إلغاء الفلسفة وعودة الكتاتيب شكرا ... لمن ماتوا عن العالم ... ليمنحونا الحياة (1) السيد المسيح … صديقي الذي أحببته كما أحبه التلاميذ‎ قصة ”غير المولود أعمى”! لسنا عربا... ولسنا قبائل عُمر خورشيد.. ملِك الجيتار الخالِد هل سيتخلى ”اليهود” عن دعمهم التاريخي للحزب الديمقراطي‎؟! سمع هُس!! بين منهج الروحانية المسيحية وبين الصوم في المسيحية سياحة في فكر طبيب العطايا ... وأسئلة محيرة استريحوا قليلا

جورج موسى يكتب: حتى ألحق بولدي‎

وسط أصوات الصراخ والعويل والفزع وبينما تمتزج رائحة شواء اللحم البشري برائحة الغبار والأتربة وبينما يتوهج قرص الشمس في السماء وكأن الشمس تعلن من خلال حرارتها الحارقة عن غضبها من تكرار ما تراه من مآسي في نفس المرفق الذي تحولت مآسية لمسلسل كئيب متكرر! وسط هذا كله تجد سيدة أربعينية تتشح بالسواد تقف مكسورة في ذهول دون أدني حركة سوي دموع تنساب على وجنتيها دون انقطاع كينبوع ماء مر يتدفق بغزارة من عينيها بلا توقف! كانت عيناها ثابتتين تحدق في القطار وهو يحترق! وفجأة يحدث في المكان أرتباك شديد فقد وصل سيادة المسؤول الكبير برائحة عطره الباريسي الباهظ الثمن التي رغم فداحة ثمنه إلا أن رائحة شواء اللحم الآدمي الناتج عن احتراق ركاب القطار كانت تسود على أي رائحة أخرى حتى ولو كانت عطر باريسي ثمنه ثروة! وقف سيادته بعطره الباهظ وملابسه الأنيقة ورابطة عنقه المتميزة وحوله حراسته الشخصية يحوطونه من كل جانب وهو يتظاهر بالاهتمام ويسأل أسئلته التافهة المتكررة في كل حادث قطار وكأنه جاء ليردد أغنية حزينة يغنيها في كل مأتم! كانت السيدة المتشحة بالسواد والثابتة كتماثيل الحجارة تقف على مقربة من المسؤول الكبير وبينما يقف بعظمته هذه تنظر إليه السيدة المتشحة بالسواد صارخة بصوت يجعل كل من في المكان يلتفت إليها! صرخت قائلة أين ولدي؟! أين ولدي؟! فيرد المسؤول الكبير؟! ولدك من؟! قالت له ولدي، فلذة كبدي وروحي التي أحيا بها! توفى أبوه في قطار منكوب كهذا منذ سنين عددها هو عدد عمره أو يزيد بضع شهور فقد كان ما يزال جنيناً في أحشائي يوم توفى أبيه وتركنا نواجه الحياة سوياً بلا عائل ولا سند ولا أي شيء! عشت له، تجرعت مرارة الفقر والحاجة من أجله، كنت له الأب والأم والعائلة، حرمت نفسي من الحياة لأجله! واليوم هو يوم فرحي، اليوم هو يوم الحصاد، اليوم نتيجة شهادته الجامعية، أنتم تحسبون الأعمار بالسنين أما أنا فأحسبها بالليالي التي كنت أتجرع مرارتها ليلة بليلة في رحلة عمري في انتظار تلك الليلة فكنت مستيقظة طوال الليل وأيقظته في الصباح حتى لا يفوته ميعاد هذا القطار ليذهب ويأتي بشهادته الجامعية! أين ولدي؟! أين رحلة حياتي؟! أين عمري؟! ثم تصرخ صرخة تشق الصمت الذي خيم على المكان حين كان الجميع ينصت وهي تروي قصتها ثم تصرخ قائلة، أين ولدي؟! يرد عليها سيادة المسؤول في برود، يؤسفني أن ولدك أحترق كالباقين في هذا القطار، الحقيقة أنه لا يوجد ناجين! الجميع تفحم، ثم يكمل بصوت أجش وبأعلى ما يكون حتى يسمع الجميع إعلانه الأهم قائلاً: ولكن الحكومة مشكورة بتوجيهات من السيد الرئيس صرفت تعويض لكل متوفي! ثم يلقي ببضع آلاف من الجنيهات للسيدة! ويتركها ويمضي إلى حال سبيله ليقوم بنفس المشهد في مكان آخر لقطار منكوب آخر! تصرخ السيدة وهو يغادر، رأس ولدي ثمنه هذا؟ حياتي وعمري وحلمي ثمنه هذا؟! ثم تلتفت لشاب يقف بجوارها وتعطي له المال الذي أعطاها إياه سيادة المسؤول وتقول للشاب، من فضلك أحجز لي في القطار القادم حتى ألحق بولدي!