إلغاء الفلسفة وعودة الكتاتيب شكرا ... لمن ماتوا عن العالم ... ليمنحونا الحياة (1) السيد المسيح … صديقي الذي أحببته كما أحبه التلاميذ‎ قصة ”غير المولود أعمى”! لسنا عربا... ولسنا قبائل عُمر خورشيد.. ملِك الجيتار الخالِد هل سيتخلى ”اليهود” عن دعمهم التاريخي للحزب الديمقراطي‎؟! سمع هُس!! بين منهج الروحانية المسيحية وبين الصوم في المسيحية سياحة في فكر طبيب العطايا ... وأسئلة محيرة استريحوا قليلا

مينا ماهر يكتب: دردشة بالعربي الفصيح... من باب الشرفة!!

أتذكر حينما كنت أستيقظ مبكراً في السادسة من عمري على صوت بائع اللبن وهو يصيح كالمعتاد "لــبببببن" أمام باب شقة جدتي! كنت استمتع بمنظر الحليب الطازج وهو ينساب متدفقاً من يد اللبان في دورق جدتي الألومنيوم؛ كم اشتهيت شكل القشدة وهي تتجمع ببطء على وجه الحليب وهو يغلي على النار، وانا ألاحظ لهفة العائلة لتناولها مع صحن عسل النحل والخبز البلدي قبل أن يبدأوا يومهم الطويل! نفسي كانت تتوق يومياً لهذا المصراع (الشيش) الأخضر العتيق حينما كان يفتح صباحاً على الشرفة المطلة على شارع الدكتور محمد توفيق المتفرع من الترعة البولاقية في شبرا، فيشق شعاع النور محيط الظلام الدامس داخل الغرفة، حتى ينقشع في لمح البصر تماماً ويُبتلع في ضوء النهار! وعندها يبدأ عرض شيق من الصوت والضوء (والرائحة)، يفوق أي استعراض مسرحي محترف! كان يبدأ بصوت زمامير السيارات، المختلط بصوت الباعة المتجولين المروجين لسلعهم؛ ورغم اختلاف هتافات الباعة، إلا أنها كانت تُنسج معاً في تناغم وانسجام! حتى هتاف هذا البائع المجهول الذي لا أعلم إلى تلك اللحظة ماذا كان يقول أو ماذا كان يبيع، لكن نداءه كان مميزاً، كاسراً رتابة الإيقاع العام! ثم يتسلل تدريجياً بجرأة، وسط هذه الأوركسترا، زمور بائع غزل البنات بعزف منفرد، وكأنه الراحل محمود عفت في عز مجده! ويتخلل كل هذه السيمفونية الطبيعية نهيق حمار هزيل يود فقط إثبات وجوده في خضم تلك الحياة! أذكر أيضاً سباق تسوّق السلال المختلفة، المتدلية من الشرفات المتفاوتة الارتفاع، كالمصاعد! وعروض الملابس المتنوعة المنشورة أمام الشرفات فحولتها إلى واجهات محلات أزياء! كما لا أستطيع أن أتجاهل مشهد أرباب المنازل وهم يتصدرون شرفاتهم بملابسهم الداخلية راشفين كوب الشاي وقت قراءة الجريدة وكأنهم يستعرضون بكل شياكة ودون حرج، ما كان معلقاً على حبال غسيلهم! ولا كنت املّ أبداً من مشاهدة التلفاز من نوافذ الشقق الأخرى، فأتابع في الوقت نفسه مباشرة كل ما كان يعرض على القناتين الوحيدتين آنذاك! ولازلت استنشق هذا النسيم العليل الممزوج بخليط عجيب من عوادم السيارات والحوافل، ورطوبة مياه الصباح المرشوشة أمام الدكاكين، ولا سيما هذا العبير المستتر الشهي الصادر من قوالب البسطرمة المعلقة و الجبنة القديمة المعروضتين على واجهة بقالة الناصية! كما تنافس على الهواء أيضا أريج الخبز المختمر الساخن الذي كان يهب من جهة الفران، فيزيد المناخ دفئاً وسلاماً! ثم يغلق للأسف باب الشرفة المثير ليلاً لنخلد جميعنا إلى النوم على صوت نباح الكلاب الشاردة أو شجار القطط المخيف؛ ومع هذا كنا نستمتع بنوم عميق، على أمل النهوض ثانيةً لاستقبال يوم جديد وحافل كالذي مضى! تلك هي مصر التي أحببتها…من باب الشرفة!