إلغاء الفلسفة وعودة الكتاتيب شكرا ... لمن ماتوا عن العالم ... ليمنحونا الحياة (1) السيد المسيح … صديقي الذي أحببته كما أحبه التلاميذ‎ قصة ”غير المولود أعمى”! لسنا عربا... ولسنا قبائل عُمر خورشيد.. ملِك الجيتار الخالِد هل سيتخلى ”اليهود” عن دعمهم التاريخي للحزب الديمقراطي‎؟! سمع هُس!! بين منهج الروحانية المسيحية وبين الصوم في المسيحية سياحة في فكر طبيب العطايا ... وأسئلة محيرة استريحوا قليلا

شروط تعجيزيَّة للتوظيف!

مع تعقُّد تفاصيل الحياة تتعقد علاقة الإنسان بالأفراد والمؤسسات من حوله في المُجتمع المُعاصِر، ومن أسرع العلاقات تصاعُدًا في التعقيد علاقة الموظَّف بالجِهات الموظِّفة خلال السنوات الأخيرة، لا سيما مع ابتِداع مهام إضافيَّة مُرهِقة في مؤسسات القطاع الخاص، تلاها توريط موظفي بعض القطاعات الحكومية بنفس مستوى التعقيد مع تحويلها إلى ما يُسمى "نظام الخصخصة" بالتدريج، لكن يبدو أن الأسوأ يقترِب مع ما بدأنا نسمعهُ من تعقيدات في مسألة التوظيف عند مُطالبة المُتقدم للوظيفة بمؤهِّلات مظهريَّة وأكاديميَّة وعبقريَّة وإبداعيَّة وكاريزميَّة لا تتطلبها المهام الوظيفيَّة فعليًا، ولا تتوظف في مُدير الشركة أو مالِكها أساسًا، والأجر الشهري المدفوع لها أقل من استحقاق رُبع تلك المؤهّلات!

قبل فترة صادفتُ على يوتيوب لقاء مع أحد من يُطلقون على أنفُسهم "روَّاد أعمال" في العالم العربي، ليس للرجُل تاريخٌ واضح إلا ظهوره مؤخرًا على وسائط التواصل الاجتماعي، أي أنهُ ليسَ من كبار رجال الأعمال الذين ما أن يُنطق اسمهم في العالم العربي حتى يُعرف الشخص المقصود بعد تاريخ طويل من علاقتهم بوسائل الإعلام التقليدي الجاد؛ بل ممن صعدت أسماؤهم بفضل الدعم المُستحدث لوسائط التواصُل، وهذا النوع من الدعم يُمكن شراءه بسهولة تصنع اسمًا لمن لا اسم لهُ بين يومٍ وليلة، وبالرجوع إلى موسوعة "ويكبيديا" لا نرى عنه إلا بضعة أسطُر شحيحة تكاد تكونُ غامضة، وتُضاعف من تساؤلنا عن أسباب شُهرة هذا الشخص وما نوع عمله "الحقيقي" على وجه التحديد، أم أن كُل الهالة المُحاطة به مُجرد "فقاعة" تم "صُنعها" عمدًا لإيهام الجماهير أنه "رائد أعمال"؟!

بدا تباهيه – خلال اللقاء اليوتيوبي- بالشروط التعجيزية للتوظيف فيما يُطلق عليه "مؤسسته" صادمًا، إنهم يكادون - في تلك المؤسسة- يطلبون انسانًا خارقًا أو مخلوقًا مُستحيلاً تتوفر فيه صفات إعجازيَّة يستحيل توفرها في هذا الرجل الذي يزعم أنه رائد أعمال أربعيني! لا بد وأن يكون طالب الوظيفي فلتة عصره وزمانه، أسطورة الأساطير وعبقري العباقرة وإمبراطور الجاذبية في مظهره، وأسلوب حديثه، وشهاداته، ومهاراته، وهواياته، وقُدرته على تحمُّل ما لا يتحمله بشر! السؤال الذي يطرح نفسه هُنا: إذا كان هناك شخص خارق الجمال، فائق الجاذبيَّة، يحمل عشرة آلاف شهادة دكتوراة، وعشرين ألف شهادة ماجستير، وثلاثين ألف بكالوريوس وليسانس، وأربعين ألف دبلوم، وخمسين ألف دورة تدريبيَّة، وفاز بستين ألف جائزة من جهاتٍ مرموقة، لا يشعر بالملل أو الغضب أو التعب ولا ينام الليل أو النهار، فلماذا سيأتي ليكون موظفًا لديكم بأجرٍ شهري تافه مُقارنة بمواهبه الخارِقة؟ هذا المخلوق المُعجزة قادر على تأسيس عمله الحُر بمُفرده وجني الملايين سنويًا بأن يكون رئيس نفسه بنفسه بدلاً من أن يكون عبدًا مُرشحًا لتلقي التوبيخ من مُدير آخر على سهو أو خطأ! ثم ما العمل الذي يستحق كل تلك المواهب الاستثنائيَّة؟ إنهم مُجرد موظفين دورهم تنفيذ الأوامر وتنفيذ المهام بدِقة كما يطلبها المُدير، مُطالبتهم بأكثر من ذلك طوال الوقت هي بطاقة دعوة لتدمير العمل لأنك تحولهم جميعًا – بمنتهى الغباء- إلى مُدراء، وبهذا تُنهي قيمة وجودك الحقيقية في تلك الشركة، أو تُفقدهم صوابهم بالاحتراق الوظيفي فيرحلون ويُشوهون سُمعة تلك الشركة هُنا وهناك.

صادفتُ كمًا هائلاً من الفيديوهات الناطقة باللغة الإنجليزية على يوتيوب يتحدث فيها أشخاص عن استقالاتهم من وظائفهم التي كانت تستنزف عافيتهم العقلية والنفسيَّة والجسدية ثم البحث عن خياراتٍ أُخرى لكسب لُقمة عيشهم في عصر ثورة الإنترنت وما قدَّمه من تسهيلاتٍ للأفراد في هذا المجال، وبما أن كُل الحركات الجريئة تبدأ أولاً في البلدان الأجنبية لأن الناس أكثر شجاعة وجُرأة وتصالحًا مع حقيقتهم ثم تنتقل إلى عالمنا العربي؛ لن يتأخر اليوم الذي تبحث فيه تلك الشركات ذات الشروط التعجيزية عن موظف يقبل العمل لصالحها دون أن تجد.