حكاية البنت التي كفرت وشربت القهوة قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين: خطوة على طريق الاتجاه نحو نوبل للسلام Strikes: From Ancient Egypt to Modern Society — A Reflection on Collective Action and Social Responsibility هل هي بالحقيقة ثقيلة ثياب الحملان؟ ”أنثى” في مجتمع مهووس أقصر الطرق للوصول إلى اللحمة!! لأجل صحافتنا الرصينة في ناس رخصت نفسها من أروع ما قيل! نسجتني في بطن أمي ”ابن الإنسان” (2) حالة ”ما قبل السكري” تشكل خطراً في عمر معين

أقصر الطرق للوصول إلى اللحمة!!

منذ أيام، وبينما كنت أطالع المواقع الصحفية، لمتابعة آخر إنجازات الجمهورية الجديدة التي لا تعد ولا تحصى، استوقفني عنوان عريض لخبر، مكتوب فيه نصا: "المحافظ الإنسان"!! فانتابتني القشعريرة والدهشة في آن واحد.. وصرت أتساءل في تعجب: من أين أتى سيادة الرئيس بهذا الإنسان في مواقع المسئولية؟ وقد جرى العرف أن السادة المسئولين غالبا ما يكونوا إما ملائكة أو كائنات فضائية.. لم أكن أعرف أصلا، هل العنوان مدح أم ذم..

دفعني الفضول لقراءة الخبر، فزالت دهشتي وحلت محلها مشاعر الود المختلط بالشجن، واختلطت ابتسامة الامتنان بدموع التأثر، فالخبر كان مرفق به مقطع فيديو تاريخي، سيخلد تلك اللحظات كوثيقة للأجيال القادمة، وشهادة حية بأن هذا اليوم، هو بمثابة توقيع عقد اجتماعي جديد بين الدولة ورعاياها من الشعب، خاصة فئاته النادرة قليلة العدد من الطبقات الكادحة ومحدودي الدخل الذين لم يسعفهم الحظ، أو الكسل والخمول في جني ثمار التنمية واللحاق بقطار الرخاء والتقدم والازدهار الذي سبقهم إليه الغالبية الساحقة من الشعب..

الفيديو الذي ذابت فيه الفروق الطبقية، وتوحدت فيه رمزية السلطة في شخص المحافظ، ورمزية المواطن في شخص امرأة مُسنة فقيرة، وكان ثالثهما "اللحمة" .. رأيت موكب السيد المحافظ يتقدم بثبات، لافتتاح سوق تجاري في أحد الأحياء الشعبية، رغم ظروف الطقس الحار، غير عابئ باختلاط رائحة عطره الذكية، برائحة عرق الكادحين، ويحيط به الحرس والكاميرات ولفيف من السادة المسئولين، مع كم لا بأس به من البدل والأحذية اللميع والنظارات الريبان..

وإذ فجأة.. تنشق الأرض عن العجوز التي بالكاد استطاعت جر قدميها المنهكين، وتخبرنا ملامحها وتجاعيد الزمن المحفورة على وجهها، كم عانت ولا زالت تعاني من الفقر والقهر والتهميش..

تتقدم نحو المحافظ "الإنسان" وهي تريد إخباره بشيء ما، فتوقف الرجل مشكورا كي يستمع إلى سؤالها، أو طلبها، أو شكواها.. يطمئن المراسلون والصحفيون للأمر، فيقتربوا أكثر فأكثر لتسجيل تلك اللحظات النادرة، التي سقط فيها الحجاب الحاجز بين المسئول والمواطن..

يستنقطها السيد المحافظ ليستمع إلى شكواها، هل هي مستاءة من عدم إضافة السيمون فيميه على بطاقة التموين؟ أم للأمر علاقة بطلب تخفيض قيمة قسط الوحدة السكنية بإحدى مشاريع الإسكان الاجتماعي لمحدودي الدخل، من 15 ألف جنيه إلى 14500؟

ولكن السيدة فاجئته، بأن مطالبها في الحياة تخلصت في "حتة" لحمة .. استحت حتى وهي تنحني لتقبيل يد السيد المحافظ متوسلة، أن تطالب بأكثر من "حتة" لحمة، فما كان من المحافظ "الإنسان" إلا أن يلبي طلبها من جيبه الخاص، ويذهب بنفسه إلى الجزار ليشتري لها "كيلو" لحمة دفعة واحدة..

حقيقة لا أجرؤ على المزايدة نحو تصرف المحافظ، ولا أملك القدرة على التفتيش في نوايا القلوب، أو أدعي أن هذا المشهد كان مرتب له .. فالرجل حتما بشر أولا وأخيرا، وتعامل مع الأمر المفاجئ والطلب الإنساني بالكثير من الشفقة دون تفكير وحسابات..

لكن ما استوقفني واستفزني وجعلني أشعر بالاستنكار، بل والاشمئزاز، هو التعامل الإعلامي مع تلك الواقعة!! وصرت أتساءل كيف وصلت الوقاحة والجهل إلى هذه الدرجة، وأنا أتصفح المواقع، وأشاهد البرامج التليفزيونية، واستمع لإعلامي يعلق على مشهد حصول سيدة مسنة، على ابسط حقوقها المشروعة "حق الغذاء"، بالتسول وتقبيل الأيدي، ويصفه بالمشهد الإنساني، وإبراز كرم وتواضع وإنسانية، أحد المسئولين عما وصل إليه حال تلك السيدة وملايين مثلها، بدلا من أن يسعى الجميع، داخل تلك المنظومة لنسف هذا المشهد والتنصل منه، وإنكاره لحفظ ماء الوجه!!

كيف وصل بنا الحال، أن تتحول مأساة وصول كيلو من اللحم، لأكثر من نصف مبلغ معاش تكافل وكرامة، إلى مظهر احتفالي، بدلا من أن يكون شهادة موثقة على فشل الحكومة؟ هل أصبح دور الإعلام هو تلميع المسئول؟ أم إن دور المسئول، لم يعد وضع الخطط والبرامج، والعياذ بالله دراسات الجدوى، والاكتفاء فقط بترك المكاتب المكيفة كل سبت وثلاثاء، والنزول للشارع، في انتظار معجزة جديدة، لمواطن سعيد الحظ قادته الصدفة للقاء مسئول، سيعطف عليه بكيلو لحمة، يشتريها له من جيبه الخاص، ويتأكد بنفسه من خلوها من الدهن والعظام!!