لماذا يكره السلفيون المتحف؟ عزيزتي جود نيوز.. شُكرًا فوز ممداني في مدينة نيويورك وصناعة الكذب وعدم فهم الغرب غزوة المتحف المصري الكبير ابن الراوندي والفول النابت... وحكامنا الآلهة‎ رسالة من تحت الماء! 9.5% انخفاض في مبيعات اكتوبر النتائج الأولية: وصول 5 من المرشحين الأقباط لجولة الإعادة في انتخابات ”النواب” ومازلنا نعيش في ”الهبل” المقدس‎ من الكاتب؟ (٣) إيمان صريح وقف بناء كنيسة ميت عفيف بالمنوفية

لماذا يهدد ترامب بالتدخل؟

كيف تبدو أوضاع المسيحيين في نيجيريا

نيجيريا في المركز السابع عالميًّا والرابع أفريقيًّا على قائمة الدول الأكثر عداءً للوجود المسيحي

عاد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى واجهة الجدل الدولي بعد تلويحه باستخدام القوة العسكرية ضد نيجيريا، متهماً سلطاتها بالتقاعس عن حماية المسيحيين. وقال ترامب إنه وجّه "وزارة الحرب الأميركية" للاستعداد لعمل عسكري "سريع" إذا لم تتخذ الحكومة النيجيرية إجراءات صارمة لوقف "قتل المسيحيين".

كما أعلن ترامب إعادة إدراج نيجيريا على قائمة "الدول المثيرة للقلق بشكل خاص" في ملف الحريات الدينية، مهدداً بوقف المساعدات الأميركية عنها، وهي ليست المرة الأولى التي تُدرج فيها نيجيريا على تلك القائمة؛ فقد اتخذت إدارة ترامب الإجراء ذاته عام 2020، قبل أن تقوم إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بحذفها في 2021، معتبرة أن الوضع تحسّن نسبياً في البلاد.

المتحدث باسم الرئاسة النيجيرية، دانيال بوالا، وصف تهديدات ترامب بأنها "غير مقبولة" و"تستند إلى تقارير مضللة". وأوضح في تصريح صحفي أن "الولايات المتحدة لا تملك الحق في تنفيذ أي عملية عسكرية داخل نيجيريا من جانب واحد تحت أي ذريعة"، مؤكداً أن بلاده "دولة ذات سيادة ولا تقبل التهديد أو الوصاية الخارجية".

وأضاف بوالا أن نيجيريا منفتحة على التعاون الأمني مع واشنطن "ما دام يحترم سيادة البلاد وسلامة أراضيها"، مذكّراً بأن نيجيريا شريك أساسي للولايات المتحدة في محاربة الإرهاب في غرب إفريقيا.

أما الرئيس بولا أحمد تينوبو، فاختار نبرة أكثر توازناً، لكنه لم يُخفِ امتعاضه من تصريحات ترامب، قائلاً إن "تصوير نيجيريا كبلد يضطهد المسيحيين لا يعكس الواقع الوطني". وأكد أن الدستور النيجيري "يضمن حرية المعتقد للجميع"، مشيراً إلى أن حكومته "تحارب التطرف والعنف دون تمييز بين الضحايا على أساس الدين أو العرق".

في بيان لاحق، شددت وزارة الخارجية على أن نيجيريا "لن تسمح بأي تدخل خارجي في شؤونها"، لكنها أعربت في الوقت نفسه عن أملها في استمرار التعاون الأمني مع واشنطن في مواجهة التهديدات الإرهابية المشتركة.

في الوقت الراهن، تمر نيجيريا بمرحلة أمنية حرجة، إذ يتزامن تصاعد الهجمات في الشمال الشرقي – حيث تنشط جماعة بوكو حرام وتنظيم "داعش في غرب إفريقيا" – مع اتساع دائرة العنف في الشمال الغربي بسبب عصابات مسلحة تمارس الخطف الجماعي والهجمات على القرى الريفية خاصة على المناطق المسيحية. كما أن الصراع المزمن بين رعاة الماشية والمزارعين في ولايات "الحزام الأوسط" مستمر، ما يزيد من تأجيج التوترات المجتمعية.

هذه الظروف الميدانية شكّلت بيئة خصبة لتقارير تؤكد أن المسيحيين في نيجيريا يتعرضون لاضطهاد ديني ممنهج.

احتلّت نيجيريا المركز السابع عالميًّا والرابع أفريقيًّا على قائمة الدول الأكثر عداءً للوجود المسيحي، حسب تصنيف منظمة Open Doors USA، وهي منظّمة تتعاون مع الكنيسة المحليّة في شمال نيجيريا.

الاضطهاد المسيحي في نيجيريا

يتمركز الاضطهاد العنيف في شمال نيجيريا، وتمارسه الجماعات المسلّحة التي تستغل الستار الديني مثل جماعة بوكو حرام، والمسلّحون من ولاية غرب أفريقيا الإسلاميّة (ISWAP)، وجماعات الفولاني المسلّحة، بالإضافة إلى العصابات والمرتزقة، فيعيش المسيحيّون حياتهم في تهديد مستمر بسبب معتقداتهم.

