نجوم الشباك

يقول القديس أثناسيوس: "إن دراسة الكتب، ومعرفتها المعرفة الحقيقية يتطلبان حياة فاضلة، ونفساً طاهرة، والفضيلة التي بالمسيح حتى إذا ما استرشد بها العقل، وأنار بها طريقه، استطاع أن يصل إلى ما يصبو إليه، وأن يدرك ما تستطيع الطبيعة البشرية أن تتعلمه عن كلمة الله. لأنه بدون الذهن النقي ومماثلة سيرة القديسين لا يستطيع الإنسان أن يدرك أقوال القديسين...
وهكذا يجب على من يريد أن يدرك فكر الذين يتكلمون عن الله أن يبدأ بغسل نفسه وتنظيفها، بتغيير مجرى حياته، ويقترب إلى القديسين أنفسهم بالاقتداء بأعمالهم، حتى إذا ما اشترك معهم في السلوك في الحياة المشتركة، استطاع أن يفهم هو أيضاً ما أعلنه الله لهم، ومن ثم – إذ يكون قد ارتبط بهم ارتباطاً وثيقاً – ينجو من الخطاة ونارهم في يوم الدينونة" (تجسد الكلمة ف ٥٧ :١ - ٣).
مما سبق يتضح أن الحياة الروحية السليمة هي أساس معرفتنا اللاهوتية. فلا يوجد فصل بين الإثنين. يمتاز اللاهوت المسيحي بأنه اختبار لحقيقة يتذوقها الإنسان، وليست نظرية تم طرحها للبحث والتأمل العقلي. ولذلك يقول الرب يسوع: "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة".
كل هذه لا مكان لها في اللاهوت المسيحي مطلقاً. لقد جاء المسيح لكي يعلمنـا عن الله، فأعلن الآب، ومن منَّا لا يعرف الأبوة. وعلَّمنا عن طبيعة الله، فوصفها بأنها محبة وعطاء "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد"، فهي ليست محبة كلامية، بل محبة تعطي وتسـهم في خـلاص الإنسان من براثن الشر والموت، ومحبة تسعى وراء الإنسان، لا تقف في انتظار عودة الإنسـان إلى الله، بل تطلبه بشكل دائم "هاأنذا واقف على الباب وأقرع".
إن قلب ومركز اللاهوت المسيحي هو ربنا يسوع المسيح. لقد أعلن الله لنا عن نفسه في شخص ربنا يسوع المسيح الذي هو بهاء مجده ورسم جوهره. (عب ١). إن المسيح أيضا هو رأس الكنيسة وفاديها وقائدها. فلا ولن يستطيع أحد أن يقود الكنيسة إلا شـخص يسوع المسيح. لذلك أتعجب ممن يصرون على اعتبار أن قيادة الكنيسة هي لآخرين غير المسيح. إن الاكليروس أو الخدام ما هم إلا أدوات في أيدي الروح القدس من أجل كنيسة الله. يعملون خاضعين لرأس الكنيسة. لذلك أتعجب ممن يخدع ذاته متغاضياً عن حقيقة رئاسة المسيح للكنيسة وأنه هو رأسها وقائدها ومن فداها بدمه.
إن غياب المسيح عن المشهد عن طريق الافتتان الكامل بالأشخاص، هو المسؤول الأول عن تدمير كل فكر لاهوتي روحي سليم داخل الكنيسة. إننا نميل إلى الشخصانية دائماً، فنمجد الأشخاص متجاهلين التفكير الموضوعي. قد لا نملك أدوات التفكير النقدي، ولا نعرف كيف نحلل منطقياً ما نسمع ولكن على الأقل نحن نملك المرجع الرئيسي لكل تعليم. الأساس الذي يجب أن نقيس عليه كل تعليم، انه الكتاب المقدس. ففي الكتاب المقدس يستعلن ابن الله للإنسان. فلنرجع إلى الكتاب المقدس ولنعطه حقه ومكانته في حياتنا ولنبدأ علاقة حقيقية معه؛ فكل من اكتشفوا هذا الكنز لم يمنعوا أنفسهم من عشقه ومن الإفتتان الحقيقي بشخص يسوع المسيح المستعلن في كلمات هذا الكتاب العجيب.
عزيزي القارئ، كفانا افتتانا بأي شخص أو حتى أي شيء!! كفانا افتتانا بهؤلاء نجوم الشباك الذين يحتلون منابر التعليم خصوصا في وسائل التواصل الاجتماعي أو القنوات المسيحية وهم للآسف لا يقدمون تعليما يحترم عقول المشاهدين في كثير من الأحيان. وأتعجب من وجود هؤلاء بصفة دائمة بل وفي أكثر من قناة أو برنامج. فلنوجه أنظارنا إلى رأس الكنيسة أولا، إلى يسوع المسيح ثم انظر بعد ذلك إلى من تشاء، فمن يرى المسيح أولا، لا يستطيع أو يتجاسر أن يحوّل نظره عن الأبرع جمالاً من بني البشر. بل من خلال شخص المسيح ومن خلال كلمة الله الحية تتضح الرؤية وتتساقط القشور عن الأعين، فيتعلم الإنسان ويعلم الآخرين ويربح نفوسا للملكوت. أما من يعتمد على نجوم الشباك فقط ويتخذ عظاتهم كمراجع لتعليم الآخرين فهو كمن يتعلم الهجاء في مجلس البلغاء.