خواطر مسافر إلي النور (٢٣٥)
”نجم يمتاز عن نجم في المجد“ (1 كو 15: 41)
هل حب الله للقديسين يختلف عن حبه للذين لم يعرفونه بعد؟
هل حب الله للبشر يختلف من إنسان لإنسان؟ أم أن حب الله واحد وكامل بلا تفرقة بين البشر جميعاً ومنذ اللحظة الأولى التي خلق فيها آدم في الجنة؟
نعم إن ”الله محبة“ وطبيعته ليس فيها ”تغيير ولا ظل دوران“( يعقوب١٧:١)
حب الله كامل ومكتمَل وغير منقوص للإنسان الذي الله أحبه فخلقه.
لذلك عندما أستدعي خلاص الإنسان أن يتجسد ”ابن الله“، لم يضِّن الله علينا بظهور ابنه يسوع المسيح في الجسد . ومن ثمَّة سكب روحه القدوس في قلوب الذين قبلوه مخلصاً لهم: ” هكذا أحب الله العالم حتي لم يضِّن بإبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية“ (يوحنا ١٦:٣)
لقد أعلن الله لنا ذاته في المسيحية أنه الكل الذي ”يملأ الكل في الكل“ (رسالة أفسس ٤: ١٠) . فيسكب كل حبه في كل بشر. لا يحتجز أي شئ من حبه بل سكبه كله في أبنه يسوع المسيح، لكي ينهل منه كل بشر بالروح القدس.
فإذا بالعالم، وقد أغواه الشرير، يبتعد عن المسيح علي الصليب وكأنه وصمة وتهمة، إلا نفر قليل ولصان ”ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً : لليهود عثرة، ولليونانيين جهالة، وأما للمدعوين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله“ (١كورنثوس ٢٣). و عن هذا قال أشعياء بالنبوة ” يارب من صَدَّق خبرنا ولمن أستُعلِنت ذراع الرب“ (سفر أشعياء ١:٥٣).
فلقد أعَلنت النبوة ومن وراء الزمن صدود البشر تجاه خلاص الله في المسيح، فلم يوجد مَن يُقدِّر هذا الحب المسكوب ويأتي لينهل منه ويشرب حتى الثمالة. ولكن هذا لم يثني محبة الله ”ولكن الله بَيَّن محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا“( رومية٨:٥).
كان هذا هو الحب الذي قدمه الله للبشرية جمعاء ” هكذا أحب الله العالم حتي لم يضِّن بإبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية“(يو 16:3)
أما الذين قبلوا إعلان حب الله لهم في ابنه يسوع المسيح وآمنوا به ، فيقول عنهم الرب: "الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني، والذي يحبني يحبه أبي، وأنا أحبه، وأظهر له ذاتي»." (يو 14: 21) .
"«إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلا." يوحنا (14: 23)
إنه نفس كمال حب الله المسكوب للبشر بدايةً كما في الآية: ” هكذا أحب الله العالم حتي لم يضِّن بإبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية“(يوحنا ١٦:٣)
الفرق الوحيد ليس في حب الله لأنه واحد، ولكن الفرق هو من جهة الإنسان وموقفه نحو الله حباً واشتياقاً إليه. مكتوب أن ”كل من له يُعطَي فيُزاد، ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه“ (مت 25: 29). ونلاحظ أن أفعال العطاء والأخذ في هذه الآية مبني للمجهول رغم أن الفاعل هو الله. وذلك لأن العطاء والأخذ يتوقف في المقام الأول علي الإنسان الذي يفتح قلبه لحب الله الذي لا يمنع حبه:”وإنما إن كان أحدكم تعوزه حكمة، فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعيِّر، فسيعطى له“.(يعقوب 5:1). وكلمة يُعيِّر هي من المعيار الذي لقياس العيار. بمعني أن حب الله كامل في مقداره لكل أحد لا يحدُّه معيار. بل يتوقف عياره على سعة مَن يريد أن ينهل من حب الله ويفتح قلبه أكثر لحب الله.
فالذي له اشتياق وحب، يعطيه الرب حتى ولو لم يعمل. لأن العمل الروحي ليس بالضرورة أداء سلوكي بل اشتياق إنساني.
والدليل نجده في مثل المسيح عن الفعلة أصحاب الساعة الحادية عشرة (متى 20: 1-16)، لم يعملوا إلا ساعة واحدة، لكنها كانت كفيلة لإظهار اشتياقهم فأعطاهم الرب مثل أصحاب الساعة الأولى.
لذلك فإن ”نجم يمتاز عن نجم في المجد“ (1 كو 15: 41)، هي آية موجهة للإنسان الذي عرف عن الله ومجده ، من أجل أن يعرف أكثر أن مجد الله بلا نهاية . فالآية تحُث علي ازدياد الاشتياق إلي شخص الله وحبه أكثر وأكثر فيري مجده بلا حدود ”ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر علي قلب بشر ما أعده الله للذين يحبونه“ (١كورنثوس ٩:٢).
من أجل ذلك قال الرب ”أنا واقف علي الباب وأقرع ، إن سمع أحد صوتي وفتح لي أدخل إليه وأتعشي معه وهو معي“( سفر الرؤيا ٢٠:٣) ... الرب يعطينا فنسمع صوته أمين. .. ”من له أذنان للسمع فليسمع“ (مت١٥:١١)... والسُبح لله


