٢٠٠ صاروخ إيراني... والقتيل ”فلسطيني” ! تقارب بين ترامب وهاريس قبل شهر من انتخابات 5 نوفمبر القادم ”روبرتو باچيو” الرجل الذي مات واقفا ... دون داعي!‎ كما تتفاقم الأخطاء…كذلك أيضا تتوفر الفرص! اضطراب التسوق القهري... ”إدمان التسوق ” كبار السن.. بين الجنون والتقديس! ”تيتا زوزو”... وحلم الهروب من الجامعة من الخاسر في معركة لبنان‎؟! وصباح الخير يا سينا!! الخروج من القمقم أحد لم يفقد ”وتعرفون الحق...والحق يحرركم” (أنجيل يوحنا ٣٢:٨)

من الأرقى؟

كعادته وقف مدرس التربية الدينية يشرح بأسلوبه الشيق الاصحاح الأول من سفر التكوين. فأوضح للدارسين والطلبة روعة عمل الله وكيف انه خلق الكون بكلمته وان الإنسان خلق على صورته ومثاله. واثناء شرح الدرس وقف أحد التلاميذ متفاخرا بكلبه الجديد الذي اشتراه له والده وقاذفا قنبلة لاهوتية بأن كلبه الجديد أيضا على صورة الله!! بل والأدهي ان زميلة له اوضحت وكشفت عن قناعة عجيبة داخلها حيث انها تشعر في ذاتها انها قطة جميلة في جسد انثي.

وهنا تذكر هذا المدرس انه قرأ يوما عن بعض الأشخاص الذين يتناسون انهم بشر خلقت على صورة الله ومثاله ويرتدون ملابس الحيوانات ويتعاملون كأنهم بالفعل حيوانات تنبح كالكلاب وتعوى كالذئاب.

وهنا وجد المدرس انه امام معضلة لاهوتية نفسية كبيرة فقام لتوه بشرح رقي وعظمة هذا المخلوق الرائع الذي على صورة الله. فبدأ حديثه قائلا:

الإنسان عالم صغير فهو المكان الذي فيه تتحد معا الخلائق المنظورة وغير المنظورة، الخلائق المادية وغير المادية. فالإنسان هو همزة الوصل بين العالمين المادي والروحي. أن كل ما خلقه الله كان حسنا، أما الإنسان، فرأي الله انه حسن جدا (تكوين ١: ٣١). فهو المخلوق الوحيد الذي خلق على صورة الله ومثاله (تكوين ١: ٢٦). لأهمية هذا المخلوق الفريد، تخصص بعض لاهوتي الشرق والغرب في دراسة هذا المخلوق الرائع، وهو ما يسمي بعلم الإنثروبولوجيا (l’anthropologie – anthropology)

ولكن كيف رأى أباء الكنيسة عظمة ورقى هذا الإنسان؟

يقول الكتاب المقدس:" نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا، فيتسلطون علي سمك البحر وعلي طير السماء وعلى البهائم، وعلى كل الأرض، وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض." (تك: ١: ٢٦). أن استخدام لفظ الجمع هنا ليس للتعظيم، فاللغة العبرية لا تستخدم الجمع للتعظيم مثل اللغة العربية. بل الجمع هنا لإشتراك الثالوث في خلق الإنسان. وهذا الإنسان هو نتيجة حوار ثالوثي تم بين أقانيم الثالوث القدوس!!

يقول في هذا الصدد، ق. يوحنا ذهبي الفم: "إن الله ضمن مشروعه الاسخاتولوجي أراد أن يختلف الإنسان عن باقي الخليقة وهذا يبدو واضحاً في سفر التكوين أن كل الأشياء الأخرى قد صارت بأمر واحد من الله. لتكن سماء، ليكن نور… ولكن عندما يصل إلى خلق الإنسان يقول الله: "لنصنعنّ الإنسان" وكأنه يتشاور مع أشخاص آخرين لهم نفس الكرامة الإلهية ".

والسؤال هنا، يا تري من هم هؤلاء الأشخاص الأخرين الذين لهم نفس الكرامة الإلهية؟ يجيب القديس باسيليوس الكبير، في عظته حول أصل الإنسان قائلا: "إن الله قال لنصنع ولم يقل لأصنع ويتضح من هذا أن الثالوث كله اشترك في خلق الإنسان، وعندما قال الكتاب "وخلق الله الإنسان" دلّ بذلك على وحدة الألوهة رغم وجود ثلاثة أشخاص (أقانيم) فهناك قوة فاعلة واحدة تجمع بينهم وتحملك إلى عبادة إله واحد لكنه في ثلاثة أقانيم" ولئلا يتوه البعض فكلمة أشخاص هنا المقصود بهم الأقانيم. فالتعريف السليم لكلمة أقنوم هو: ما يقوم فيه أو ما يقوم عليه الجوهر الإلهي.

فالإنسان له نكهة وميزة عن باقي المخلوقات، هذه المسحة هي طابع الصورة الإلهية فيه. وعن هذه الصورة الإلهية، يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي: "هذه النسمة هي من روح الله، وهذه النعمة الإلهية الخاصة بالإنسان يسميهما جزءاً من الألوهة. أو تدفقاً من اللاهوت غير المنظور. أي الإنسان منذ خلقه يحمل الله في قلبه ويحافظ عليه حتى يستقر أخيراً هو في قلب الله، ولكن كون الإنسان يملك جزءاً إلهياً فهذا لا يعني أنه قطعة من جوهر الله، الفرق بينه وبين الله أن الإله غير مخلوق أما الإنسان فموجود بالخلق."

ما أبدع أعمالك يا الله، ما أرقي ما صنعته يديك!! هل تدرك هذا عزيزي القارئ؟ أن الإنسان يلهث ويجري هنا وهناك بحثا عن قيمته، وبحثا عن إثبات ذاته، متناسيا ومتجاهلا أن القيمة الحقيقية للإنسان ليست فيما يصنعه، بل فيما صنع لأجله.

والسؤال الآن، ما طبيعة هذه الصورة الإلهية لدي الإنسان؟ وما هو هذا المثال وهل تحقق بالفعل هذا المثال؟

هذا ما سيجيب عنه صديقي المدرس في المقال القادم، إن أحبت نعمة الرب وعشنا.