وتريد تلك الجماعات المذكورة آنفًا القضاء على الوجود المسيحي في نيجيريا وتهجير المسيحيين، خاصّة في الشمال، تحت مظلّة تطبيق الشريعة الإسلاميّة إذ يُعامل المسيحيّون كمواطنين من الدرجة الثانية، بالإضافة إلى التمييز على أساس الدين والقتل على الهويّة الدينيّة. كما تمتدّ الهجمات المسلّحة على المسيحيين في الجنوب حيث تستوطن الجماعات المسلّحة الغابات الجنوبيّة، وتقطع الطرق على المزارعين المسيحيين لمنعهم من الوصول إلى أراضيهم، ما يجعل آلاف المسيحيين يضطرّون للعيش في مخيّمات رسميّة أو غير رسميّة للنازحين داخليًّا.

لقد أصبح النيجيريّون لاجئين داخل بلدهم، خاصّةً الأشخاص الذين فقدوا منازلهم أو عائلاتهم، وتُعتبر النساء والفتيات الأكثر عرضة لمستويات أعلى من العنف والإكراه على تغيير الديانة أو القتل بعد الاستغلال الجنسي.

مؤشرات واحصائيّات حول اضطهاد المسيحيين

لا قيود من الحكومة النيجيريّة على حرّية العبادة لكن نيجيريا احتلّت المرتبة الأولى من حيث إجمالي المسيحيين المقتولين على أساس الهويّة الدينيّة عالميًّا، إذ وصل عدد القتلى إلى 4,650 مسيحيًّا في نيجيريا في العام 2021 فقط (أكثر من قتيل واحد كل ساعتين) لتصبح نيجيريا مسؤولة عمّا يقارب 80٪ من وفيّات المسيحيين على أساس الهويّة الدينيّة في كل أنحاء العالم.

وفي حين احتلّت نيجيريا أسوأ نموذج لاضطهاد المسيحيين في العالم، قال ناثان جونسون المدير الإقليمي للمنظّمة الدوليّة المعنيّة بمسيحيي أفريقيا إن الأعمال العدائيّة في نيجيريا مدفوعة بمجموعة معقّدة من العوامل الاجتماعيّة والاقتصادية (الرعاة ضد المزارعين) والعرقيّة (قبائل الفولاني ضد الجميع ما عدا قبائل الهوسا) والدينيّة (المسلمون ضد المسيحيين).

في الواقع، لا يزال المسيحيّون النيجيريّون الذين يمثّلون نصف السكان يتعرّضون للذبح والتهجير القسري من أراضيهم وهدم كنائسهم وخطف بناتهم وسبيهن وإرغامهن على الزواج، بالإضافة إلى الظروف المعيشيّة الاجتماعيّة والاقتصاديّة الصعبة، فلا يكادون يجدون مقوّمات الحياة الأساسيّة من طعام وملبس ومسكن يأويهم، فقد أُجبروا على هجرة مزارعهم إلى مدن أخرى أو مخيّمات أو مستعمرات لاجئين تابعة للدولة لا يملكون فيها شيئًا.

وقد استند ترامب إلى تلك التقارير في تصريحه، رغم أن هناك من المتابعين من يرى أن المعطيات على الأرض تُظهر أن العنف في نيجيريا ذو طابع معقّد ومتعدد الأطراف، ويطال ضحايا من مختلف الخلفيات الدينية والعرقية.

في المقابل، تتهم السلطات النيجيرية الخطاب الأميركي المثار مؤخراً بأنه سياسي ومتحيّز، ويقوم على معلومات قديمة أو مشوّهة لا تعكس الواقع الراهن. أما الرئيس بولا تينوبو، فيسعى إلى كبح هذا التصعيد عبر إظهار استعداد بلاده للتعاون الأمني مع واشنطن، من دون السماح بتدخل خارجي ينتهك السيادة الوطنية.

وتعاني نيجيريا منذ سنوات من اضطرابات أمنية وصراعات داخلية معقدة. أبرز هذه التحديات يتمثّل في تمرد في شمال شرق البلاد قامت به جماعات إسلامية مسلحة مثل بوكو حرام وجماعة إقليمية موالية لتنظيم الدولة الإسلامية (تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية غرب إفريقية).

تلك الجماعات تطرح خطاباً متشدّداً يدّعي الدفاع عن المسلمين ومحاربة "الكفّار"، فإن عنف الجماعات الإسلامية المتشددة يطال مجتمعات بأكملها سواء كانت مسلمة أو مسيحية.

إلى جانب التمرد المسلح في الشمال الشرقي، تشهد مناطق حزام الوسط في نيجيريا توترات طائفية بين رعاة الماشية من قبائل مسلمة ومزارعين من مجتمعات مسيحية حول الموارد والأراضي. وأسفرت هذه النزاعات على المراعي عن اشتباكات دامية متكررة بين الجانبين. كما تعاني ولايات الشمال الغربي من نشاط عصابات إجرامية (يُطلق عليهم محلياً "قطاع الطرق") تقوم بهجمات على القرى وخطف المدنيين لأجل الفدية.

