كيس الشيبس: أنا عملت كل ده؟!!

أقر واعترف، اني نطيت جوه الترند فشر نطة مايكل فيليبس في سباق 100 متر فراشة.. أقر واعترف، إني واحد من آلاف طلعوا بفتاة موقعة الشيبسي الجميلة السكر "هايدي" لسابع سماء.. بس والله يا سيادة القاضي، أنا برئ براءة الذئب من دم ابن يعقوب، من السقوط المدوي والحتمي لسابع أرض، اللي دايما له أقطابه، من أباطرة القفز على المواقف، والمحترفين في تلويث وتشويه كل شيء بسيط وعفوي
أقر واعترف إني شفت في هايدي، بائع الفريسكا وسيدة القطار وهما بيتطبخوا على نار هادئة، وبيتم بعثهم من جديد، بنفس المعطيات والظروف، وبنفس الأشكال المقيتة من صائدي الترندات، وتجار الشو واللقطة والفشخرة الكدابة، والدعاية الرأسمالية في أقبح صورها، وهي بتهجم على المشهد بسحنتها السمجة، وانتهازيتها المقيتة، والمتاجرة الرخيصة بفقراء الوطن ومهمشيه المنسيين، لو كان الاحتفاء المزيف بيهم هيحقق لهم مصلحة آنية قبل إلقاءهم من جديد في الجب بعد انقضاء المصلحة.. وبعد ما الناس تكفر بالخير وعمل الخير، وتبدأ تسخر بل وتهين أبطال المشهد اللي كان عفوي، بعد ما اتجرجروا دون وعي لسكة الأضواء الزائفة، والشهرة الخادعة المؤقتة اللي هتنزوي للأبد مع أول ترند جديد..
بس معلش يا سيادة القاضي.. كنت هعمل ايه يعني؟ ..
الفيديو فعلا لطيف وكان بيشع بهجة، وقرار البنت أنها ترجع كيس الشيبس، عشان تدي فلوسه لراجل من وجهة نظرها غلبان، هو قرار كان بسيط وعفوي وهو ده سر جماله.. أنه حقيقي وبيحصل بشكل يومي، بدون أڤورة وتكلف، وكانت دوافع البنت فيه فطرية بدون أي حسابات..
ومخبيش عليك يا سيادة القاضي .. اتفاعلت مع الفيديو، زي ما اتفاعل معاه شعب، بيتنشق على حاجة حلوة أيا كانت بساطتها، وبيتشعبط في أي حاجة نضيفة وبريئة، ترجع له الشعور وسط كل صنوف الفساد، والقرف اللي بقى ملازم ومحاصر المصريين الفترة الأخيرة، إن البلد لسه فيها ناس طيبين ..
وان لسه فيه بيوت، رغم الحاجة والإحباط، والضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية اللي طاحنة الناس في رحاية أكل العيش، لسه منجرفوش ورا تيار يلا نفسي، ولسه قادرين ياخدوا بالهم من عيالهم، ويربوهم تربية صالحة، ويعلموهم رغم فقرهم، قيم جميلة زي الإيثار والعطاء ..
أيوه يا ريس، انا كان من حقي احتفي بالبنت، وأشارك الجميع اللي خلوها ترند شعبي خالص، يتكلموا عليه يوم ولا اتنين، ويعملوا من تصرفها ده، نموذج بسيط، بيوصل قيمة ورسالة وتوعية..
أيوه انا شفت إن كاميرات المراقبة لم تلتقط فقط مشهد لبنت لطيفة معطاءة عندها إيثار وإنكار ذات.. بل التقطت كاميرا السماء جانب من حياة يومية لأسرة مغمورة .. التقطت مبدأ وأسلوب حياة لأب محترم و أم عرفت تربي بنتها في السر .. فشاء ربك مجازاتهم عن صنيعهم الكريم في العلن.. لكن ازاي بقى المشهد البسيط المصري الخالص ده يفوت على السادة المسئولين، والسادة الرأسماليين، من غير ما يتفتت ويتشوه ويتفرغ تماما من معانيه الإنسانية التلقائية البسيطة، لمصلحة الدعاية والتلميع ولغة البيزنس.
اخيرا يا سيادة القاضي.. أوصيك تقول للناس اوعوا تهينوا البنت ولا أهلها ولا تسخروا منهم .. البنت بريئة من تصرفاتنا جميعا ، وعملت اللي عملته بعفوية وفطرة طفلة بدون حسابات ولا انتظرت شكر أو مكافأة.. البنت ملهاش ذنب أنها عايشة في مناخ بالقبح والرخص وركوب المواقف ده .. هي أبسط من كده، وهتاخد لها يومين استغلال ومرجحة وهترجع من تاني تترمي هي وأسرتها ورا ستاير الفقر السوداء مع أول حدث، وربنا يعينها على تجاوز الصدمة، ويهدي أهلها الصواب في إعادة تأهيلها على فعل الخير دون إنتظار مكافأة فورية .. وصي الناس تربي عيالها على فعل الخير في أي وقت وأي مكان وتحت كاميرا السماء اللي شغالة وبتصور ولو في الصحراء ، ومكافأتها أعظم وأرقى من جوز حمام ، ولا طبق قشطوطة عند طبقة رأسمالية بتتاجر حتى بفطرة الأطفال.. خليهم يربوا عيالهم إن عمل الخير فرض مش إنجاز مستني كاميرا ترصده