التقدم العلمي صنعه الازدراء! تصدع الحزب الليبرالي في الكيبيك ... انتخابات العام القادم في الإقليم الصلاة على قارعة الطريق! سيكولوجية ”النفخ في الزبادي”! وعادت مصر إلى مربع الصفر! والشتا كان يومين وشوية مطر‎ لماذا يعشق الناس الأذى؟ نظرية التطور لا تتعارض مع قضية الإيمان بوجود الخالق A Warning from the Graveyard Rising crime and desperation show a society in danger لماذا تثير خطة ترامب لبيع طائرات F-35 للسعودية جدلا واسعا؟ إجراءات استثنائية فى أسبانيا لمواجهة حمى الخنازير خوفا من تفشى المرض تجميد الهجرة من ”دول العالم الثالث”.. ماذا يعني إعلان ترمب وما طرق تنفيذه؟

دعوة لترميم الإنسان

في ظل ما يحدث على الساحة المسيحية في هذه الأيام ما بين مؤيد ومعارض وما بين مشجع على الانفتاح والانطلاق من عبادة الطقس او المحافظة الشديدة عليه، فحدث الانشقاق والاختلاف وتضارب الافكاربل والانقسام داخل البيت الواحد او الكنيسة الواحدة، يقف الإيمان المسيحي شامخا ليقدّم لنا حقيقة مدهشة تتجاوز حدود الفكر البشري وهي أن الله في يسوع المسيح جاء ليجمع ما تفرّق في حياتنا وفي العالم كله. هذا هو معنى الإنجماع الكلي في المسيح، وهو ليس مفهومًا لاهوتيًا مجردًا بل اختبارًا حيًا يتجدد في قلب كل إنسان يفتح حياته لعمل الله. فالكتاب المقدس يعلن أن الله في ملء الزمان جمع كل شيء في المسيح، ما في السموات وما على الأرض، ليعيد للإنسان صورته المفقودة ويقوده من جديد إلى حضرة الآب. وهذا الإنجماع ليس مجرد عودة نظرية إلى الله بل هو لقاء حقيقي يُعيد ترتيب التاريخ الشخصي والوجود الداخلي للإنسان.

لقد دخل المسيح إلى عالم مشتت مجروح، عالم فقد وحدته الأصلية بسبب فساد الخطيئة. حين نقرأ قصة آدم ندرك أن السقوط لم يكن مجرد مخالفة بل انكسار للعلاقة بين الإنسان والله، وانقسام في داخل الإنسان نفسه، وتمزق في علاقته بإخوته وبالخليقة كلها. ومنذ تلك اللحظة صار الإنسان يعيش حالة تشتت داخلي وشعور بالغربة وعدم الاكتمال. لكن المسيح، آدم الجديد، جاء ليعيد للإنسان ما خسره وليصحح المسار الذي انحرف. ولهذا عاش المسيح كل مراحل الحياة البشرية ليقدّسها وليجعل من حياته البشرية طريقًا لخلاص الإنسانية كلها. ففي طاعته تُشفى عصيان الإنسان، وفي محبته يُرفع القلب من الأنانية، وفي صليبه تُستعاد الشركة الضائعة، وفي قيامته تُعلن بداية الخليقة الجديدة التي فيها يصبح كل شيء ممكنًا.

حين نقول إن المسيح يجمع كل شيء في ذاته فنحن لا نتحدث عن فكرة فلسفية بل عن قوة روحية قادرة أن تغيّر الإنسان من الداخل. فكم من قلوب اليوم مثقلة بالهموم، ممزقة بين الماضي والحاضر، تائهة تبحث عن معنى تعود إليه. المسيح يدخل هذه المساحات المظلمة في النفس ليعيد ترتيبها ويحوّل الفوضى إلى انسجام. فالخلاص ليس مجرد غفران للخطيئة، بل شفاء عميق للطبيعة البشرية وعودة إلى الوحدة الأصلية التي خُلق الإنسان لأجلها. الإنسان الذي يعيش بعيدًا عن المسيح يبقى موزعًا بين رغباته وصراعاته، لكن حين يسلم حياته للمسيح يختبر أنه يعود إلى ذاته، وكأن حياته التي كانت متناثرة تتجمع أخيرًا في مركز ثابت.

وفي عالم يزداد فيه الانقسام وتكثر فيه الأصوات المتضاربة، يظهر معنى الإنجماع الكلي كرسالة رجاء، لأن المسيح لا يجمع الأفراد فقط بل يجمع الخليقة كلها. الكنيسة نفسها هي علامة هذا الإنجماع، لأنها تجمع المؤمنين المختلفين في جسد واحد، وتحوّل التعدد إلى وحدة لا تُلغى فيها شخصية أحد بل تتقدس بالنعمة. بهذا المعنى تصبح الكنيسة ليست مؤسسة بل مكانًا يُعلن فيه المسيح حضوره الذي يجدد ويشفي ويعيد تشكيل الحياة.

إن الإنجماع الكلي في المسيح هو دعوة لكل إنسان أن يسمح للرب أن يدخل إلى عمق قلبه. فالمسيح لم يأت ليضيف شيئًا إلى حياتنا، بل ليعيد خلقها بالكامل. جاء ليجمع خوفنا ورجاءنا، ضعفنا وقوتنا، الماضي الذي يؤلمنا والمستقبل الذي نخافه، ويجعل منها حياة لها معنى وهدف واتجاه. وحتى اليوم لا يزال المسيح يمد يده لكل إنسان قائلاً: دعني أجمعك، دعني أرممك، دعني أصنعك من جديد. وعندما يفتح القلب أبوابه للمسيح، يبدأ فعل الإنجماع الحقيقي، وتولد حياة جديدة يختبر فيها الإنسان أن كل ما ضاع يجد مكانه، وأن كل ما تشتت يعود ليتحد في المسيح الذي هو البداية والنهاية.