فرنسا تدخل النفق المظلم بعد انهيار الحكومة.. الديون تفقد باريس قرارها السيادى

انهارت الحكومة الفرنسية، للمرة الرابعة خلال عامين، بعد أن أطاح البرلمان بحكومة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو فى تصويت على الثقة، لتواجه الجمهورية الخامسة أزمة جديدة فى أقل من عامين، وتجد نفسها بلا حكومة قادرة على مواجهة الأزمات المالية واهتزاز سياسي، بل وحراك اجتماعي، يدعو لتعليق كل شيء في البلاد، في الوقت الذي يحاول فيه الرئيس إيمانويل ماكرون، لعب دور سياسي مؤثر على المستوى الدولي والأوروبي، سواء في حرب غزة أو روسيا، وكذلك العلاقات الأوروبية مع أمريكا.
وفى جلسة استثنائية للجمعية الوطنية، ألقى فرانسوا بايرو خطابًا للتاريخ، خاصة وأنه كان يعرف قرار معارضيه مسبقًا، وأكد أن قضيته ليست مسألة سياسية وليست تناحراً بين الأحزاب، بل هي موضوع تاريخي يهم مصير الشعوب والأمم والأجيال القادمة.
و عرض بايرو سريعاً الوضع العام لفرنسا وللتحديات التي تواجهها ليركز كلمته على الدين العام الفرنسي والذى تجاوز 3.345 تريليون يورو، بما يترتب على فرنسا فوائد تزيد على 67 مليار يورو في العام الحالي، ويمكن أن تصل إلى 107 مليارات يورو مع نهاية العقد الحالي.
وأشار بايرو إلى أن 60 % من المديونية من الدائنين هم من الأجانب، وأن تفاقم الأزمة سيفقد فرنسا سيادتها وتأثيرها في العالم، ويضعف القيم التي تدافع عنها.
كما لم يتردد رئيس الحكومة في مهاجمة اليمين المتطرف واليسار، مشيراً إلى أن مصير الحكومة كان معروفاً منذ اليوم الأول لولادتها قبل تسعة أشهر، لأنها لم تمتلك الأغلبية وأن بقاءها كان مرهوناً بتساهل المعارضة معها، وحرص بايرو على التذكير بما يعرفه كل الفرنسيين، وهو أن اليمين المتطرف وأحزاب اليسار والبيئويين يختلفون حول كل شيء إلا أنهم اتفقوا على إسقاط حكومته.
وفى النهاية صوت 364 نائبًا ضد حكومة بايرو مقابل 194 نائبًا أيدوها، لينهى البرلمان بذلك تسعة أشهر من عمر حكومة أقلية لم تنجح فى بناء أغلبية تشريعية حول خطتها للتقشف وخفض الدين العام، وبموجب الدستور الفرنسى، أصبح رئيس الوزراء البالغ من العمر 74 عامًا ملزمًا بتقديم استقالة حكومته للرئيس إيمانويل ماكرون، مع احتمالية بقائه كرئيس وزراء مؤقت لحين تشكيل حكومة جديدة.
ويأتى سقوط بايرو بعد أقل من تسعة أشهر على تعيينه، ليصبح رابع رئيس وزراء يخرج من قصر ماتينيون المخصص لرئاسة الوزراء فى أقل من عامين منذ بداية الولاية الثانية للرئيس ماكرون عام 2022، بعد أن سبقه ميشيل بارنييه المفاوض الأوروبى السابق في قضية البريكست، لكنه لم يصمد أكثر من ثلاثة أشهر في رئاسة حكومة فرنسا، وكذلك جابريل أتال الذى غادر منصبه منتصف 2024.
ومع هذه التحركات السياسية والانتقالات الحكومية تلوم المعارضة على الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذى قامر بالاستقرار السياسيى، يونيو 2024 حين قرر حل الجمعية الوطنية ودعا إلى انتخابات برلمانية مبكرة على أمل الحصول على أغلبية، لكن النتيجة جاءت على غير ما اشتهته سفينته، ببرلمان منقسم بلا أغلبية .
إلا أن السبب الأساسى لسقوط حكومة فرانسوا بايرو، هو طرح خطته للتقشف من أجل خفض الإنفاق العام بقيمة 44 مليار يورو بإجراءات مثيرة للجدل، شملت حتى إلغاء عطلتين رسميتين في الدولة العجوزة الذي قل عدد العمال الذى يسددون الضرائب وتزايد كبار السن الذين يحصلون على المعاش.
ولفتت الحكومة المنهاره في خطاب رئيس وزراءها، أن الدين العام تجاوز 3.345 تريليون يورو، أى ما يعادل 114% من الناتج المحلى الإجمالى في بداية 2025، وهو ثالث أعلى مستوى فى منطقة اليورو بعد اليونان وإيطاليا، وبلغ العجز العام الماضى 5.8% ومن المتوقع أن يصل إلى 5.4% هذا العام، ما يعنى استمرار الاقتراض لتغطية الإنفاق.
والآن يقع الأمر في يد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي يجد نفسه أمام خيارات صعبة، فما بين تعيين رئيس وزراء خامس فى أقل من عامين، من المفترض أن يحصل على أكبر قدر من التوافق حتى لا يتكرر ما حدث مع سابقيه وهو الأمر الذي قد يستغرق أسابيع ويترك البلاد في حالة اضطراب سياسي لا تتحمله، وإما الدعوة لانتخابات برلمانية جديدة سيكون اليمين المتطرف هو الفائز الأكبر فيها وفقًا لاستطلاعات الرأي.
أما الخيار الثالث والأصعب، وهو الاستقالة والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، ولكنه خيار نفاه الرئيس الفرنسي في تصريحات واضحة، حين أكد أنه سيقى رئيسَا لفرنسا حتى الربع ساعة الأخيرة من نهاية ولايته 2027 .