٢٠٠ صاروخ إيراني... والقتيل ”فلسطيني” ! تقارب بين ترامب وهاريس قبل شهر من انتخابات 5 نوفمبر القادم ”روبرتو باچيو” الرجل الذي مات واقفا ... دون داعي!‎ كما تتفاقم الأخطاء…كذلك أيضا تتوفر الفرص! اضطراب التسوق القهري... ”إدمان التسوق ” كبار السن.. بين الجنون والتقديس! ”تيتا زوزو”... وحلم الهروب من الجامعة من الخاسر في معركة لبنان‎؟! وصباح الخير يا سينا!! الخروج من القمقم أحد لم يفقد ”وتعرفون الحق...والحق يحرركم” (أنجيل يوحنا ٣٢:٨)

فضفِض في حدود عقلك!

قبل أيَّام قليلة صادفتُ خبرًا من أحد بُلدان الشرق الأوسَط يُفيد بمُعاقبة فتاة عبَّرت عن رأيها الشخصي تجاه بلدٍ آخر خلال "مُحادثةٍ خاصَّة" عبر إحدى وسائط التواصُل الاجتماعي! خبرٌ كهذا يُمكن اعتباره مؤشرًا لكون حدود "الفضفضة" هذه الأيَّام يجدر بها عدم تجاوز حدود عقل الإنسان نفسه، إذ ما أن تتجاوز الكلمات حدود أفكارك داخل عقلك ويغدو لها حيّز مادي عن طريق القول أو الكِتابة حتى تتورط بصرف النظر عن عفويَّتك أو حُسن نواياك!

كان ذوو الفكر الرشيد يدقون ناقوس الخطَر قبل سنواتٍ سابقة بشأن ضرورة عدم تضخيم الآراء المنشورة بصورةٍ مُعلنة عبر مقالٍ أو حوارٍ إعلامي أو بضع سطورٍ على جُدران مواقع التواصُل الاجتماعي لتتحوَّل الحبَّة إلى قُبَّة والقطرة إلى طوفانٍ كاسح، لكن المُستفيدين من تلك الظاهرة المرضيَّة تركوها تستشري وتتفشى لخدمة الأغراض الدنيئة عن طريق استغلال سذاجة "سيكلوجيَّة الجماهير"، لتتطوَّر الحالة المُزمنة إلى وباءٍ أكثر خُبثًا وهو السماح بنشر المُحادثات الخاصة بين الناس بدلاً عن قمعها ومُعاقبة المُتسببين بنشرها لا مُتبادلي أطراف الحديث الشخصي سرًا! ما يجعلنا نتساءل عن المحطَّات التالية بعد تمزُّق مظلَّة الأخلاق العامَّة كُليًا مُقارنةً بما كانت عليه في الماضي!

في وقتٍ صارت فيه مساحة الحُرية الوحيدة شبه المضمونة هي داخل حدود عقل الإنسان فقط؛ هل سنفقد تلك الحُرية الصغيرة البريئة ذات يوم لو تم إجبار البشر على غرس شرائح إلكترونيَّة داخل أدمغتهم بحيث يغدو كُل ما تشعُر وتُفكر وتُفضفض به لنفسك مكشوفًا أمام جِهات قادرة على مُحاسبتك؟ هل سنصل إلى مرحلة "العقاب على الأفكار والنوايا" بصورة تتفوَّق على أسلوب عِقاب خالق البشر الذي لا يُعاقبهم إلا على أفعالهم لا على خيالاتهم ومشاعرهم الداخليَّة ونواياهم السريَّة؟

يبدو أن قوانين العالم الجديد تُسرع حثيثًا في "حيوَنة الإنسان"، بل في ترويضه إلى كائن آلي أدنى من مُستوى الحيوان القادر على الشعور والرفض، ولا يُمكن النجاة من هذا المصير المُرعِب إلا بالتمسُّك الذاتي بالفكر والفن والثقافة والإبداع حيث لا حدود للحُريَّة المُتمرّدة بذاتها، وسُرعان ما نصل إلى مرحلةٍ يُمسي فيها المُتمسكون بتلكَ القيَم نادرين بعد أن تُلغى المطبوعات الورقيَّة بالتدريج وينطفئ عصر السينما والمسرح ورُبما التلفاز، ولا تبقى إلا أجيال قادمة من التابعين المُقلّدين العاجزين عن حُرية التفكير.