمني...شيلوه عندكم لحد ما آجي و انا أخده...و كأني محوش عندكم مبلغ... ابتسم الاب في التو مصدراً ضحكة مستترة وكأن ناصر كان يقرأ أفكاره!!! ناصر: انا...انا كويس...بس جالي...جالي سكر... ضربت الجدة صدرها بحدة وقالت: يا قلب أمك!!! وكذلك سادتنوبة من القلق نلمحها على وجهي كل من الأب والأم...أما الأطفال فكانوا فقط يراقبون رد افعال الكبار بتعجب ولكنهم استطاعوا ان يحسوا بالتوتر الحاصل. ناصر يسترسل فيقول: - بس الدكتور قاللي ان مفيش داعي للقلق...فما تتخضوش...باخدالدوا بانتظام...ومقلل من أكل الشيكولاتة....شوف يا رفعت انا بحاول اشوفلك شغلانة هنا في الكويت...وياريت تبطل شعار أنا م البلد دي والكلام دا...هههههه... هز رفعت رأسه وهو يكتم ضحكاته .... ناصر: كلنا بنحب مصر...بس لو جالك رزق كويس ماتتأخرش...وانتِ يا مروة انتِ وماما ...عندي ليكم خبر حلو جداً ... ازدادت مروة وأمها اصغاءاً ليستقبلوا الخبر السعيد... و لكن.... - انا نويت اخطب...بنت هنا اسمها رقية شغالة في فندق وابوها وامها هنا... ملأت الدهشة والاستنكار عيون كل من مروة والجدة، فهما لم يكنا مستعدتين بتاتاً لسماع خبر كهذا، أما رفعت فابتسم ببساطة ملاحظاً استجابة زوجته ووالدتها لخبر الخطبة... ناصر:...ماتخافوش....هتبقى قراية فاتحة وبس...وفي اقرب فرصة هنيجي كلنا عشان تشوفوها و تتعرفوا عليها و نكتب الكتاب...أنا متأكد أنكم هتحبوها... لطفت تلك العبارات من روعة الخبر قليلاً ولكن لايزال بعض التوتر هائماً في المناخ العام...ونرى ناصر هو الاخر يتكلم بعدها عن الجو وكأنه يغير الموضوع: -الجو عندنا حر قوي في الصيف...عشان كدة الصيف الجاي انا بإذن الله حاقضيه في مصر... جملة غيرت كل الأحاسيس السلبية السابقة عند الجالسين واستبدلتها بابتهاج...حتى عند الأطفال الذين يطوقون لرؤية خالهم بشحمه ولحمه وليس مجرد صوت صادر من جهاز مصمت ...فظل الجميع ينظرون لبعضهم البعض بشكل عشوائي بضحكات مصحوبة بدموع فرح، وكأنهم يريدون مشاركة مشاعرهم مع بعضهم... استرسل ناصر: - ختاماً أحب اقول لكم اني بحبكم جداً و واحشيني قوي...و ان شاء الله نتقابل في اقرب فرصـ.... وكالعادة انتهى التسجيل قبل أن ينتهي ناصر من استكمال آخر كلمة له ولكن لا يهم...فقد تركهم جميعاً في ذروة السعادة...وهكذا نرى هذا البيت المصري الأصيل في ذلك اليوم وقد تفاوتت فيه كم من المشاعر المرهفة وتدرجت من قلق وترقب الى انتعاش ملحوظ...عابرة بمزيج من الاندهاش والاستنكار والكبرياء والبهجة مما لم يعرقل سير مناخ المحبة المهيمن والعامل بين أفراد الأسرة من الكبير الى صغير 20201115_094149