كل هذه العوامل مجتمعة أوجدت حالة من عدم الاستقرار الأمني في مناطق واسعة من نيجيريا، وفاقمت التحديات أمام السلطات في أبوجا. ومع ذلك، تؤكد الحكومة النيجيرية أنها لا تميّز بين ضحايا الإرهاب على أساس الدين أو العِرق، وتبذل جهوداً متواصلة لبسط الأمن وحماية جميع المواطنين على حد سواء.

مسيحيو نيجيريا

يشكّل المسيحيون في نيجيريا أحد المكوّنات السياسية والاجتماعية الأكثر تأثيراً في البلاد. ولا يوجد إحصاء رسمي يخص أتباع الديانات في نيجيريا، لكن التقديرات تشير إلى أن المسيحيين يشكّلون نحو نصف عدد السكان.

يتمركز معظمهم في ولايات الجنوب والوسط، مثل أنامبرا، إنوغو، بلاتو، وبينو، حيث يتمتعون بحضور سياسي واقتصادي واسع. وعلى الرغم من أن الدستور النيجيري علماني ولا يوزّع المناصب على أساس ديني، فإن الحياة السياسية تقوم عملياً على مبدأ توازن الشمال والجنوب كعرف لضمان تمثيل متوازن بين المسلمين والمسيحيين في القيادة.

ففي العقود الأخيرة، جرى التداول على منصبَي الرئيس ونائبه وفق هذا المبدأ؛ إذ مثّل محمد بخاري (مسلم شمالي) ونائبه يِمي أوسينباجو (مسيحي جنوبي) نموذجاً لهذا التوازن، بينما أثار الثنائي الحالي بولا تينوبو (مسلم من الجنوب) وكاشيم شيتيما (مسلم من الشمال) جدلاً واسعاً، لكونه أول سابقة لرئيس ونائبه يدينان بنفس العقيدة منذ عودة الديمقراطية عام 1999.

سياسياً، يتمتّع المسيحيون بحضور فعلي في المؤسّسات التشريعية والتنفيذية، ويقودون عدداً من الولايات الجنوبية والوسطى. ومن أبرز الوجوه السياسية المسيحية في السنوات الأخيرة: بيتر أوبـي، المرشّح الرئاسي عن حزب العمال عام 2023، والسيدة الأولى أولوريمي تينوبو، العضو السابقة في مجلس الشيوخ، إضافة إلى شخصيات اقتصادية بارزة مثل المحافظ السابق للبنك المركزي غودوين إيميفيلي.

وعلى المستوى المجتمعي، يُعدّ المجلس المسيحي النيجيري الهيئة الجامعة الرئيسية التي تمثّل الكنائس والطوائف المختلفة، وتؤثر في النقاش العام حول الحريات الدينية وسياسات التعليم والصحة.

ورغم تصاعد العنف الطائفي في بعض المناطق المختلطة، يظلّ المسيحيون جزءاً أصيلاً من البنية الوطنية النيجيرية، يمتلكون نفوذاً واسعاً في الإعلام والتعليم والاقتصاد، ويُنظر إليهم باعتبارهم ركناً أساسياً في السعي إلى تحقيق توازن مستدام بين الديانتين الكبريين في "العملاق الإفريقي".

نيجيريا هي الدولة الأكبر في إفريقيا من حيث عدد السكان، إذ يتجاوز عددهم 213 مليون نسمة وفق تقديرات عام 2023. وتتميّز بتنوّع ديني وثقافي نادر، ما يجعلها من أكثر دول العالم عدداً في أتباع الديانتين معاً.

جغرافياً، يغلب المسلمون في الشمال، بينما يتركّز المسيحيون في الجنوب. ورغم هذا الانقسام الديني والجغرافي، يحكم البلاد دستور علماني يضمن حرية المعتقد والممارسة الدينية.

إلا أن بعض الولايات الشمالية تطبّق الشريعة الإسلامية في قضايا الأحوال الشخصية، ما يثير بين الحين والآخر نقاشات داخلية حول العلاقة بين الدين والدولة.

اقتصادياً، تُعد نيجيريا قوة إقليمية كبرى، بفضل احتياطاتها الضخمة من النفط والغاز، لكنها تعاني من ضعف البنية التحتية، والفساد، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب. ويصفها النيجيريون بـ"عملاق إفريقيا" الذي لم يستثمر بعد كامل طاقته.

أما عسكرياً، فيُعدّ جيشها من أكبر الجيوش في القارة، إذ يضم نحو 230 ألف جندي في الخدمة الفعلية ونحو 50 ألف عنصر في القوات شبه العسكرية، بميزانية دفاع تتجاوز 3.16 مليار دولار سنوياً.

شارك الجيش النيجيري في بعثات إقليمية لحفظ السلام في سيراليون وليبيريا، ما منحه خبرة عملياتية، لكنه يواجه اليوم تحديات داخلية كبرى مع تعدد بؤر التوتر في البلاد.