من يكشف لنا السر؟

في سفر الخروج، الأصحاح الرابع، يقول الوحي الإلهي:" وحدث في الطريق في المنزل أن الرب التقاه وطلب أن يقتله. فأخذت صفورة صوانة وقطعت غرلة ابنها ومست رجليه فقالت إنك عريس دم لي. فانفك عنه حينئذ قالت عريس دم من اجل الختان." (خروج ٤ الآيات من ٢٤ إلى ٢٦).
فكيف يطلب الله قتل موسى؟
عرف الختان عند معظم شعوب الشرق. ولكن كان للختان عند اليهود معنى ديني هو العهد مع يهوه. والكتاب لم يطلق لفظ أغلف إلا على الفلسطينيين غالباً لأنهم كانوا لا يختتنون. وغالباً فقد كان الختان مرتبطاً بالزواج قبل أن يكون طقس ديني، لذلك يسمى العريس بالختن، وكذلك قالت زوجة موسى عنه "عريس دم" وبهذا المنطق أقنع أولاد يعقوب أهل شكيم أن يختتنوا قبل زواج ابنهم من دينة.
وكلمة عريس بالعبرانية وكل مشتقاتها تجئ من الفعل العبراني "ختن". وكون أن الختان سابق للناموس، فواضح من أن الله أعطاه لإبراهيم كعلامة عهد، وراجع أيضاً قول السيد المسيح (يو22:7) فاليهود اعتبروا أن موسى قد شرع الختان. وكان الختان هو العلامة الخارجية للدخول في عهد الله، فالدخول في عهد يتطلب دائماً علامة خارجية (أر8:34 + تك9:15 + تك44:31).
يبدو أن صفورة زوجة موسى خافت على ابنها من آلام الختان فرفضت ختانه ويبدو أن موسى قد استجاب لها. وهذه نقطة ضعف في حياة هذا العملاق. والله كان لا يريد لموسى أن يذهب لعمل عظيم في خلاص الشعب وواضع للناموس وهو مخالف للناموس. وحساب الله يكون عسيراً على من كانت قامته عالية. فموسى العظيم الذي رأي الله وكلمه تكون خطيته أعظم من خطايا البشر العاديين. فموسى أحب زوجته وزوجته أحبت أبنها فامتنعا عن ختان الولد بينما كانا كلاهما لابد أن يخضعا لناموس الله. "من أحب أباً أو أماً. أكثر مني فلا يستحقني" لذلك طلب الله أن يقتل موسى وغالباً فقد أصاب موسى مرض شديد وخافت صفورة، وغالباً فقد نبه موسى زوجته بأن السبب في غضب الله هو عدم ختان الصبي. فقامت صفورة بختان الولد مستخدمة صوانة أي سكين من الصوان كعادة المصريين.
ومست صفورة رجلي موسى بغرلة الولد أي بالدم. وقالت إنك عريس دم لي= أي أنها افتدت موسى بدم ابنها وكأن موسى بنجاته رُدّ إليها عريساً من جديد. فهي حينما مست موسى بدم الولد إنفك عنه المرض ونجا. وصفورة شرحت ما تقصده في آية (26): أنها بختانها للولد عاد موسى لها عريساً بسبب الدم. وصار هذا رمزاً للعلاقة بين العريس (المسيح) وكنيسته (العروس) فالمسيح صار عريساً لكنيسته بالدم، هو عريس دم. ولنلاحظ أن الامتناع عن الختان كاد أن يقتل موسى والمعنى الروحي أنه يجب أن نختن قلوبنا أي نقطع منها محبة الخطية حتى تكون لنا حياة (كو10:2-12). وقد حدثت القصة كلها في المنزل في الطريق= المنزل هنا أي النزل أو الفندق في أثناء السفر.
وإذا كان هذا السيناريو معقولا ومقبولا، فكيف نستطيع أن ندافع عن عزم الله على قتل موسى؟ وحتى إذا نظرنا باعتدال، فإنه يبدو غريبا جدا.
إن تركيب اللغة العبرية للعهد القديم يميل إلى عدم الاهتمام بالأسباب الثانوية، وبناء عليه فإن ما يسمح به الله، كثيرا ما يقال عنه في العهد القديم، أنه هو الذي فعله.
فإذا كان الله قد سمح بأن يصاب موسى بمرض شديد او تعرض لخطر ما، فإن الأسلوب الذي يعبر به عن هذا في اللغة العبرية، هو أن الله اراد أن يقتله، فلم تكن الحالة مجرد أن موسى مرض وكان قريبا من الموت، ولكنها كانت حالة سيادة الله المطلقة، الذي يهيمن على كل الأحداث والظروف على الأرض، ولذلك لم تكن للأسباب الثانوية أهمية، بل كان للسبب الأساسي الأسبقية كوسيلة لتفسير الأمر.
عزيزي القاريء، يجب أن يفهم الكتاب المقدس بلغته، أي يجب أن يخضع العقل لكلمة الله، لا أن يخضع الكتاب المقدس لعقلي المحدود. نعم يجب أن استخدم عقلي في فهم كلمة الله، فالله وضع هذا العقل كأداة للاتصال به. ولكن هذا العقل يجب أن يكون خاضعا لسر الإنجيل. نعم للإنجيل سر لا يكشفه إلا روح الله من خلال نعمة مجانية منسكبة داخل قلب يتلهف شوقا وعقل يخضع حبا.
المراجع
1-Bible
2-Hard Saying of the Bible : Walter C.Kaiser Jr., Peter Davids and Manfred T.Brauch
3–Interpretation of Exodus :Father Antonios Fekry.