اعملوا مادام نهار

ان الكتاب المقدس من أكثر الكتب التي تكلمت عن العمل وقيمته وأهميته بالنسبة للإنسان، وأول وصف كان في جنة عدن في سفر التكوين عندما قال الرب الاله ذاته عن عمل يديه انه حسنا جدا، كما وقد امر آدم ان يعمل حيث أعطاه وظيفة قبل السقوط وهي إعطاء اسماء للحيوانات، (تكوين ٢: ١٥) الرب وضعه في الجنة ليحفظها ويعملها، ثم بعد السقوط ان يعمل في الارض ويكثر في العدد، وهنا يظن البعض انها لعنة بحيث يشقي ويتعب.
في الواقع ان اللعنة المقصودة هنا ليست على العمل أو الوظيفة أو المجهود المبذول بل على كمية الثمر المنتج. حيث قال له ان الارض لن تعود تعطيك مقابل عملك. ان كل أنبياء الرب كانوا يعملون، فإبراهيم كان رجل اعمال يباشر أملاكه لان الرب أعطاه غني كثير وعبيد ومواشي وغنم، وموسي وداود كانوا رعاة غنم ويعقوب ابو الأسباط عمل العديد من الوظائف طول مدة حياته، ويشوع وجدعون كانوا قائدي عسكر، وشمشون ودبورة كانوا قضاة للشعب، وعاموس كان راع غنم وجاني جميز، ونحميا كان ساقي الملك ، وعزرا كان كاتب، وهوشع كان كاهن، والتلاميذ كانوا صيادي سمك كبطرس ويعقوب ويوحنا او جابي ضرائب عشار مثل متي ، وكاتب إنجيل لوقا كان طبيب، وغير ذلك من الأمثلة الصريحة والواضحة عن العمل وقيمته.
كما يشير الكتاب الي بعض الناس المتطفلين (كما وصفهم بولس الرسول) الكسالى (كما وصفهم سفر الأمثال) الذين يرفضهم الرب بقوله: من لا يتعب ولا يعمل لا يأكل ايضا، فالرب الاله يؤكد على قيمة العمل حتى انه في عظمته وجلاله وقدرته اشتغل على أرضنا كنجار متعلما من يوسف حرفته (لوقا ٢: ٥١)، وفي (أعمال الرسل ١٨: ٣) بولس صانع خيام.
كل هذا عزيزي علمني ان العمل قيمة هامة ولا توجد وظيفة حقيرة واخري عالية، فالملك يعمل وكناس الشارع والزبال يعمل وكل منهما يحتاج الاخر ولا يستغني عنه، فهذا يذكرني بالفترة التي كان عمال النظافة بتورنتو في إضراب لمدة أسبوعين، وكيف في ايام قليلة تكونت أكوام من القمامة والرائحة والحشرات التي احتاجت الكثير من المجهود لعلاج الأزمة، فما جدوي وظيفة الملك دون ان تكون هناك وظيفة عامل النظافة، فالكتاب يشير الي ان العنكبوت يعيش حتي في قصور الملوك، تخيل عزيزي اذا لم ينظف القصر كم من الحشرات والقوارض التي ستعيش في هذا القصر.
عزيزي ربما تجد كلامي غريب وغير مألوف ولكن اصرف قليل من الوقت لتفكر فيه. علمني والدي ان كل الوظائف محترمة وعلى ألا احقر من شائن او وظيفة ما او عمل ما، فالرب الاله اوصي شعبه قائلا: ستة ايام يعمل عمل. واما اليوم السابع ففيه يكون لكم سبت عطلة مقدس للرب (خروج 35: 2)، مؤكدا على راحة هذا الجسد حتى ما يكون قادرا على الاستمرار في المزيد من العمل. وبولس يوصي شعب أفسس: لا يسرق السارق فيما بعد، بل بالحري يتعب عاملا الصالح بيديه، ليكون له ان يعطي من له احتياج (أفسس 4: 28)، أي انه بعمله يمكن ان يعول من هو شيخ او مريض غير قادر علي العمل وتسديد احتياجاته. كما يوصي العبيد (بلغة اليوم العاملين) قائلا: وكل ما فعلتم، فاعملوا من القلب، كما للرب ليس للناس (كولوسي 3: 17، 23)، فمن يعرف أن يعمل حسنا ولا يفعل فذلك خطية له (يعقوب ٤: ١٧). أتمنى ألا تكون أخي متطفل او كسول بل عامل كل حين بقلب شاكر ومحب.