دردشة…بالعربي الفصيح:
ثقيلة هي ثياب الحملان! (قصة قصيرة) (8)

ملخص ما سبق: قام الباشمهندس، صاحب الشركة، باختيار المراقب حمدي، الشهير بـ أبو صلاح، وهو أصغر مراقبيه سناً وخبرة، ليحل محله مؤقتاً خلال سفره للخارج؛ بل وقام بتدريب أبو صلاح إداريا شخصياً قبل سفره. لم يثق أبو صلاح في زملائه لكنه فوجئ بان الجميع يعامله بلطف، فشعر بالراحة نسبياً واستثمر في هذا المحبة لينال رضا الباشمهندس عند عودته، لكن فقدت طائرة عودة الباشمهندس في ظروف غامضة؛ فأصبح أبو صلاح مديراً للشركة بشكل رسمي. وطلب بالتبعية تعيين مراقب جديد ليتفرغ هو للإدارة ولكن هاجمه كاظم المراقب بشدة وقدم استقالته بعدها من الشركة!
حلقة ٨
لا يحتاج الحق إلى التعضيد…بل الباطل!
"أكرم؟!" هكذا قال بدوي مستدركاً اسم العامل الذي رشحته ليحل محلي كمراقب! فأجبت:
- آه أكرم، هو فيه مشكلة؟!
- أكرم العامل اللي شغال معايا في مجموعتي؟!
- آه، هل عندك أي ملاحظات عليه؟!
- لا أبداً…بس اتفاجئت… لاني افتكرت انك بتفكر تجيب حد من برة و عنده خبره أكتر!!!
- هو أكرم ماعندوش خبره؟!
- لا عنده…بس مش كافية؟! لسة قدامه شوية!
سكتُّ لبرهة ثم قلت:
- طيب سيبني افكر شوية في الموضوع دا! و بعدين نتكلم..
يكاد رأي بدوي ألا يعني لي شيئاً على الإطلاق؛ فأكرم كان من زملائي المقربين حين كنت أعمل في مجموعة والدي (رحمه الله) والتي قادها بدوي من بعده، وأعتقد أنه يستحق أن يعتق من عباءته! هو، مثلي، ملم بالفطرة بسر المهنة وغير معتاد على الكود الكهربائي كبقية العمال، ووجوده في مجموعة بدوي سيستنزفه بلا شك! ولهذا قمت باستدعائه بعد ساعات العمل الرسمية في مكتبي دون علم بدوي وسألته:
- مش عايز تكبر يا أكرم؟!
- ايدي على كتفك يا أبو صلاح، أديك شايف…العين بصيرة والايد قصيرة!!
- طب احنا فيها…و بعدين إيه حكاية ’أبو صلاح‘ دي؟! أنا حمدي ياعم، ما تناديني زي ما كنت بتناديني زمان!! انت نسيت ولا ايه؟
- العفو…العين برضه ماتعلاش ع الحاجب! والنهاردة مش زي امبارح!
- سيبك م الكلام الإنشا دا…شوف يا سيدي… أنا نويت أتفرغ للإدارة تماماً، فايه رأيك لو تشتغل مراقب مكاني!
ارتبك أكرم لوهلة وقال:
- مراقب مكانك مرة واحدة؟!
- مرة ومرتين كمان لو تحب!!
- مرتين ازاي يعني؟!
- يعني هتمسك مكاني ومكان كاظم! يعني هتبقى بتراقب مجموعتين!
- كاظم؟! هو كاظم في أجازة؟!
- كاظم مشي وساب الشركة…
- كاظم مشي؟! إمتى الكلام دا؟
- من يومين…المهم إيه رايك؟
- أنا تمام طبعاً…بس ابتدي إمتى؟!
- بكرة نعلن الخير وتستلم وظيفتك!!
- بسرعة كدة؟!
- ايه قلقان؟
- لا بس…مش ندي خبر لعم بدوي الاول؟!
- سيب عم بدوي عليَّ، أنا هأكلمه…ما تعتلش هم!
و أنا لا أنتظر إذناً من بدوي بالطبع، بل سيعلم بنبأ الترقية كغيره…
فاجأني بدوي و نزيه بزيارة في مكتبي الرئيسي في الشركة ظهر اليوم التالي…بدت عليهما الجدية الشديدة، و كاد فضولي يقتلني لأعرف ما الخطب… جلسا أمام مكتبي وتبادلا النظرات الحذرة لمدة ثوان معدودة ثم ابتدأ بدوي في الكلام:
- أبو صلاح…بخصوص تعيين أكرم مراقب و على موقعين كمان…أنا شايف إنه لسه عضمه طري…و بعـ…
قاطعته هلى الفور:
- كلنا كان عضمنا طري…و نشفنا…فدا شيء طبيعي!!
