أنأكل الطعام وبنو غزة جوعى؟!!

إحنا "قرأنا" في كتب التاريخ عن أهوال ارتكبها البشر وقوى الاستعمار و"سمعنا" حكايات تشيب وفظائع لا تخطر على بال إنسان ..
كل تاريخ المجازر والإبادة الجماعية للهنود الحمر بأمريكا وهولودومور بأوكرانيا ونانكينج بالصين والبوسنة والهرسك وسيربينتشيا ورواندا والجزائر وغيرها كتير ضحاياها بالملايين..
لكن تبقى علاقة الإنسان بها هي وجوده على الجانب الآخر من النهر أو المحيط.. على الجانب الآخر من التاريخ كحاضر معاش بيوصل له الخبر والمعلومة كماضي مشافوش ولا عاشه، وبتفضل الضحايا في نظره مجرد أرقام، وبتفضل المآسي والكوارث اللي صنعها البشر ما هي إلا مادة للدراسة والتثقيف والمعرفة ومصمصة الشفايف.. ومعرفش ، مشفتش ، معيشتش والله ..
أيوه كل اللي صنعه الكائن اللي إسمه بشر ده من فظائع جهنمية يمكن يكون بالأرقام أبشع بمراحل من اللي بيحصل دلوقتي في غزة ....ولكن ... ولكن... هولاكو مكانش بينحر ملايين العراقيين وهو فاتح بث مباشر.. الصرب مكانوش بيدبحوا مسلمي البوسنة والهرسك على الهواء مباشرة.. ستالين مكانش بيمحي ثلث سكان اوكرانيا أثناء ما العالم بيسكرول على التايم لاين يشوف الكلاب والقطط بتتغذى على جثث ضحايا القتل والمجاعة..
خلاصة اللي حاسس بيه بقالي سنة ونصف، أن ما يحدث في غزة هو أبشع شيء حصل في تاريخ البشرية.. مش لأن أعداد الضحايا أكتر ولا حجم الإجرام والوحشية أكبر، ولا إن ضلوع الأطفال البارزة من الجوع، تكاد تقفز من أجسادهم لتبصق علينا جميعا، أو إن عيونهم الجاحظة بتروي دون أن تنطق، قصة خذلان وألم وخيانة علنية لم يمر على البشرية ما هو اخس ولا أحقر منها ..
لأنها الإبادة اللي شايفها 8 مليار بني آدم لايف، لأنها الإبادة اللي مش محتاجة كتب ووثائقيات تحكي عنها للأجيال القادمة، لأنها الإبادة اللي شاهد عليها كوكب الأرض كله.. شاهد صامت أو شامت أو متواطئ..
لأنها اختبار أخير للبشرية سقطت فيه وملهمش عذر لفشلهم على الإطلاق..
قرأت كتير وسمعت اكتر عن حكايات الجاهلية، وازاي كانوا كفار وظلمة ومتوحشين في رواية البعض.. لكني تأملت القصة دي..
لما وقف زهير إبن أبي أمية وهو أحد قادة قريش أثناء حصارهم للمسلمين وقال: أنأكل الطعام وبنو هاشم جوعى؟
مقدرتش افصل الكلام ده عن السياق التاريخي والموروث الثقافي والأخلاقي اللي بيحكم تعاملات الناس ساعتها.. سرحت في زهير ده، ولقيته كان ممكن يتردد لو كان حواليه مناخ سياسي واجتماعي منقسمة فيه الآراء ومشهد طفل جائع خاضع لوجهات نظر.. لو كان كبر واتربى على إن التفريط في الأرض والعرض شئ يخضع أيضا لوجهات النظر ..
كان ممكن يتردد لو شاف مجموعة من قريش مدججين بالسلاح وخاطفين كام عيل وبيشقوا بطونهم بسيوفهم ولقى شيخ من شيوخ القبيلة قاعد يلعب في دقنه المتحنية وهو شايف أطفال بتموت ونساء بتغتصب وبيقول بكل خسة وقذارة أصل أهاليهم مخدوش رأينا قبل ما يعتنقوا الإسلام..
كان ممكن يتردد لو لقى، المجال العام مفتوح لأشباه بشر شايفة الكلاب بتنهش ما تبقى من لحم طفل مات جائع وبيقولوا بكل أريحية: بني هاشم ليست قضيتي..