إيليا مقار يكتب: ما أشبه الليلة بالبارحة

إندلعت الحرب الأهلية اللبنانية في أبريل عام 1975 عندما قام مسلحون فلسطينيون بمحاولة إغتنيال بشير الجميل، الزعيم المسيحي، الذي نجا من الموت بينما قتل أربعة من معاونيه، ورد حزب الكتائب بقتل 27 فلسطينياً عندما إشتبهوا في أنهم في طريقهم لمهاجمة المناطق المسيحية في بيروت، كانت المقدمات لهذه الحرب قد بدأت قبل ذلك بعدة سنوات، عندما إعتبر الفلسطينيون أن وجودهم في لبنان حق مكتسب، وحملوا السلاح في وجه الدولة، وغيروا المعادلة السياسية والطائفية التي فرضت التعايش في لبنان لمئات السنين.
أذكر هذه الحادثة، لان التاريخ يعيد نفسه على مستويات قد تكون أعمق حدة وأكثر إتساعاً، الحرب الأهلية اللبنانية لم تكن في الحقيقة "اهلية" بمعنى الكلمة، كانت إسرائيل وسوريا وغيرهما من الدول العربية والأجنبية متواجدين بفاعلية في المشهد، وتغيرت التحالفات أثناء الحرب بطريقة مذهلة، حتى بين القوات المسيحية نفسها التى إقتتلت في بعض الفترات. وفي وقت من الأوقات، وجدت سوريا نفسها على نفس الخط مع إسرائيل بل ومنسقة معها لأن مصالح كل منهما أجبرتهما في ذلك الوقت على ذلك.
واليوم، يتعقد المشهد في الشرق الأوسط بنفس الدرجة، فالولايات المتحدة التي تعتبر إيران عدواً مارقاً يمثل تهديداً للسلام العالمي، تجد نفسها في نفس الخندق مع إيران في مواجهة الخطر المجنون للدولة الإسلامية التي تتسع كل يوم، بينما علي بعد مئات الكيلومترات، وفي سوريا، تتعارض المصالح الأمريكية والإيرانية وتختلف التحالفات، فالولايات المتحدة ضد بشار الأسد وتحاول إسقاطه، وإيران تساند بشار الأسد وتمده بالسلاح، ونفس الموقف ينطبع علي دول أخرى مثل السعودية، فهي حليف للولايات المتحدة، ومع ذلك تساند المسلحين السنة في سوريا وفي العراق خوفاً من المد الإيراني وكسراً للهلال الفارسي الذي يمتد من إيران ويصل الي لبنان مروراً بالعراق وسوريا.
وتقف في نفس الخندق الأردن، وهي في موقف يحسد عليه بين دول فكك أواصرها ما يسمى بالربيع العربي، وجماعات إسلامية تأتي من زمن ما وراء الحضارة، تنشر خرائط جديدة للمنطقة تقع فيه الأردن في قلب الخلافة الأسلامية الفاشية الموعودة. وفي الأسبوع الماضي، إستدعى العراق سفيره في الأردن، بعد قيام الأردن بعقد إجتماع لمساندة التيارات المسلحة السنية في العراق وإنتهى الإجتماع بإعلان أن ما يحدث في العراق من قتل وقطع للرئوس وتفتيت للوطن، هو من قبيل "المقاومة".
كل هذه التحالفات السياسية، خلفت ورائها أكبر أزمة لاجئين في العالم، ووسط كل هذه الفوضى والضجيج، يخرج مسيحيى الموصل من ديارهم مجبرين في صمت، ويصمت العالم في المقابل الى أن نجبره على أن يسمع، فالعالم غير مستعد لمقاتلة داعش نصرة لإيران، وغير مستعد لمقاتلة أيران إتقاءاً لخطر داعش، وفي لقاء حضرته منذ عدة أسابيع داخل أحد مبانى الكونجرس، قال عضو بالكونجرس أنه سأل شخصية هامة بالبنتاجون عن خطة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في وسط كل هذه الفوضى والعلاقات المتشابكة والمعقدة للأطراف المتصارعة، فرد المسئول بالنتاجون "لن نفعل شيئاً.. سنتركهم ينزفون حتى الموت".