دردشة…بالعربي الفصيح:
رسالة من تحت الماء!
غنى العندليب الأسمر في رائعته "رسالة من تحت الماء" كلمات تفيض بالشوق والحيرة، متسائلاً:
إشتقت إليك
فعلمني ألا أشتاق
علمني كيف أقص
جذور هواك من الأعماق
علمني كيف تموت
الدمعة في الأحداق
علمني كيف يموت الحب
وتنتحر الأشواق
في ظاهرها، قد تبدو هذه الأبيات استغاثة عاطفية للتحرر من لوعة العشق، لكنها تحمل في طياتها لذة متخفية تُغذّي شعوراً مزمناً بالولع. فلطالما تغنى البشر، في دواخلهم، بهذه الكلمات وهم يتمنون فقط أن يبادلهم الآخرون ذات المشاعر الطيبة.
لكن، المفارقة تكمن في أن بعض الأطراف، في حياتنا اليومية، قد أتقنت فن التنفيذ الحرفي لهذه الأبيات، فصارت تمدنا فعلياً بـ"طرق منع الحب والأشواق" تجاهها؛ والأمر ليس معقداً، بل أنه في غاية البساطة! واقع قبيح يُفرض عليك فجأة، يجعل المرء يتوقف عن الحب والاشتياق دون مقدمات. فالحب لا يموت تدريجياً، بل يُقتل في لحظته.
فكيف تقتل الأشواق على أرض الواقع؟ عندما:
- نطلب مراراً وتكراراً ولا نجد حلولاً.
- نصرخ على الدوام ولا نُسمع أبداً.
- نهتم كثيراً، فيقابلونا بمزيد من التجاهل.
- نُوعَد، ثم لا نعود نُفتقد أو يُسأل عنا.
- يُستهان بذكائنا وبمشاعرنا بشكل علني ومستمر.
لا يقتصر هذا القتل المعنوي على الإطار الرومانسي الذي تغنى به عبد الحليم حافظ، بل يمتد ليصبح ظاهرة في سياقات متعددة:
على المستوى السياسي: نراه عندما يصرخ الشعب مطالباً بالتغيير أو الحلول، وما من مغيث يستجيب أو يعبأ بالنداء.
في بيئة العمل والإدارة: عندما نلهث وراء تحقيق مطالبنا المشروعة، فيقابلنا المسؤولون بتسخيرنا للمزيد من الركض والجهد دون إيفاء الوعود.
في السياق الاجتماعي أو الديني: عندما تطالب بتغيير أو تحسين، فتجد أن الشيء الوحيد الذي يتغير هو معاملات الكل تجاهك، فتصبح منبوذاً.
وهكذا، ينجح التجاهل وعدم الاهتمام ونقص المتابعة في قتل كل من الحب والأشواق والأمل.
و يا لتعاستنا…لو أننا نعرف خاتمتنا ما كنا بدأنا!


