أنتم شهودي

هل عزيزي وقفت يوما ما لتشهد على واقعة أو حدث أو جريمة. هل عاصرت صراع "أقول أو لا أقول"؛ "اشهد أو لا اشهد". هذا ما قد مررت به انا شخصيا منذ حوالي شهر من الزمن حيث طلبت مني ادارة الشركة التي اعمل بها بالتواجد بالمحكمة لإدلاء بشهادتي على تصرفات أحد العملاء.
وكم كانت تجربة تعلمت منها الكثير ليس فقط من الاجراءات الروتينية الحكومية بل ايضا اعماق النفس البشرية، تلك الاعماق السوداء التي تتربص لأخطاء الاخرين وتنتظر حكما قاسيا على الاخر. فهذه ليست اول مرة احضر محكمة، فقد كانت اول مرة عندما تقدمت بدعوة ضد زميلا لي أهانني، ولكن المحقق قال لي: إذا كنت تفتكري نفسك تدينيه سوف تخرجي من أمامي مدانة.
والمرة الثانية تقدمت بكل المستندات التي تثبت صحة كلامي لكن ما حدث ان الخصم كان ذو مكانة اجتماعية ومادية اعلى فكسب القضية بتعويج القضاء....يا لها من مهزلة اجتماعية يتشدقون بحقوق الانسانية وهم ابعد ما يكونوا عنها فقط يستخدمونها لمصالحهم الشخصية.
كل هذا دعاني أن انظر إلى الساحة العالمية من اتهامات في اعراض واخلاقيات وافعال الناس كما لو كان الكون قد خلي من أي عمل خلاق صالح ذو فائدة يساعد على بناء فردا صحيحا متكاملا متوافقا للعيش في سلام مع اخيه الانسان. وهذا يذكرني بالقول الاول بجنة عدن عندما ألقى كل منهم على الاخر بالتهمة مثل الاطفال عندما تواجههم يردون على الفور والتو واللحظة: "مش انا ده هو".
عزيزي لماذا اشرح كل ذلك لأنه استوقفتني آية مرات عديدة عن الرب الإله يستشهد بنا حيث يقولها أكثر من مرة في سفر اشعياء "أنتم شهودي يقول الرب" (اشعياء 43: 10، 12). أنتم شهودي انني إله المعجزات والمستحيلات؛ الإله الذي يقدر أن يصنع في البحر والبرية طريق؛ أنتم شهودي على أمانتي وعدم أمانة شعبي (ارميا 4: 22)؛ أنتم شهودي علي حسن صنيعي ومحبتي ورحمتي؛ العالم بكل شيء (اشعياء 44: 8). أنتم شهودي على عمل الفداء وتقديمي لذاتي لمصالحتكم لنفسي.
فهذا ما قاله الرب يسوع المسيح لتلاميذه عند صعوده بعد ان تمم عمله بالفداء على صليب العار فقال: "لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهودا في اورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى اقصى الأرض» (أعمال الرسل 1: 8). وهذا أيضا ما أوصاه الرسول بولس لتلميذه المخلص تيموثاوس قائلا: "جاهد جهاد الإيمان الحسن، وامسك بالحياة الابدية التي إليها دعيت ايضا، واعترفت الاعتراف الحسن أمام شهود كثيرين (تيموثاوس الأولى 6: 12). "وما سمعته مني بشهود كثيرين، اودعه اناسا امناء، يكونون اكفاء أن يعلموا أخرين أيضا" (2 تيموثاوس 2: 2).
وهنا الشهادة لا تعني الموت أو الكلام ولكن الأخبار وتأكيد الحدث الذي هو صليب وقيامة الرب المخلص الفادي يسوع المسيح. ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم. (متى 24: 14). من يؤمن بابن الاله فعنده الشهادة في نفسه. من لا يصدق الرب الاله، فقد جعله كاذبا، لأنه لم يؤمن بالشهادة التي قد شهد بها هو عن ابنه. وهذه هي الشهادة: ان الرب الإله أعطانا حياة أبدية، وهذه الحياة هي في ابنه (يوحنا الأولى 5: 10، 11)؛ هكذا نكون شهوداً علي بركات واحسانات ومعية الرب منذ اللحظة التي تكونت بها في رحم الأم؛ فيمكنني أن أترنم مع المرنم:
مفارقنيش ابدا ابدا إحسانك ده مفارقنيش... من وانا لسه في رحم الأم الرحمة شالتني ومسبتنيش
ربي انا شاهد على امانتك.