- بكل تأكيد، بس أكرم محتاج متابعة…لازم ندربه!
- أكيد مش فايتاني الحتة دي…
- طيب تمام…يعني تحب ابتدي معاه امتى؟!
ابتسمت بلطف لبدوي و قلت ببساطة:
- هأبقى أقولك…
فسكت بدوي ليبدأ نزيه في الحديث، لكنه تلعثم بعض الشيء محاولاً أن يفاتحني في موضوع:
- شوف يا ابو صلاح…بصراحه فيه موضوع تاني كمان أنا عاتب عليك فيه…
- يا خير يا عم نزيه…ازاي تقول كده…إتكلم على طول…
- يعني انت وعدتني إنك هتكلم كاظم عشان يرجع الشغل…
- و أنا عند وعدي…ايه اللي جد؟!
- اللي جد أن أكرم هيمسك مجموعة كاظم كمان…يبقى منين هيرجع و انت كلفت أكرم يمسك مكانه؟!…
صمتّ محاولاً إيجاد العذر المناسب، لكن سرعان ما تدفقت الكلمات من فمي:
- لا دا مجرد حل مؤقت لحد ما كاظم يرجع…هو معقول أنا هاخلي أكرم ابن امبارح يمسك مجموعتين مرة واحدة و على طول!!!
- أنا برضه قلت لا يمكن ابو صلاح يعمل كده!
- طبعاً لأ…
من الواضح أني قد دللتهما كثيراً في الفترة السابقة، فغدوَا يتصرفان كمن لهما سلطةٌ و نفوذٌ…و لكن قريباً سينتهي هذا كله!!
***
حسني المراقب خلوق و بشوش، بل و مطيع لأوامر الإدارة…لا يحب التدخل في السياسات على خلاف بدوي و نزيه، ومثل هذا وجب استخدامه…لكن كيف؟ كيف لي أن أستخدمه لصالحي دون أن أتعدى اللوائح…بإمكاني تغيير هيكلة الشركة الحالية!…ما المانع أن أضيف وظيفة رئيس مراقبين و أقوم بترقية حسني لها، فيصبح وسيطاً بيني و بينهم…فلا يتجاسر المراقبين بعد ذلك أن يقتحموا عليَّ مكتبي ليناقشوني في قراراتي…فللشركة مدير واحد …هو أنا!
من الغد سأقوم بتحضير إجراءات تعيينه!!!
***
اسمع صمتك جيداً يا بدوي…برغم صعوبة قراءة ملامحك؛ لعلك الآن تتساءل عما يحدث…مثل نزيه الذي، على النقيض، تفضحه انفعالات وجهه على التو! كلاكما حائران…تتوسمان تفسيراً لكل هذا؟ كيف يصبح أكرم مراقباً و لماذا يرّقي حسني كرئيس مراقبين؟ و أين نصيبكما أنتما من كل هذا؟!
بالتأكيد تطلبان سبباً لكل هذه التغييرات الجذرية؟!
لكن…لن أعطيكما أي سبب!!…
مجرد رؤية جديدة لمستقبل الشركة…
***
ها قد مر شهر سكنت فيه ريبة الموظفين، و استتبت فيه الأمور، إلى أن اندفع نزيه يوماً إلى مكتبي غاضباً، رغم محاولة السكرتيرة منعه…أما أنا فاستقبلته بكل هدوء و ترحاب، مع ان احشائي كانت ترتعش، و طلبت منه الجلوس…فجلس على مضض و قال:
- هو ايه الحكاية بقى يا أبو صلاح؟
- حكاية ايه؟
- انت عارف يا ابو صلاح أنا باتكلم عن ايه؟
- لا و الله مش عارف…
- يعني عيّنت اكرم مراقب…و قلنا ماشي…حقه ياخد فرصته و يتعلم…رقيت حسني رئيس مراقبين و قلنا و ماله…حلو النظام برضه… عالاقل الواحد منا يبقى عارف ان فيه تدرج وظيفي و الواحد لسة ممكن يكبر في الشركة …لكن توصل انك تضحك علي و تستعيلني …لأ…
- العفو يا عم نزيه…بس بلاش الكلمات الكبيرة دي و قوللي ايه اللي حصل؟!
- قلت انك هتكلم كاظم عشان يرجع و آدي احنا شهر فات اهو و ما حصلش حاجة!!
- طب و الله كلمته و رفض…
حنقت نحوي نظراته وقال بتحدٍ:
- لا الكلام دا كدب يا ابوصلاح!
- كدب يعني ايه؟!
- يعني كاظم بنفسه قاللي انه من ساعة ما مشي و انت ما رفعتش حتى السماعة تسأل عليه!
يتبع في الحلقة التالية من العدد القادم …