لماذا خسر المحافظون الانتخابات ؟ وهل لديهم الشجاعة للتحالف مع آخرين؟

البعض كان ينتظر فوز الحزب المحافظ في الانتخابات البرلمانية المبكرة التي شهدتها كندا يوم ٢٨ إبريل الماضي، لكن انتظار البعض خاب بعد أن حافظ الليبراليون على تشكيل الحكومة حتى لو كانت حكومة أقلية.
تحليل المشهد السياسي والحزبي يكشف عددا من المعطيات التي يجب الانتباه إليها وتحليلها.
- رئيس الحزب المحافظ بيير بوليفير يفتقد للشخصية القيادية الكاريزمية القادرة على معرفة مطالب الكنديين كيفية الاستجابة لها. ويكفي انه خسر الانتخابات في دائرته في أوتاوا. وكان يحب عليه الاستقالة وإفساح المجال لسياسي أخر أكثر كاريزمية وشعبوية مقارنة به. ويعتبر حالة من عدم الرشادة السياسية تنازل مرشح محافظ فاز في الانتخابات في البرتا عن مقعده البرلماني لمصلحة بوليفير الذي سيقود المحافظين لمزيد من التدهور وانخفاض الشعبية.
- تصريحات دونالد ترامب برغبته في ضم كندا كولاية أمريكية رقم ٥١ لم يحسن بواليفير التعامل معها، مثلما تعامل معها مارك كارني رئيس الوزراء وزعيم الحزب الليبرالي، وهو ما أدى لزيادة شعبيته، على الرغم من حالة الاستياء العام التي أصيب بها غالبية الكنديين بسبب سياسات ترودو السلبية على كل المستويات.
- سياسات ترودو في التعامل مع اللاجئين والهجرة أدت إلى تغيير التركيبة الديموغرافية حيث جلب مئات الآلاف من اللاجئين السوريين والأفغان وغيرهم من دول الشرق الأوسط، وهم الذين يرون في ذلك جميلا يجب رده بالتصويت للحزب الذي جاء بهم إلى كندا ويمنحهم معونات ومساعدات مالية وغيرها بصفة دورية. ومن ثم يرون في الحزب المحافظ الشيطان الأعظم لأنه ضد فتح أبواب كندا على مصرعيها للاجئين والهجرة غير المؤهلة
- نجح مارك كارني في أن يغير من جلده مقارنة بجوستان ترودو، وبدا وأنه كما لو تعلم من أخطاء ترودو وينوي إصلاح الاقتصاد والمجتمع الكندي، ساعده في ذلك دعم وتوظيف إعلامي فشل فيه المحافظون.
- الحزب الليبرالي لا يضع كل "بيضه" وأصوات ناخبيه في "سلة واحدة" بل يركز على جميع الحاليات والأديان والعرقيات. في حين الحزب المحافظ يداعب مشاعر المتدينين المسيحيين الذي ليست لهم الغلبة في المجتمع الكندي، خاصة وأن كنديين كثر مسيحيين بالاسم لكنهم بالممارسة والسلوك غير دينيين، من هنا عدد الداعمين لليبراليين أكبر.
- إرتكن المحافظون على توقعات استطلاع الرأي بعد تدهور شعبية ترودو وزيادة شعبيتهم دون أن يبذلوا جهدا حقيقية في الميدان الانتخابي للتواصل مع الناهبين ومعرفة احتياجاتهم وتقديم سياسات واقعية تلبي هذه الاحتياجات وهذا هو ما فعله مارك كارني بالتركيز على مخاطبة الناخبين الكنديين. عانى الحزب المحافظ من قصور في الرؤية واستراتيجية التعامل مع احتياجات الناخبين على ارض الواقع.
- لم يعلن أي من الحزبين الكبيرين الليبرالي والمحافظ عن برنامج وخطة واقعية لتحسين أحوال المجتمع الكندي التي هي في تدهور مستمر على مستوى ارتفاع الأسعار والتضخم والغلاء.
- النظام الانتخابي غير العادل حيث الغرب الكندي ذو التوجهات المحافظ والتعداد السكاني الأعلى يتمتع بعدد أقل من المقاعد البرلمانية مقارنة بأقاليم شرق كندا الأطلسية الأقل كثافة سكانية ولكنها اعلي في عدد المقاعد النيابية.
- تجاهل الحزب المحافظ التنسيق مع قوي حزبية أخري مثلما كان يحدث بين الحزب الليبرالي والحزب الديمقراطي الجديد بغرض الحيلولة دون فوز المحافظين.
على سبيل المثال، في إقليم الكيبيك، ثاني أكبر إقليم مم حيث القوة السكانية والأصوات الانتخابية، لا يتمتع المحافظون باي قوة والتصوير فيها يتجه إلى الليبراليين أو الكتلة الكيبيكية ذات التوجهات المحافظة، لكن على ما يبدو يفتقد المحافظون لخبرة العمل السياسي والحزبي الميداني.
- فشل الحزب الديمقراطي الجديد في الاحتفاظ بمقاعده وهو ما أدى إلي استقالة زعيمه سينج وهو ما يحول دون تمتع الليبراليون بحليف محتمل خاصة وأن أقرب الحلفاء سيكون الكتلة الكيبيكية التي فازن ب 22 مقعدا مقابل 169 مقعدا لليبراليين و144 مقعدا المحافظين و7 مقاعد للديمقراطي ومقعدا واحدا لحزب الخضر.
ولنا أن نتخيل ماذا يستطيع أن يفعل الحزب المحافظ لو اكتسب مزيد من الخبرة السياسية وتحالف مع الكتلة الكيبيكية سيكون لديه عدد أصوات الليبراليين تقريبا ويعرقل لهم أي مشاريع قوانين وقرارات وتصويت ليس على هواهم. أم أن الليبراليين سيسارعون بالتحالف كالمعتاد مع الحزب الديمقراطي الجديد ومقاعده السبعة لاكتساب مزيد من الأريحية البرلمانية.
- نقطة أخيرة مهمة، قد يبدو للعيان أنه قبل الانتخابات قد فاض الكيل من ترودو وحزبه، لكن هذا لا ينفي أن هناك نواب ليبراليين نجحوا أن يحصلوا على ثقة الناخبين حتى لم يكن هؤلاء الناخبون راضيين عن أداء الحزب ومن ثم لم يعد التصويت كلية في الانتخابات على أساس الانتماء الحزبي كما هو الأمر نظريا، ولكن على مستوي الواقع طور عدد من المرشحين علاقات ثقة مع الهيئة الناخبة في دوائرهم. وهذا أمر يؤكد أهمية أن يعمل عضو البرلمان ليقظي على ثقة ورضاء الناخبين في منطقته.